المؤسسات والجمعيات والهجرة الاستيطانية في فلسطين
قامت العديد من الجمعيات والمؤسسات اليهودية المدعومة من مجتمعات الدول الغربية بدور هام في عمليات الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتركز دورها بداية على تأمين الأراضي، ونقلها لصالح اليهود. يستعرض الباحث عمر حسن الراشد أهم ه٣ه المؤسسات وأدوارها.
قامت المؤسسات والجمعيات بدور كبير في عملية نقل مساحات من الأراضي إلى اليهود، ومن هذه المؤسسات:
أ- الأليانس (الاتحاد) الإسرائيلي العالمي: تأسس في فرنسا عام 1860 م، وكان لهذه المؤسسة الأثر الواضح في عمليات الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، وقد نجح رئيس الأليانس "أولف كريمييه" النائب في مجلس النواب الفرنسي عام 1868م، في الحصول على قرار سلطاني من السلطان عبد العزيز، باستئجار أرض مساحتها 2600 دونما من أراضي يازور، بالقرب من يافا، بموجب عقد إيجار مدته 19 عاما لإنشاء مدرسة زراعية تخدم اليهود المقيمين في فلسطين، وتم بناء المدرسة عام 1870 م، وعرفت المستعمرة فيما بعد "مكفة إسرائيل" أي "أمل إسرائيل"، ولها اسم آخر "منزل إسرائيل".
(م. س. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 79)
وساهمت "مينور" أميركية الجنسية التي جاءت إلى فلسطين في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، وتملكت أراضٍ واسعة، وأوصت بتحويلها بعد وفاتها إلى مستعمرة "مكفة إسرائيل"، وكان الهدف الرئيسي من إنشاء المدارس الزراعية، واستئجار مساحات شاسعة من الأراضي في فلسطين، لإيجاد مراكز لتدريب اليهود على العمل الزراعي، لأسباب استيطانية واقتصادية وسياسية تتعلق بالأطماع اليهودية في فلسطين.
ب- الأليانس الإسرائيلي-البريطاني: تأسس في بريطانيا عام 1870 م، عرفت باسم "الجمعية الأنجلو- يهودية" وعملت على تزايد النشاط اليهودي في تسهيل الهجرة إلى فلسطين، وكان الهدف من إنشائه تطوير اليهود ثقافيا واجتماعيا.
ج- الأليانس الألماني: تأسس عام 1873 م، على نفس أهداف الأليانس الفرنسي في نشاطه التعليمي، وامتلاك الأراضي، وفي نفس السنة، 1873 م، إشترى بعض يهود القدس مساحة من الأراضي أقاموا عليها مستعمرة "بتاح تكفا" أي "بوابة الأمل".
(م. س. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 79-80)
الجمعيات الماسونية واليهودية: وجدت جمعيات ماسونية يهودية، إلى جانب الأليانس، كثيرة تتعاون فيما بينها، لخدمة اليهود والصهيونية، ولم يقتصر نشاط "الأليانس الاسرائيلي العالمي" على فلسطين، بل امتدت خطورته إلى مناطق أخرى، مثل: لبنان، وسوريا، ومصر تعاونا مع الجمعيات والمحافل الماسونية الداعية إلى عودة اليهود إلى فلسطين.
(م. ن. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 80 و 81)
فقد أسس الحاخام يهود أشيلوم حاي القلعي في فلسطين "جمعية لاستعمار الأراضي المقدسة"، وكان الهدف منها تخليص اليهود من الشتات والنفي، باعتبار فلسطين هي الملجأ الآمن أمام اليهود، لأن الهجرة اليهودية تعني التوبة، والتوبة لا تعني فقط العودة إلى الله، وإنما العودة إلى الأرض المقدسة، والبحث عن صهيون،وأصبحت فكرة العودة إلى فلسطين جزءا من المعتقدات الدينية التي أصبحت مجالا خصبا لكتاب الأساطير المصابين بهوس العظمة الدينية اليهودية.
(م. س. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 83)
لقد امتدت رقعة الاستيطان اليهودي إلى مناطق غير مناطق حيفا، وطبريا ويافا والقدس إلى منطقة "بيت عمر". ففي عام 1874 م، بلغ عدد اليهود في "بيت عمر" قرب الخليل حوالي اربعة آلاف يهودي في مقابل خمسة نصارى، و32400 مسلم.
إشترى "فريدمان" و"مانشتاين"، وهما من يهود صفد، جزءا من أراضي قرية "الجاعونة" من الإقطاعيين عام 1877 م، وبدأ تنظيم الهجرة إليها، وتكاثر اليهود في منطقة الجاعونة، وتم استغلال مناطقها الزراعية. واجهت اليهود صعوبات مالية، ومضايقة الأهالي لهم، مما اضطرهم لبيع الأراضي إلى مهاجري رومانيا من اليهود، الذين توافدوا بعد حركة الاضطهاد، وسافر قسم منهم إلى كندا، والقسم الآخر إلىفلسطين.
(م. ن. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 84)
واتجهت جماعة من مهاجري يهود بولونيا الروسية إلى قضاء صفد، على اعتقاد منهم أن السيد المسيح سيهبط في ارض فلسطين، واعتمد المهاجرون اليهود في حياتهم على الصدقات، والانعامات من اثرياء اليهود، وكانت فئة منهم تعمل في التجارة.
(م. ن. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 85)
وكانت هجرة اليهود عام 1880 م إلى فلسطين بأعداد قليلة، ولكن التغير الجذري في مسألة الهجرة اليهودية حدثت بالنسبة ليهود شرق أوروبا نتيجة الاضطهاد في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، لا سيما من روسيا القيصرية، فاتجهت الغالبية العظمى إلى أميركا بينما وصل عدد قليل إلى فلسطين.
شارك اليهود في عملية اغتيال القيصر الروسي اسكندر الثاني، عام 1881 م، مما دفع الروس إلى اضطهاد اليهود، ومما ادى إلى تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ولم يكن اغتيال القيصر الروسي هو السبب في إصدار قرارات مناهضة لليهود، ةالمقيدة لحريتهم، ولكن القرارات جاءت نتيجة لتحذيرات الاقتصاديين الروس لمنع انهيار الوضع الاقتصادي والحياة الاجتماعية في روسيا، بسبب الوسائل غير المشروعة التي مارسها، واستخدمها التجار والمرابون اليهود.
(م. س. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 85)
ويمكن تفسير أسباب تدهور أوضاع اليهود في روسيا، وأوروبا الشرقية، يعود بالدرجة الأولى إلى العامل الاقتصادي، نظرا للمنافسة الاقتصادية اليهودية للشعب الروسي، يضاف إلى ذلك عوامل سياسية واجتماعية ودينية أخرى.
كانت بريطانيا تشجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتتخذ منها المواقف المؤيدة لها، بينما ترفض إبقاء المهاجرين اليهود في أراضيها. ويعود الرفض البريطاني إلى السبب الاقتصادي لتخوف بريطانيا من أن يشكل المهاجرون اليهود عبئا اقتصاديا على بريطانيا، وعاملا منافسا للعمال، بينما توجه اليهود إلى فلسطين يخدم تطلعات بريطانيا الاستعمارية في المنطقة العربية خاصة، والشرق بشكل عام. واتخذت المجر من موقف بريطانيا ذريعة لها بعدم قبول اليهود على الأراضي المجرية. وتوالت الهجرة اليهودية إلى فلسطين من أوروبا الشرقية للخلاص من الاضطهاد، ورأت "حركة دعاة التحرر واللاإندماج" أن حل المشكلة اليهودية لا يتم إلا في الهجرة إلى فلسطين.