شتاء فلسطين: فلسفة تقسيمات شعبية لأحوال الطقس
يبدا موسم الشتاء في الواحد والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، ويبدا الفلسطينيون تقسيم حالة الطقس بطرق عديدة تعتمد الرواية الشعبية المتناقلة.
حلّ الـ21 من كانون الأول/ديسمبر ودخل فصل الشتاء وبدأ الفلسطينيون يعيشونه وفق تقسيمات تاريخية تقليدية، توارثوها بالتناقل من أجدادهم القدماء.
وأيا يكن التقويم المعتمد، فإن الفلسطينيين يقسمون الشتاء قسمين، أربعينية الشتاء أو المربعانية ومدتها 40 يوماً، وخمسينية الشتاء ومدتها 50 يوماً.
تبدأ المربعانية من 21 كانون الأول /ديسمبر وتنتهي في 30 كانون الثاني/يناير، ويقال عن المربعانية في الأمثال الشعبية "إذا ما عجبكم حالي، ببعتلكم السعود خوالي".
الخمسينية تبدأ من 31 كانون الثاني/يناير وتستمر حتى 21 آذار/مارس، وهي مكونة من أربعة أقسام كلها تبدأ باسم "سعد"، جمعها سعود، وهي: سعد دبح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الخبايا، ومدة كل "سعد" منها 12 يوم ونصف اليوم.
ولا يلتزم الفلسطينيون رواية واحدة للتقسيمات، وما يرافقها من أمثال وقصص، فتراث الطقس إجمالاً شعبي شفوي، متناقل، ولا بد بالتالي أن يكون متغيراً اعتماداً على الذاكرة.
يتحدث جودة الديك، من بلدة صفورية في فلسطين، وتهجر أهله إلى مخيم النهر البارد شمالي لبنان، عمل في صيد السمك، وعايش حال الطقس في البحر، وحفظ ما رواه له والده من روايات تتعلق بالطقس.
جودة قال لـ"الميادين نت":
لكن رواية أخرى تقسم السعود بما يتشابه مع تقسيمات جودة، وهي أولاً، "سعد دبح" ويبدأ بـ 31 كانون الثاني/يناير، وهو كناية عن البرد الشديد الذي يحدث في فترته. ويُعبّر عنه بالمثل الشعبي في بعض المناطق "سعد دبح كلبو ما نبح، وفلاحو ما فلح، وراعيه ما سرح".
ثانياً: "سعد بلع" الذي يبدأ بـ 12 شباط/فبراير، وسمي "بلع" لأن الأرض فيه تبتلع ماءها، فتفيض الأنهار وتمتلىء الآبار، ويقال عنه "بسعد بلع بتنزل النقطة وتنبلع".
ثالثاً: "سعد السعود" يبدأ في 25 شباط/فبراير، ويَكسِر الجو برودته، ويميل إلى الدفء، فيقال "بسعد السعود، بتدب الماوية (المياه) بالعود، وبيدفا كل مبرود".
رابعاً: "سعد الخبايا" يبدأ في 9 آذار/مارس حيث تزهر الأشجار، وتسرح الحشرات، ويدب في الأرض ربيعها، ويقال "بسعد الخبايا، بتطلع الحيايا، وبتتفتل الصبايا".
وإذا كان الـ21 من كانون الأول/ديسمبر قد حلّ، فإنه يجري وفق التقويم المتبع عالمياً، على المستوى الرسمي، وهو التقويم الغربي. لكن المشرقيين على الصعيد الشعبي، خصوصاً منهم من يعيش، ويعمل على صلة بالطقس وحالته كالمزارعين، وصيادي السمك، يعتمدون التقويم الشرقي، أي الذي يتأخر عن الغربي بـ13يوماً، وبعض المجتمعات تعتمد الفرق بعشرة أيام.
وتتقاطع الأحوال والروايات، وتتداخل، ففي سعد السعود، يحل موسم ما يعرف بالمستقرضات، وفي المفهوم الشعبي، في فلسطين ومحيطها، يتردد احتسابها. وهي سبعة أيام. آخر أربعة أيام من شباط/فبراير، وأول ثلاثة أيام من آذار/مارس، وينتظر الناس انتهاءها ليعتبروا أن شراسة موسم الشتاء قد انتهت، أو بدأت بالانحسار، ليبدأ بعدها الاستعداد لاستقبال الربيع.
أما لماذا سميت بـ"المستقرضات"، فيرويها الديك:
روايات أخرى عن المستقرضات التي تسمى أيضاً أيام العجوز، وفيها أن العجوز تخاف من الموت في شهر شباط، فتختبيء داخل المنزل طوال الشهر، ومتى وصل إلى أواخره، وشعرت العجوز بشمسه مشعشعة، خرجت من المنزل، وقالت هازجة "راح شباط، وولى شباط، وضربنا بآخرو هالمخباط".
عندما يسمع شباط غناء العجوز، يشعر بالخيبة لأنه لم يستطع القضاء عليها، وقد انتهت أيامه القصيرة العدد أساساً، فينادي ابن عمه آذار/مارس، ويقول له "يا ابن عمي، يا ابن عمي، ثلاثة منك، وأربعة مني، حتى نخلي العجوز توني (تولي أي ترحل)". فيشد آذار/مارس قوته، ويعصف بقوة لثلاثة أيام، ومتى انتهت، تكون المستقرضات قد رحلت، وانتهت شدة فصل الشتاء وتداعياته.
ويتقارب احتساب المستقرضات مع موسم "الحسوم" الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وتذكر الآية "سخَّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أَيام حُسومًا فترى القوم فيها صرعى كأَنهم أَعجاز نخلٍ خاوِية".
والأيام الحسوم، في الرواية الشعبية الفلسطينية، تبدأ من 11 آذار/مارس، و مدتها بين 6 أو 8 أيام، وسُميت بذلك أيام ذات برد وريح شديدة.
يتحدث الديك عنها: