حرب غير تقليدية الادوات في سوريا منذ 2011
في الذكرى الخامسة لبداية الصراع في سوريا تحدثنا الكاتبة السياسية شارمين نارواني عن ابرز ما اكتشفته من فبركة وصناعة الصورِ وتشويه الحقائق والارقامِ والترويج لها، وماذا عن الحربِ غير التقليدية وادواتها الخطرة؟
نص الحلقة
<p><strong>زينب الصفار: </strong>السلام عليكم ورحمة الله. الإعلام العالمي اليوم يسخر بالكثير من الكلمات والمصطلحات لتأطير الدماعات والأحداث في المنطقة العربية. لكن ما هي البدائل لتغيير تلك اللغة والسردية المشوهة؟ الحقائق في مقابل الخيال في المنطقة العربية ولا سيما ما يتعلق بالنزاع في سوريا، من الداخل. معكم زينب الصفار، تابعونا.</p>
<p> </p>
<p><strong>التقرير</strong></p>
<p>وسائل الإعلام تضلل الرأي العام في ما يتعلق بسوريا. هكذا يقول ستيفن كنزر، وهو من كبار الباحثين في معهد واتسن للدراسات الدولية في جامعة براون، وكان من أبرز الكتاب الصحافيين في الواشنطن بوست. فتخطيط الحرب السورية ستعلق في الأذهان، بحسب كنزر، لأنها من الحلقات الأكثر خزياً في تاريخ الصحافة الأميركية، وآخرها تلك التقارير المتعلقة بالأعمال الوحشية في حلب، حيث معظم الصحافة الأميركية تنشر التقارير على عكس الوقائع الميدانية. تضليل وتشويه وتحريف لحقيقة الأحداث وبدايتها وتطورها وتصاعد وتيرتها. أمور أضاء عليها الكاهن اليسوعي الاب فراس فاندرلاكت في كانون الثاني / يناير 2012، حيث قال واصفاً أحداث درعا: "لقد رأيت منذ البداية متظاهرين مسلحين في تلك التظاهرات. هم من بدأ بإطلاق النار على الشرطة. في كثير من الأحيان جاء عنف قوات الأمن رداً على العنف الوحشي للمتمردين المسلحين". كذلك عبّر جيرمي سولت استاذ العلوم السياسية في جامعة بلكند في أنقرة في تشرين الأول / أكتوبر 2011، حيث أشار إلى أن الزعم بأن المعارضة المسلحة للحكومة قد بدأت منذ فترة وجيزة هو كذبة كبيرة. قتل الجنود وعناصر الشرطة والمدنيين وفي أبشع الظروف وحشية، كان يحدث تقريباً منذ انطلاق الأحداث". شارمين نارواني الكاتبة المختصة بالشرق الأوسط تحدثنا من الداخل كيف بدأت تغطيتها لتطورات الوضع السوري، وما الذي أثار اهتمامها في مسرح الصراعات الخطرة هناك، وما أبرز ما اكتشفته وكشفته من فبركة وصناعة الصور وتشويه الحقائق والروايات المضللة، والترويج لها؟ وماذا عن الحرب غير التقليدية وأدواتها؟ ومن يستخدمها باحتراف في المنطقة العربية؟</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>شارمين نارواني، المعلقة التلفزيونية والكاتبة والمحللة السياسية المختصة بالشرق الأوسط، أهلا بك في برنامج من الداخل.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>شكراً على استضافتي زينب.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>على الرحب والسعة. خلال هذا الشهر، آذار / مارس، تصادف الذكرى السنوية الخامسة لاندلاع النزاع في سوريا الذي قد يطول أكثر. بصفتك صحافية غربية غطت على نطاق واسع هذه المنطقة على وجه الخصوص، ما الذي دفعك إلى تغطية تطورات الوضع السوري على نطاق واسع؟ وما الذي اثار اهتمامك بهذه المسألة وما استنتاجاتك حتى الآن؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>بإمكاني القول وبكل صراحة إن الأزمة السورية غيرت مسار حياتي. لقد غيرت في وجهات نظري حيال العديد من المسائل، وعمّقت من فهمي للسياسات الجيوسياسية الإقليمية وصراعات النفوذ المالية بطريقة اعتقدت معها أنني كنت ملمّة بها في السابق. أعتقد أن القضية السورية أدت دوراً محوّلا للكثير من الناس، وستستمر في كونها مغيّرة لمسار التطورات في المنطقة. أما بالنسبة إلى ما استحوذ انتباهي فيها، فقد كنت أكتب عن السياسات الإقليمية منذ عدة سنوات سابقة للأحداث. لم أكن ملمّة بالشأن السوري كثيراً. كنت أعوّل على ما نسميه "المختصين في الشأن السوري"، وأعتقد أن معظمهم قد فشل في التكهن بأي شيء على نحو صحيح إبان مسار هذا النزاع، وقد شدني ذلك بعمق. كنت أعمل في ذلك الوقت هنا في بيروت، وسوريا مجاورة لبنان، وكأن الشأن السوري يتصدر عناوين صفحاتنا، لكنني كنت قلقة بعض الشيء وفي الوقت الذي أتيت فيه لأول مرة إلى سوريا كان النزاع السوري قد دخل شهره التاسع.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>أي في أواخر عام 2011.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>نعم، في أواخر عام 2011 نشرت أول مقالة لي تتناول الشأن السوري. أعتقد أنه كان عملاً ملتبساً.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>على اي نحو؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>بدا أنه يسير متماهياً مع رواية "الربيع العربي"، أي طاغية يقتل أبناء شعبه الأعزل، أي تلك الصيغة التي سمعناها مراراً وتكراراً، وبأنه قد فات الأوان ولا بد للطاغية أن يرحل، وتلك كانت ثورات سلمية وانتفاضات سلمية. بعض تلك التحركات في البداية في كل من تونس ومصر حدثت على نحو سريع جداً حيث أننا لم نتمكن من توثيق تفاصيلها ولا أن ندرس بتمعّن ما يحدث حولنا، لكن ما حدث في سوريا استغرق وقتاً أطول بكثير، والأنباء كانت متناقضة بالنسبة إلى سوريا..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>فقط في ما يخص سوريا، أم في كل البلدان العربية أيضاً؟ بصفتك صحافية غربية؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>أعتقد أن البحرين اثارت بعض التساؤلات في بداية عام 2011. الأردن شهد تحركات شعبية في الشوارع، بالتالي فقد كنا نحاول أن نستشف مختلف تلك الأحداث الجارية في أماكن مختلفة من المنطقة بدءاً من شمال أفريقيا مروراً بالمشرق العربي وصولاً إلى الخليج الفارسي، ولم تكن كلها تندرج تحت رواية واحدة، مهما كانت الرواية التي يقصّها. بالتالي أصبحت رواية الربيع العربي، ما كان يحدث في سوريا وليبيا مصر كلها تحمل نكهة واحدة، وبالطبع فإن هذا ليس صحيحاً في أي من تلك البلدان.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>ما الذي اكتشفته من خلال تغطيتك للأحداث في سوريا؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>يمكنني القول إن أول قصة لي، تلك التي كتبتها من الخارج، كانت عن جامعة الدول العربية والتغيرات التي طرأت عليها واستئثار كل من قطر والسعودية بعملية صناعة القرار فيها، أو سرقة النفوذ بشكل عدائي جداً، وسرّبت لي بعض المعلومات عن بعض المفاوضات الجارية بشأن الدولة السورية ووثقتها، وكتبت تلك المقالة ومنذ ذلك الحين بتُّ أطرح أسئلة متواصلة، بالتالي فقد كنا نسمع تلك الروايات. لكن في واقع الأمر إن كنت تعملين في مجال تقصي المعلومات، وهو واجب صحافي. إن كنت تعملين في مجال مساءلة تلك المؤسسات والحكومات والسلطات المنوطة بها والتسجيلات الصوتية، فإن عليك طرح بعض الأسئلة البديهية. لماذا طالت الحالة في سوريا إن كانت الرواية فيها كحال نظيراتها؟ لماذا رأينا مئات آلاف الناس في مسيرات في الشوارع تناصر الحكومة؟</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>نعم، بالكلام عن تأليف الروايات الأربع التي جرى تداولها في الإعلام الغربي في أن الديكتاتور يقتل أبناء شعبه وفي أن التظاهرات سلمية، والمعارضة غير مسلحة وأن ما يحدث هو "ثورة شعبية"، اعتقدت أن هذا لم يكن صحيحاً عند مجيئك لتغطية أحداث سوريا، لكن لماذا مُنع الجميع من التشكيك في تلك الادعاءات؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>هذه هي المسألة المتعلقة بالروايات وباستخدامها من جانب الحكومات والدبلوماسية العامة. ما تقوم به الحكومات الغربية في معظم الأحيان هو أنها تشن أي هدف لها واي عملية لها من خلال تمهيد الأسس وإلقاء نظرة على الموقع وتهيئة السكان والتلاعب بالمفاهيم بين الجماهير الشعبية للتأكد من أن ما خططوا لأجله سيطبق بسلاسة.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>هل يمكنك تقديم بعض الأمثلة لنا مأخوذة من المقالات التي كتبتها؟ لإعطاء المشاهدين تصوراً عن طبيعة المواضيع التي كنت تتناولينها في كتاباتك، ما المعلومات التي كشفت عنها والتي للأسف لم تجد صدى في الإعلام الغربي الرئيس أو الشركات الإعلامية الكبرى؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>بعض مواضيعي تناولت أموراً كبرى وغيرها تناولت قصصاً صغيرة حدثت. مثلاً أحد زملائي الصحافيين عاد من سوريا قائلا: لم يكن هناك أي قصف مدفعي من البوارج الحربية من اللاذقية، عكس ما كان يقال لناً. ما اكتشفته لاحقاً في خضم هذا الصراع أن بمقدورك محاكاة آثار القصف المدفعي البحري من خلال الإطارات المحترقة على سطوح الأبنية. رأينا فيديوهات هنا وهناك لناشطين سوريين معارضين يصرخون بالميكروفونات أمام عدسات كاميرات الإعلام الغربي مع أصوات إطلاق وقصف في الخلفية، ولكن في واقع الأمر وخلال الفواصل التي تتخلل التصوير كنا نرى الناس يقفون ويتحدثون مع بعضهم البعض ولم تكن هناك أصوات قصف أو إطلاق نار. لكن واحدة من مقالاتي الأولى التي فتحت عينيّ كانت في فترة معركة بابا عمرو في شباط / فبراير من عام 2012، وقيل لنا أيضاً أن الحكومة تقصف المدينة بكثافة، تقصف المعارضين في بابا عمرو من دون تمييز، وقيل إنها تستهدف المدنيين. رأينا بعضاً من صور الأقمار الصناعية تبث عبر قناة "سي أن أن" التي ادعت تعليقاً على العرض أن تلك الصور لمنطقة بابا عمرو حيث نرى دمار الشوارع والحرائق، كما ترين قذائف الهاون وما يخلفه ذلك العتاد من دمار، وبعد إجرائنا بحثاً عبر الأقمار الاصطناعية اكتشفنا أن تلك الصور كانت في "الزهراء" وهو حي في حمص منفصل تماماً عن بابا عمرو، وهو حي موال للحكومة وسكانه بشكل أساسي هم من الطائفة العلوية. عند تلك المرحلة من الزمن، من وزارة الخارجية وصولاً إلى وسائل الإعلام الغربي، قيل لنا أن المعارضة لا تمتلك أسلحة ثقيلة. هناك كان الأمر مرئياً يناقض الرواية على أرض الواقع، وكانت هناك أشياء أخرى</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>الحقائق مقابل الخيال.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>هذا صحيح. وأعتقد أن الكثيرين منا قد تعلموا من خلال الصراع السوري أن الصورة لم تعد ذات قيمة أكثر من ألف كلمة. يمكن للصور أن تصنّع والصور قد جرى التلاعب بها.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>في ما يتعلق باستخدام اللغة أثناء تغطية أحداث المنطقة، كما قلت في مقدمتي فإن هناك الكثير من الكلمات والعبارات الخطرة التي استخدمتها وسائل الغعلام الغربي لتأطير الناس في المنطقة وأحداث المنطقة، أو أي أحداث لسيارات مفخخة في لبنان، معقل حزب الله ومعقل الأسد، بالنسبة إلى السيارات المفخخة في دمشق ومجازر حصن الأسد في اللاذقية، لماذا يعدّ من المهم لنا أن نستعيدد اللغة في أن يكون لدينا سيطرة على روايتنا.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>بمجاراة الخبرة السورية، الروايات الاربع التي اخترتها ألا وهي الديكتاتور الذي يقتل شعبه، إذا سيطرت هذه الصورة وسيطرت هذه الرواية فإنك عندئذ تفقدين الحق في التشكيك بها. أي شخص حاول التشكيك فيها جرى اعتباره موالياً للنظام وللأسد، ليس في كون هذه اتهامات سيئة بل لكونها لغة تهميشية. إنها مقصودة حتى تؤكد أن الناس يخجلون من إسكات تلك الرواية.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>لتجريد أولئك الذين يعارضون تلك الرواية إنسانيتهم.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>صحيح، ولكن لتهميشهم بشكل أساسي. لدينا هذه الظاهرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: لإسرائيل الحق في الوجود. هذه رواية، وإن شككت في هذا فإنك فجأة تصبحين منكرة للمحرقة ومعادية للسامية وما إلى ذلك. بالتالي فإن تلك الروايات قد جرى ابتداعها لتأكيد أن الرواية تصبح فوق المساءلة، وأن أي شخص يشكك فيها سيتعرض للتهميش ويُنظر إليه بكل حال على أنه مخرّب.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>سنشير لاحقاً إلى مثالك، لكن علينا التوقف الآن مع فاصل قصير ومن ثم سنستكمل تعريف ما جرى تحويله من قبل الحرب غير التقليدية. إذاً فاصل قصير ونعود، لا تذهبوا بعيداً.</p>
<p> </p>
<p><strong>فاصل</strong></p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>لماذا تعدّ الروايات مهمة جداً وخطرة، والغرب يستخدم الروايات لتجهيز المشهد لمصلحة أهدافه الخاصة، وهذه تخدم تخدم استمالة الجماهير لدعم الأهداف الغربية. شارمين نارواني، المعلقة والكاتبة السياسية المختصة بالشرق الأوسط توضح لنا خفايا هذه المقاربة. وماذا تقول عن الحرب غير التقليدية وأدواتها؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>نعم، إن كان الهدف في سوريا فعلياً كما اكتشفنا لاحقاً هو إضعاف العنصر العربي المهم في محور المقاومة، فعليك تجهيز المشهد وخلق الأسس للتدخل العسكري وللتأكيد للناس الذين سئموا من تدخلات الولايات المتحدة الأميركية ما بعد أفغانستان والعراق أنها ستصبح مستعدة لتقبّل الأمر مرة أخرى، الأمر ينطبق كذلك على ليبيا، لهذا فقد رأينا الأميركيين في ليبيا يأتون من الحلف كجزء من حلف شمال الأطلسي، تاركين العرب يأخذون الصدارة. إنه مجرد توضيب أو إعادة تسويق للنوع نفسه من التدخلات. إذاً، وبهدف دخول المسرح السوري كان على الغرب وحلفائه الإقليميين خلق تصور بين الجماهير في أن هذا ليس بالأمر الجائز فحسب، بل هو مرغوب فيه، بالتالي كان لدينا كم هائل من المعلومات تسكب علينا من سوريا، ليس فقط فيديوهات الهواتف المحمولة، بل معدلات القتلى التي كانت تأتي يومياً..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>وقد ناقشت ذلك في مقالتك في لائحة القتلى التي تطرح أسئلة.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>كانت في أول تحقيق صحافي حقيقي أعددته عن الأزمة السورية، وقد ذهبت إلى سوريا في كانون الثاني / يناير عام 2012 لإجراء مقابلات مع الناس من المعارضة المحلية، ولأعرف أكثر عن تلك اللائحة بأعداد القتلى واللقاء مع بعض أفراد المجموعات وقادتها الذين كانوا يضعون الأرقام يومياً، ومن بين أول الأشياء التي فكرت فيها كصحافية يفترض بها أن تطرح الأسئلة هي أننا نتلقى هذه الأرقام يومياً ولكن من الذي يُقتل؟ ومن الذي يموت؟ والمعلومات التي نحصل عليها، من هو المستفيد منها؟ من الذي يضع هذه المعلومات؟ من الذي يحصى هؤلاء القتلى؟</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>وما مدى دقة هذه الإحصاءات؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>صحيح. لقد اكتشفت ليس فقط من المقابلات التي أجريتها مع الناس الذين أحصوا القتلى والنشطاء، بل من خلال وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري وغير ذلك، أنه في واقع الأمر كان هناك خليط واسع من الناس الذين يموتون، إذا كان لديك في ذلك الوقت أن قوات المعارضة لم تكن في بزات موحدة بل في ملابس مدنية، بالتالي فإن اي أحد يثقتل كان يحصى كرقم من بين القتلى فحسب والرواية ساعدتنا على أن نفهم ونترجم أعداد القتلى التي تخرج يومياً والرواية جعلتنا نفهم أن هؤلاء كانوا مدنيين معارضين للحكومة، الأمر الذي لم يكن صحيحاً أبدا. احد الأمور التي اكتشفتها وشكّلت صدمة بالنسبة لي في بداية عام 2012...</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>ربما كان ذلك جزءاً من الكيفية التي روّجوا بها للنزاع.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>نعم، لأنه أظهر المزيد والمزيد من الأرقام..</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>محاولين أن يكون لديهم منحى إنساني ومدني.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>نعم تخلقين تدخلاً إنسانياً، وهو ما فعلوه في ليبيا على الرغم من أن هذا كله غير قانوني، بالتالي زادوا ارقام القتلى بسرعة كبيرة. في واقع الأمر فإن العديد من الناس الذين ماتوا، وهذه مسألة عرفتها في كانون الثاني / يناير 2012 عندما كنت هناك، وهذه مسالة موجودة في تقرير الأمم المتحدة المقدمة من قبل لجنة التحقيق في سوريا، أن هناك قرابة 2500 قتلى من القوى السورية، هذا بعد 10 أشهر من نشوب النزاع، ما الشي يعنيه هذا؟ في ذلك الوقت لم يكن مسجلاً سوى 5 آلاف قتيل، إن كان نصفهم من القوات السورية فهذا يدلنا على أن المعارضة كانت بالفعل مسلحة، وبالتالي لم تكن سلمية، وعلمنا أنه ليس كل الناس الذين يموتون هم من المدنيين، وهذا يدلنا أيضاً على أن طبيعة هذا النزاع تختلف عن الطبيعة التي تم إخبارنا بها. صحيح، لم يشأ أحد سماع هذه الرواية، لكنني اكتشفت أنه في الشهر الأول في سوريا، ونحن نتحدث عن الفترة ما بين 23 آذار / مارس و25 نيسان / إبريل من العام 2011، فإن 88 جندياً سورياً قتلوا في جميع أنحاء البلاد، لا في درعا وحدها، كان ذلك في اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة وحرستا وتلكلخ. تلك المعلومات كانت صادمة ولم يتم ضحدها، لأن بإمكانك أن تري أن وسائل الإعلام السورية كانت تعلن أسماء الموتى من بين الجنود وقوات الأمن. إذاً، إن أردت جمع هذه المعلومات يمكنك فعلياً رؤية تلك النمطية. طبعاً قيل لنا في ذلك الوقت إن التظاهرات كانت سلمية. الناس قالوا لي أثناء عملي على تلك القصة التي أجريت لها مقابلات في درعا مع أناس تركوا سوريا منذ ذلك الحين، أحدهم على وجه الخصوص كان في الخليج، وقد قال لي إن منطقة درعا كانت مؤيدة للنظام إلى حد كبير قبل الانتفاضة، وخلال الأشهر القليلة الأولى فإن 99% منا كنا نعتقد أن الجومة كانت تطلق النارعلى الناس، قال: هذا قد تغير بسرعة كبيرة، شعرنا بأن شيئاً آخر كان جارياً. كان هناك الكثير من الغرباء الذين يأتون من أجزاء أخرى من سوريا، ومن الخارج وقال إن السبب وراء تعرض الناس لإطلاق النار كان أن عليهم أن يموتوا كي تقام الجنازات لتبرير التجمعات العامة.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>هذا جزء مما جرى الحديث عنه في وزارة الدفاع، ومن ثم ما أشرت إليه بكونه "الحرب غير التقليدية" وفي أن الولايات المتحدة توظف بسهولة في منطقتنا. لديك تعريف مميز لهذا، لقد أشرت إليه في إحدى مقالاتك. كيف يعمل هذا؟ وما الذي يسعى إلى تحقيقه؟</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>إن سمحت لي بثوان أن أقرأ اقتباساً من القوات الخاصة المسلحة الأميركية</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>من كتاب "الحرب غير التقليدية"</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>يقول: "إن الهدف من حرب الولايات المتحدة غير التقليدية يكمن في استخدام القوى العدائية في الضعف السياسي والاقتصادي والنفسي من خلال تطوير والحفاظ على القوى المقاومة في أن تحقق أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية. في المستقبل المنظور، الولايات المتحدة ستشارك في الغالب في عمليات حربية منتظمة. الوضع في سوريا يمثل حالة تقليدية لعمليات الولايات المتحدة الحربية غير التقليدية". إنها تبدأ، وهناك بعض الرسوم البيانية الرائعة في الكتاب الفعلي الذي أرسلته إليك، أعتقد أنك اطلعت عليه. أحد الرسوم يبيّن ما تفعله الولايات المتحدة وما هي مستعدة لفعله لإحداث تغيير النظام. إنه يبدأ من خلال خلق رضى وندم، ونعلم من خلال ويكيليكس أنه كانت هناك إشاعات عن نشاطات الولايات المتحدة المركزة في خلق لغة طائفية ما بين السنّة والشيعة في سوريا.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>اسمحي لي أن ألخص هذه المقابلة، أخشى أن الوقت قد داهمنا، ولكن دعيني أقتبس شيئاً مما كتبته: "ما نحتاج إلى فعله هو خلق لعبتنا الخاصة الغنية بمفرداتنا المحلية، تلك التي تعرّف عنا وعن تاريخنا وتطلعاتنا استناداً إلى حقائقنا السياسية والاقتصادية الاجتماعية الخاصة. دعوهم يرفضون نسختنا، دعوهم يصبحون الرافضين في لعبتنا، ليمنحوها الحياة. سوريا غيرت العالم. لقد جلبت الروس والصينيين إلى الساحة وغيرت النظام العالمي من أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب بين ليلة وضحاها. إننا نمتلك الآن فرصة هائلة في إعادة تكوين العالم والشرق الأوسط وفق رؤيتنا الخاصة. حدود جديدة سنرسمها من داخل المنطقة، وسنلحق الهزيمة بالإرهابيين بأنفسنا وسننشئ المنظمات غير الحكومية الخاصة بنا بجهود مواطنينا وببرامجنا الخاصة. أنابيب النفظ نحن من سيقرر أين نمدّها، بالتالي فلنبدأ ببناء تلك الروايات الجديدة قبل أن يأتي الأجانب لملء الفراغ. شارمين نارواني المعلقة التلفزيونية والكاتبة والمحللة السياسية المختصة بالشرق الأوسط، نشكرك جزيل الشكر على هذه المقابلة.</p>
<p> </p>
<p><strong>شارمين نارواني: </strong>أشكرك زينب على استضافتي ومنحي الوقت لتوضيح مسالة الرواية تلك.</p>
<p> </p>
<p><strong>زينب الصفار: </strong>إنه لأمر في غاية الأهمية ويفتح الآفاق لفهم ما يجري إعداده في ما يتعلق بسوريا وليبيا والعراق وبلدان أخرى. إذاً لقاء جديد في الأسبوع المقبل مع ضيف جديد وقضية جديدة، ودائماً من الداخل. السلام عليكم ورحمة الله.</p>
<p> </p>