الفاكهة الفلسطينية عامل صمود..والبريطاني منع تصديرها
تشكل الفاكهة الفلسطينية مدخولا هاما للفلسطيني، ومادة غذائية له، وفي الحالتين تعزيز لصموده في أرضه، وهذا ما دفع البريطاني لمنع تصدير الفاكهة الفلسطينية ضاغطا لتحفيز الهجرة الفلسطينية، وإخلاء فلسطين من سكانها الأصليين.
تنضم الفاكهة إلى الوسائل التي استخدمها الفلسطيني في مقاومته للاحتلال، وفي صموده قدر المستطاع، فقساوة الحقيقة الفلسطينية، وشدة حساسيتها، جعلت من كل ما بيد الفلسطيني سلاحا للمقاومة. آخر التجليات الحجر، والحصى، وقاذفة المطاط، وطيارة الورق، وقبلها، ومنذ زمن بعيد، إنتاج الأرض، خصوصا الفاكهة المتنوعة، من زيتون، وبرتقال، وعنب، وتين، وصبار، ومختلف أصناف الفاكهة، وما يمكن أن يستخرج منها، أو ينتج من تحويلها .
سبق لمن احتلت أرضه أن ابتدع أساليب المقاومة السلبية، والدفاع عن النفس مما توافر بين يديه من مواد، فكان فخ الضبع، والحفرة المغطاة بالقش، وفرخ النحل من الأسلحة التي ابتدعتها مخيلة "الفييتناميين" لتحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي، ثم الامبريالية الأميركية، واستخدم كاسترو وغيفارا البغال للتنقل في عصر التكنولوجيا الحديثة أبان الثورة الكوبية، كما استخدم ماو تسي تونغ التنكة لمكافحة التكاثر الهائل للعصافير ناقرة القمح، والمؤثرة على الانتاج الوطني.
في هذا الإطار، يشكل التراث الفلسطيني بمكونات واسعة، ومروحة عريضة من العناصر، منبعا لوسائط المقاومة، ومنها الفاكهة الكثيفة الكمية، والعالية الجودة، والطيبة المذاق، التي لعبت دورا في صمود الفلسطيني الاقتصادي، مما مكنه من التمسك بأرضه.
وعندما اكتشف المستعمر البريطاني أهمية الفاكهة الاقتصادية في صمود الفلسطيني، أصدر قراراته بمنع تصدير الفاكهة إلى الخارج، وذلك بحسب المؤرخ الفلسطيني المعاصر حسين لوباني، المهجر من أرضه في ال١٩٤٨، حاملا معه ذكريات بلده، متذكرا "كيف كان البريطانيون يمنعون تصدير فاكهتنا، ويتركونها تذبل، أو تهتريء من أجل تيئيسينا، وتهجيرنا".
لوباني، ابن قرية الدامون الساحلية المهجرة، التي تشهد عدة تحركات تحيي العودة بتجليات شتى، يفيد "الميادين نت" إن "أهلنا أدركوا مخاطر القرارات البريطانية، فكانوا يعمدون إلى تحويل الفاكهة إلى أصناف مختلفة من المصنوعات الغذائية، والصحية نظرا لطبيعتها البيئية النظيفة، ويصنعون منها مختلف المشتقات، منها الزبيب، والتطالي، والملبن، والخل، والنبيذ، والدبس وغيرها الكثير، كما كانوا يجففون بعضها للاحتفاظ به حتى الشتاء، فكانوا يستغنون بها عن مواد غذائية أخرى، قد تُفقَد في الحصار، ويجنون من مبيعاتها المحلية ما يعزز قدرتهم على العيش في أرضهم، والبقاء فيها".
"كل فلسطين مناطق قابلة للحياة والزراعة نظرا لخصب أرضها، وتنوع مناخها على اعتدال، ومن أشهر المناطق الصالحة للزراعة هي الخليل"، بحسب لوباني.
وبين مذاقها الطيب، وما توفره الفاكهة للفلسطيني من دعم حياتي، دخلت في التراث الفني الغنائي، وبات لكل صنف من الأصناف أغنية أو أكثر، خاصة بها، وأقوالا-أمثالا شعبية- شائعة عنها: "عندما يحضر التين، ضب العجين"، إشارة إلى اهمية التين كوقعة غذاء طيبة، ومغذية، ومُشبِعة بشكل كافٍ يمكنها أن تغني عن العجين، أي الخبز.
غطى نشيد "الشهد في عنب الخليل" مهرجان قرية "حلحول" السنوي لهذا العام ٢٠١٨، إشارة إلى مدى تمسك الفلسطيني بتراثه، وإنتاج فاكهته المتنوع. والمهرجان يقام سنويا في "حلحول" نظرا لوفرة انتاج العنب في القرية، والمنطقة التي تضم العديد من القرى المتجاورة الأخرى.
وحلحول من قرى الخليل، وهي أعلى قرية في فلسطين، فيها ينابيع كثيرة، وأراضٍ وكروم واسعة، وبلغ عدد سكانها ٣٣٨٠ بحسب "معجم أسماء القرى الفلسطينية" للمؤرخ حسين لوباني.
لعبت النباتات أحيانا دورا في صمود الفلسطيني خلال مقاومته للاحتلال، فشكلت نبتة الصبار مخبأ للثوار، تمنع العدو من اكتشافهم نظرا لتركيبة شجرة الصبار، وكثرة الأشواك فيها، ويروي لوباني بعضا من هذه الروايات
ويتحدث لوباني عن مدى تعلق الفلاح الفلسطيني بأرضه، حتى في أقسى الظروف، ويروي ما قامت به نساء بلدته الدامون أثناء التهجير أوائل صيف ١٩٤٨، حيث لجأ حشد من الأهالي إلى وادي سخنين، بانتظار العودة التي وعدهم بها الحكام العرب، ولما تأتِ بعد انقضاء ما يزيد على السبعين عاما، بحسب لوباني.
أقوال كثيرة، وأغانٍ متنوعة تتضمن أصناف الفاكهة، يعرض لوباني بعضا منها، فعن التين، يقول: شاع مثل شعبي يقول: "استكبرها (انتقِ الكبيرة) ولو كانت عجرة (فجة) ـ وفي العتابا: “خبز مسطاح التين والتمٌ..وأنا إذا بكيت على حالي ما بلتم.. وان شالله يا زمان التين نلتم.. وزورك يا مشطب عالندى”.
أي يفضل بالتين أن يؤكل مبكرا صباحا (عالندى) وناضجا (مشطب).
ويتابع لوباني: كنا نقول لمن أعطى ابنته لمن لا يستحقها:
"طلعت تتلقط تين العجلوني..الجيزة الغصيبة بتغير اللوني.. وانتي يا بوها تبغى بمارتيني.. آه منك أملاك تلاقي هيك زبونا..”
وعن العنب يقول:
"زرعنا العنب للذوقي.. وصٌلتي منو فوقي.. وأنا زرعتو عطريقي.. كلو عشان الستات..”، وأنا زرعتو عالطريق.. والقُطُف أد الابريق..والله يا عنب الرقيق.. من عيون الملايات (اللواتي يذهبن لتعبئة الجرار من النبع).
كما يضيف قولا آخر: "عنب وعناب.. يا عنب.. أكل الأحباب.. يا عنب.. لولا الشمع الغالي.. لضوي عليك الليالي.. يا عنب..”
و"بين الدوالي.. بالكرم العالي.. يا محلا السهرة.. والبدر يلالي..” وهي الأغنية التي غنتها الفنانة المتقاعدة سميرة توفيق، ويبدو أنها أخذتها من التراث الفلسطيني.
وكان الباعة المتجولون ينادون على العنب بالقول: "أصلك خليلي يا عنب.. طعمك خليلي يا عنب..
أو "إجا عنتر ..بياع العنبر (كان يستخرج من العنب).. تعا قرمش..”
فيديو مهرجان حلحول للعنب وردنا من صديق في الداخل الفلسطيني، وهو من انتاج إسلام حلاحلة.