ألين بعد غدير: إصرار المهجرين على إحياء بلداتهم

في مسارهم لاستعادة حقهم بالعودة إلى قراهم المهجرة، حط حشد من أهالي الدامون في بلدتهم المدمرة، أحيوا فيها الذكرى السنوية الأولى لولادة إحدى بناتهم ألين بقاعي، في دعوة وجهها إلى الأهالي والدا الطفلة عمار البقاعي وزوجته ريهام.

ما إن وصل موعد الدعوة، حتى تدفق حشد كبير بالمئات، من مدعوين، وغير مدعوين، يحدوهم حب اللقاء، أولاً، والاحتفاء، ثانياً، والعودة إلى الدامون، بلدتهم الأم، أساسا.

الشباب والصبايا انضووا لأيام في حركة التحضير للأمسية. تصف بقاعي الموقف: "ذبحنا خروفين، وبدأنا تحضير كل الأغراض، واللوازم من مأكل ومشرب، وحلويات، وكراسٍ، وطاولات، وعندما حل صباح اليوم، بدأ الجميع بالمشاركة في نقل الأغراض، كل ينقل غرضاً، وتولى البعض تثبيت الطاولات وتوزيع الكراسي عليها، وقمنا بتزيين الموقع".

استمر العمل حتى العصر، وبدأ توافد الأهالي، ثم "بدأنا توزيع الحلوى الساخنة، والقهوة، والمغلي، وكسرنا الجوز، ووزعنا ذكرى صغيرة من ألين على الجميع، وصورنا الحاضرين"، تصف ريهام بعضاً مما جرى في الأمسية، مضيفة: “كان التجاوب كبيرا، وما إن سمع البعض بالمناسبة، حتى تركوا اعمالهم، وتوجهوا إلى الدامون. هكذا مناسبات، عزيزة على قلوبنا، وننظر إليها بشغف، وبطريقة متميزة".

تحضيرات حفل الذكرى السنوية الأولى لولادة ألين بقاعي

وتتوقف ريهام عند وصول متقدمي السن، من أعمار 80 سنة ومافوق، وتقول: “ما إن وصلت جدتي إلى الدامون، وهي المرة الأولى التي تزورها بعد تهجيرها عام 1948، حتى انحنت على التراب، وقبلته، وتعالى صراخها، تتحدث بكلام منفعل غير ومفهوم، لكنها كانت في حال غريبة من الفرح".

وتفيد أن كل العجزة الذين استغلوا المناسبة، ومنهم ممن لم يكن مدعوا، حضروا لمشاهدة بلدتهم للمرة الأولى، وكان الالتقاء بالبلدة اسطورياً بالنسبة لهم"، ذاكرة أن "الأولاد اتخذوا من الموقع الوحيد في البلدة ما زال قائماً، وهو نبع الماء، ولعبوا حوله، وجالوا في بعض الأنحاء، متسائلين عما شاهدوا، وأسبابه”.

انتهى العصر، وبدأ الظلام يعم الموقع، فـ"أحضرنا الأضواء، ونشرناها في كل مكان، وعلى أغصان الشجر، وأنرنا البلدة، والأجواء توحي أن لا أحد يرغب في إنهاء الحفل".

وكتبت ريهام معلقة على الحدث، وانطباعاتها، وما شاهدته: "على أرض المدامع، جانب عين الماء، عند بقايا البئر شبه المهدمة، كان ذلك العناق السرمدي، عناق الماضي بالحاضر، عناق الجدة بأحفادها، بأرضها، بترابها، أو لعله عناق الغياب بالحضور ...ويا له من حضور في ليلة اختلفت عن باقي ليالي القرية منذ عقود. احتفال بالمولود الموهوب، طفلتي"ألين"، أنارت قلوب الحاضرين، ففاضت كل ينابيع الدامون حياة وامتداداً بأهلها ..نعم ترميماً لشروخ الذاكره التي افزعتها العواصف، والهبات العنيفة، قررت الجدة "ماجدة" أن تحتفي بحفيدتها "ألين" بطريقه مغايرة، بطريقة لاقت ترحيباً في قلوب الكبار، والصغار في أرض الدامون، فشحذت الهمم، وتكاتفت الأيدي، ومدت سواعد شباب عائلة بقاعي منذ ساعات الصباح الأولى، فأنارو سماء الدامون فرحاً وابتهاجاً وزينوها بأجمل الألوان".

الطفلة لمى قالت: “الدامون هي أرض أجدادنا، هجروا منها سنة 1948، عندما جاء اليهود وهجروا أهالينا، ودمروا البيوت، فاضطر الأهالي إلى أن يهاجروا إلى بلدات أخرى، وإلى بلاد أخرى كالأردن وسوريا ولبنان. تفرقوا وسكنوا بيوتا بعيدة”.

أضافت لمى: “أحب الدامون كثيرا، وأقمنا العديد من المناسبات فيها، من أعياد ميلاد، وأعراس، وسنظل نزيد هذه الاحتفالات. وهذه تدل على مدى محبتنا للدامون، وكم نحبها ونعشقها، ويجب أن تعود إلى أصحابها وأهلها الذين يستحقونها".

الطفلة لمى

مضى عام على عرس غدير بقاعي، وكان أول عرس يجري على أرض الدامون منذ النكبة، أي بعد مرور 70 سنة على وقوع الزلزال الفلسطيني، وربما كان أول عرس يقام على أرض مهجرة. 

غدير علقت: "نحاول نحن آل بقاعي، وأهل الدامون، قدر المستطاع، وتحت توصية فطوم الشيخ، وهي جدتي التي ربتنا على حب هذه الأرض، نحاول أن نحيي مناسباتنا على أرض الدامون لأننا نعتبر إنها صورة من صور العودة إلى أرضنا، وفي هذا الإطار، ذهبنا إلى الدامون المهجرة، وأقمنا تجمعاً عائلياً ضخماً، ودعونا إليه كثيرين، وأقمنا المخبز، وجاءت الخبازة، وجرى كل العمل هناك من ألفه إلى يائه".

وأعقبت قائلة: "الأمر يبدو في ظاهره بسيطاً، لكنه يحيي فينا أملنا بالعودة، والرجوع إلى الأرض التي كانت لأهلنا وأجدادنا، وبالتالي لنا- نحن الجيل الثاني والثالث- للنكبة".

ولفتت إلى عرسها قائلة أنه "كانت هناك فعالية قبلا، عرسي، وهو أول عرس بعد 70 سنة، ثم مباركة لمولودة جديدة".

وختمت: "نرى أنه يجب أن نجدد الأمل بالعودة، أن نحيي هذه الأرض، ونقيم فيها كل مناسباتنا على الدوام".