إضاءة على "لاءات جسد"‎ للشاعرة حياة قالوش

لعل ما يميّز هده القصائد على الرغم من كثرتها هو المناخ النفسي القائم فيها .. حيث يسودها مناخ نفسيٌّ هادئ ترفرف فيه بيارق الحبّ وإيقاعات الجمال.

"لاءات جسد"‎ للشاعرة حياة قالوش

 عشقُها للفيزياء وشغفُها بقوانينه وأبحاثه لم يكن -في يوم من الأيّام- عائقاً أمام ملَكتها الإبداعيّة في نظم الشّعر، نالت عندما كانت في المرحلة الثانوية المرتبة الأولى في مسابقة للشعر على مستوى ثانويات بيروت.

صاغت حروفها من ألوان الربيع والزّهْر، فكان لها ذلك الرونقٌ الخاصّ المحلّق في فضاءاتٍ سرمديّة نديّة، تسبر به أغوار الرّوح، وتعزف لحن الحبّ على أوتار الشّعور والنّبض.

إنها الشاعرة حياة قالوش التي رفعت مؤخراً الستارة عن باكورة أعمالها الشعرية، حيث صدر لها عن دار "صادر" ديوانٌ حمل عنوان "لاءات جسد".

‎"لاءات جسد" شجرة شعريّة وارفةُ الظّلال يتوهّج على أفنانها ما يربو على أربعين قصيدةً تسبح في رحاب أوزان الخليل، وترفلُ في حلّة اللفظ الموحي والعاطفة الشجيّة المتوهّجَة الحارّة والرمز الشفّاف..

ولعل ما يميّز هده القصائد على الرغم من كثرتها هو المناخ النفسي القائم فيها .. حيث يسودها مناخ نفسيٌّ هادئ ترفرف فيه بيارق الحبّ وإيقاعات الجمال. فالحبّ هو جوهر الديوان الرئيسي، والخيالُ هو العربة التي تنقل الشاعرة إلى عالمها المنشود وفردوسها المفقود. والكون بما فيه منضمٌّ لهذه السيمفونيّة البهيجة.

‎هذا التضامن الكوني نلمسه بوضوح في قصيدة "إلاك" حيث ترصد لنا الشاعرة تأثّر الطبيعة وموجوداتها بجمال المحبوب، يتراقص النّدى والمطر، وتتعانق الشّمس والقمر لِيرسما معاً على خدي المحبوب حكايةَ عشقٍ لا تنتهي..

 

‎(الدّربُ بردٌ بردْ

يشدُّني إليكَ معطفُ المطرْ

والشّمسُ في يدَيكْ

رقصٌ ورسمٌ في النَّظرْ

مستيقظٌ هذا الجسدْ

‎مستوحدٌ

هذا القمرْ

ما للنّدى يمشي على خدَّيكْ).

 

‎في القصيدة التي تحمل عنوان الديوان تصوّر الشاعرة ذلك الأملَ الجميل الذي يكتنف منطوياتِ ذاتها، رغم كلّ القيود والحدود التي تقف عائقاً أمام الوصال والتلاقي.

‎(حرّر الأوهامَ من رمل السنينْ

‎لم يزلْ قلبي مُعافى

‎هائماً يلهو ويشقى

‎بانتظارِ الياسمينْ).

 

‎مع كلّ قصيدةٍ جديدة يزداد خفقان قلب القارئ وتلفّه رغبةٌ جامحة في متابعة القراءة.... ينطلق الخيال في رحاب الصّور المبتكرة المحلّقة التي تنسج خيوط العناق والتلاقي في رضابِ ليلٍ بهيِّ القمر سنيِّ النجوم.

 

‎(والرّوضُ ينهلُ من شذا قبَلاتنا

‎ويحيك شالاً للعناقِ طويلا

‎من كلِّ وشوشةٍ أخيطُ وسادتي

‎زنداً يضيءُ بليلتي قنديلا).

 

‎نعم لقد استطاعت الشاعرة "حياة "أن تنقلنا إلى عالم الحبّ الجميل عبر نصوص جميلة رائعة انتظمت كحبّات لؤلؤٍ برّاقة في عقدٍ جميل اسمه "لاءات جسد". ولأن العقدَ لا يكتمل إلا بوجود جوهرةٍ تتوسّطه وتتربّع على عرشِه كان لا بدّ من قصيدة ساحرة تحتلُّ تلك المكانة العالية، وتلك القصيدة برأيي المتواضع هي "كنا حبيبين" التي اجتمعت فيها كل تجلّيات شعرِ الحداثة (كاللفظ الموحي، والصورة الحالمة، وتوظيف الحلم، واعتماد تراسل الحواس). قصيدة تذكّرك بحروف روّاد شعر الحداثة كـ"سعيد عقل" و"خليل حاوي" و"البياتي".. فيها استثمارٌ مُتقن لخصائص الزّمان والمكان، تُبحر معها في سفائنَ من الأنس والقرب واللهفة ؛ فيزداد الشوق، ويبقى الأمل متوقّداً يُنير الصبابةَ والجوى...

‎" لاءات جسد" مجموعة شعريّة تنقلك إلى عالم النقاء والصفاء، بعيداً عن كل التمزّق والاغتراب الذي يعصف بما حولنا، تسمو بك إلى عالم العشق والجمال الذي لا يعكّر صفوَه حقدُ الحاقدين وكلامُ المغرضين...

‎(صرخة شوق، تنهيدة، عيناك، يا رفيق الروح، رقصٌ رقص، سِلال لهفة، منتصف اشتهاء،  الكثير)..... دفقاتٌ شعريّة تنسابُ عذبة في وادي الوصال والتلاقي.. لِتثمر مودّة تُسرج للنفوس العطشى صهواتِ الرّاحة والسلام.

‎شكراً لك شاعرتنا "حياة" على هذا العمل الأدبي الجميل العامر بلوحاتٍ فنيّة مشرقة تنشدُ السعادة والأمل في ثنايا الشمس ووهج القُبل..

‎وأترك للقارئ الولوج إلى حنايا النصوص لِيغرف منها ما شاء من نبيذ الحبّ.