بائع طيور
تقليص الاستهلاك إلى النصف. تناول كوب شاي لكل فرد بدل إثنين وثلاثة، وكَسْرَة خبز على مقاس راحة يد كل واحد.
-
بائع طيور (Amanda Adams)
أرخى الصمت المُطبَق سدوله على أرجاء البيت الخالي؛ زاده البرد القارِس قسوة وحدَّة يبدو أنه مُجرَّد جثّة مُهْمَلة في ثلاّجة الأموات، وأن ما تعكسه المرآة المُثبتة في جدار البهو ما هو إلا شبح. عبثاً يفتح باب الثلاّجة، ثلاّجة الأموات، لتذويب جليد الصمت القاسي، خطر له خاطِر ليربط الاتصال من جديدٍ بالوالدة، فليس ثمة حضن أدفأ ولا أرْحَب من حضنها:
- آلو السلام عليكم.
- وعليكم السلام ورحمة الله.
- كيف حالكم؛ أودّ الاطمئنان عليكم؟
- لنقل لا بأس فنحن كما أنتم تحت الحَظْر؛ شأننا شأن الناس.
- كيف تتدبّرون الأمور مع توقّفكم عن العمل؟
- مخزون المؤونة قد يقاوِم بضعة أيام أخرى؛ في حال ما إذا تقيَّدنا بتطبيق التعليمات الصارِمة التي سطَّرها أبوك!
- تعليمات صارِمة كيف!؟
- تقليص الاستهلاك من مواد التغذية إلى النصف؛ تناول كوب شاي لكل فرد بدل إثنين وثلاثة، كَسْرَة خبز على مقاس راحة يد كل واحد، مع تأخير وجبة الغذاء لتنوب عن وجبة العشاء.
- لا حول ولا قوَّة إلا بالله؛ وماذا عن أخي مرزوق؟
- أخوك مرزوق كان قد فتح الله له باب رزق حلال قبل الحَجْر، لكن..
- لكن ماذا؟
- لكن مع ظهور الوباء سُــدَّ في وجهه.
- مَن سدَّه في وجهه؟
- بلَّغ عنه أحدهم للسلطات بتهمة المُتاجَرة بأشياء مُضرَّة.
- المُخدّرات تعني؟
- لا لم يُتاجِر في المُخدّرات، إنما في الطيور.
- متى كان أخي يُعنى بتربية الدجاج حتى يتاجر بها!
- لم يُتاجِر بالدجاج؛ إنما بعد ظهور شركة أجنبية تُعنى ببناء القناطر والطرقات، امتهن هذه المهنة.
- مهنة ماذا؟
- مهنة التجارة!
- تجارة ماذا؟
- ألم أقل لك الطيور!
- يا بنيّ أخوك ربط علاقة متينة مع عمال الشركة المذكورة، وصاروا يدفعون له.
- يدفعون له ماذا؟
- يدفعون له نقوداً بالطبع!
- مقابل ماذا؟
مقابل ما يبيعهم من طيور؛ كل طائر يقبض فيه كذا بخشيش.
- أيُّ طائر هذا الذي يقبض فيه كذا بخشيش؛ وأخي لم يكن يلتقط ولا حتى بيضة من تحت دجاجة!
- صراحةً يا إبني؛ عمال الشركة الذين حطّوا بجوار أرضنا هم من الصين، وأخوك كان يمّونهم..
- يمّونهم بماذا؟
- يمّونهم بالطير طبعاً!
- بأيّ طير؟
- طير الليل، والآن مُنِعَ من ذلك بسبب الحَظْر من جهةٍ والجائِحة من جهةٍ أخرى، والناس يقولون إن هذا الطير هو سبب انتشار الوباء!
- هل أنت خائفة؟
- طبعا؛ أنا خائفة.
- خائفة من ماذا؟
- خائفة من انقطاع رزق أخيك يا إبني!