إفطار رمضاني طقس عودة في "ميعار" الفلسطينية المدمرة

منذ سنوات عديدة، بادر بعض من أهل البلدة في الداخل الفلسطيني، بتشكيل لجنة أطلقوا عليها اسم "لجنة ميعار الزعتر والصبار"، ومن مؤسسيها غازي شحادة الذي تحدث عن عملها، ذاكراً أنها انطلقت من 15 سنة، بإحياء يوم النكبة على أرض البلد المهجرة من منطلق الشعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا".

مأدبة معيار الرمضانية

يغالب الفلسطيني تمزقه، بين واقعه وبين حقه المترائي أمامه، على مقربة منه، وفي متناول يده، لكنه لا يزال غير قادر على استرداده.

 

 

اكتفى الفلسطيني بما تيسر سابقاً، فكرة عودة، أو لمحة بصر يلقيها على وطنه، كما كان يجري في العديد من التحركات على الحدود الجنوبية للبنان، في مارون الراس، أو محاولة الالتحاق بالأهل والأقارب، ولو لدقائق كما عند بوابة فاطمة.

 

 

وفي الداخل الفلسطيني، لم يعد كثيرون من الفلسطينيين قادرين على تحمل استفزاز تداعيات التهجير التي واجههوها في نكبة 1948. استجمعوا شيئا من قواهم يحاولون تحقيق بعض عودة لقراهم المهجرة، في مناسبات مختلفة، يكرسون لها الغالي والرخيص، ويستغرقون في تحضيرها شهوراً طوال، وهم منغمسون في وعد العودة بسعادة وأمل.

 

 

من القرى التي كرس أهلها طقس عودة، هي "ميعار"، الواقعة على بعد 18 كيلومتر جنوب شرق مدينة عكا، وتعلو 275 متراً عن سطح البحر، بحسب المؤرخ الفلسطيني حسين لوباني، الذي يفيد أنه "تحيط بها أراضي قرى شعب، وكابول، وكوكب، وسخنين، وتمرة، والدامون".

 

 

ويذكر لوباني أن "الصهاينة دمروا القرية عام 1948، وأقاموا على أراضيها عدة مستعمرات منها: سيغف عام 1953، وياعد عام 1975، وحنوف عام 1980، ويوفاليم عام 1972".

 

 

معيار قبل النكبة سنة 1935

توزع أهل ميعار بين الداخل، والشتات، ولم يسمح لأحد البقاء في أرضه، ونظراً للتدمير الكامل الذي طاول البلدة، لم يعد ما يمكن المكوث أو الإقامة فيه. كل شيء تدمر، فتآكل البلدة الردم، وهشير النبات المتيبس، وشجيرات صبار، وقبور هي شهادة قطعية على حق الأهل فيها.

 

 

 

 

 

شعار لجنة معيار

منذ سنوات عديدة، بادر بعض من أهل البلدة في الداخل الفلسطيني، بتشكيل لجنة أطلقوا عليها اسم "لجنة ميعار الزعتر والصبار"، ومن مؤسسيها غازي شحادة الذي تحدث عن عملها، ذاكراً أنها انطلقت من 15 سنة، بإحياء يوم النكبة على أرض البلد المهجرة من منطلق الشعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وأخذت على عاتقها "إصلاح مقبرة البلد التي دمرها المستوطنون، ورعاية كل ما يتعلق بميعار وأهلها".

 

 

 

أهل ميعار في أرض الوطن موزعون على عده قرى، كما قال شحادة، وتابع: "بدأنا بالعمل لتوثيق الروابط بين أهل البلد الواحد، ومنذ حوالي الست سنوات، أطلقنا فكرة مشروع العودة الرمضانية حيث يجتمع الكثير من أهل ميعار على أنقاض البلد المهدمة في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ثم نقوم برفع آذان المغرب على مسمع من المستوطنة المقامة على أرض البلد المصادرة، بعدها نقيم صلاة المغرب بالميكروفون حيث يسمع صوته في كل المستوطنات القريبة، ثم نفطر رمضان مع بعض بحضور حوالي 1000 شخص".

 

 

 

ليس التحضير لإقامة المناسبة بالأمر السهل، فعلى المنظمين إعادة حد أدنى من الحياة للبلدة، من تنظيف وتحضير الأرض، وتأمين الإنارة، غالباً بمولدات خاصة، وتجهيزات أخرى كالطاولات، ومعدات تأمين الأكل، وما شابه، ويفيد شحادة أنه "بعد الإفطار، نبدأ ببرنامج وطني فني ملتزم بحضور مطربين مثل أمل مرقس، وسلام أبو أمنة، وغيرهما، ويتخلل البرنامج عادة كلمات لقيادات شعبنا في الداخل".

 

 

 

يتابع البرنامج أبناء ميعار المهجرون في لبنان سوريا وأوروبا، ويفيد شحادة أنه يتم التواصل معهم عن طريق الميديا، وقد أصبح هذا البرنامج مثلاً يحتذى لباقي القرى، حيث بدأ يتوجه إلينا الكثير من الإخوان من القرى الأخرى لمساعدتهم مستقبلاً في بناء نفس المشروع في قراهم".

 

 

 

عودة هذا العام إلى ميعار، وصفها موقع "يا عيني" بالقول: "قرية مهجرة منذ 69 عاماً عاد إليها أهلها لساعات ..وارتفعت أصوات الأواني، وضجيج الأطفال، ورائحة الرز واللحوم والطعام ...وفاح عطرها الجميل".

 

 

 

وقد تخلل سهرة العودة مهرجان، عرفت به أصالة منصور - ابنة رئيس رابطة الأسرى- وافتتح بالنشيد الوطني الفلسطيني "موطني" ردده الحاضرون، يعتمرون الكوفيات، وأياديهم على صدورهم، وتحدث فيه شحادة عن "تاريخ ميعار، والتهجير، والتحولات، وعمل "لجنة ميعار الزعتر والصبار" لتكريس حق العودة".

 

 

 

كما تحدث رئيس لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني محمد بركة الذي أعرب عن "السعادة والتفاؤل هذه الليلة بإنارة قرية ميعار".

 

 

وقال: "نحن نعتقد أن مجرد هذا اللقاء، في هذه المناسبة الرمضانية هي تحد للصهيونية، التي قالت وقال من قال باسمها: الكبار سيموتون، والصغار سينسون،"، مستدركاً بقوله: "الكبار يموتون ويورثون الذاكرة، والصغار لا ينسون، بل هم أكثر حماسة للإنتماء للهوية الفلسطينية”.

 

 

 

ورأى أن "هذا اللقاء ليس مجرد لقاء اجتماعي يلتقي الناس فيه على مائدة رمضانية، فهو شكل من أشكال استعادة الحصانة المجتمعية لشعبنا، وشكل من أشكال تغليب انتمائه الوطني، والإنتماء إلى القضية المركزية، وهي قضية البقاء، والهوية، وفلسطين، والحقوق".

 

 

ثم تناول رئيس الرابطة العربية للأسرى والمحررين منير منصور (أبو علي) الكلام عن شؤون الحركة الأسيرة، وهو أمضى ثلث حياته خلف القضبان، وقال: "يأتي هذا اللقاء المميز ليبعث فينا الأمل بأن ثمة شعب هنا يريد البقاء، ويريد الصمود، ويسعى بالفعل إلى العودة، وإن كانت هذه الليلة عودتنا رمزية، وتنطوي على بعد معنوي كبير، إلا أن عودتنا حتمية إلى قرانا ومدننا الفلسطينية المهجرة. العودة ستكون إلى كل فلسطين من البحر إلى النهر”.

 

ونقل إلى الحشد تحيات "الأسرى البواسل"، منوها بـ"انتصارهم في تحقيق مطلبهم الإنساني المتمثل بحق التواصل مع الأهل"، وناشد الأهالي تعزيز التواصل معهم.

 

 

كما تحدث الأسير المحرر ابن ميعار داهش عكري عن التهجير والمجازر التي ارتكبت بحق أبناء شعبه.

 

 

وألقت وفاء حمدان قصيدة بعنوان "ميعار"، من وحي مناسبة إحياء العودة.

 

 

ثم جرى توزيع حلويات رمضانية مثل القطايف والتمور، وأمضى الجمهور بقية سهرتهم  مع برنامج فني وثقافي وفولكلوري بقيادة الفنان جمال إلياس ابن بلدة سخنين، وفقرة للفنان أسامة أبو علي، والممثل خالد أبو علي قدم لقطات فنية عن ميعار، ثم عروض فولكلورية راقصة من التراث الفلسطيني.