رمضان يعيد الروح إلى القدس.. ماذا عن بقية الأيام؟

ما إن يحل رمضان، حتى تدب الروح في أحياء القدس. ورمضان ٢٠١٩ حول القدس من مدينة باردة، فارغة، إلى مدينة دافئة، تعج بالحياة.

ازدحام رمضاني في القدس العتيقة

تشهد مدينة القدس حركة ناشطة في شهر رمضان الكريم، فتقام في شوارعها وأحيائها، ومواقعها التراثية والأثرية المتنوعة، منصات المآكل الرمضانية الشهيرة، منها الكربوج، والكلاج، والعويمات، والكعك المقدسي، والعصائر، ومختلف الحاجات التي تتطلبها النفوس في شهر الصوم. 

حي قديم في القدس لحظة الإفطار

بقية أيام السنة، تكاد المدينة تقفر، فيهجرها الناس، وتبقى أحياؤها فارغة، إلا من مارة قلائل. ويتكرر المشهد لحظات الفطور في رمضان، حيث تخلو الشوارع والأحياء من جموع الناس الذين يحضرون بازدحام بعد الافطار، وتبقى الزينة وحدها تنير الطرقات والدروب، لانتظار توافد الصائمين لقضاء سهرة من سهرات العمر.

ازدحام ورواد من مشارب مختلفة

ثمة تساؤل يطرح نفسه حول بقية أيام السنة، يتمحور حول إمكانية استعادة القدس بصورة دائمة، استنادا إلى الروح الرمضانية المتسمة بقوة الإرادة، وتحمل المصاعب، والمشقات، والصبر، وفي الوقت عينه بالأمل، والحياة الأفضل التي تنتظر ما بعد رمضان، وما ينتظر الانسان فيها من رجاء، وحلم بالأفضل.

جمهور وزوار عند باب العامود

يؤم القدس في رمضان فلسطينيون، وعرب من مختلف المدن والبلدان، والأقطار العربية، واللإسلامية، يستشعرون دفأها العاطفي، ويعيشون حياتها كبقعة حضارية تجمع مختلف الشعوب، يتلاقون، يمارسون طقوس الشهر، وعاداته، وتقاليده، فتراهم يجلسون جماعات هنا، وهناك، كما على مدرجات باب العامود.

رشا قواس تتوسط جموعا فلسطينية تشارك في ماراتون إحياء الذاكرة الفلسطينية

رشا قواس من الناشطات في مجال العودة، تشارك في مختلف الفعاليات التي تعزز الحضور الفلسطيني العربي في فلسطين، كذلك في مسارات استكشاف مناطق فلسطين، وبلداتها بهدف التعريف بها، وتوثيقها، قامت مع أصدقاء بزيارة إلى القدس في شهر رمضان، وجالت في الشوارع والأحياء، وكتبت عن جولتها، ومشاهداتها، وانطباعها:

أجواء القدس في رمضان

أمسية رمضانية في القدس

القدس وجهة الفلسطينيين الأهم في شهر رمضان، تتلألأ بزينتها لتنير درب خطاك في شوارعها، وحاراتها القديمة. تشعر وكأنك تعبر سنوات طويلة من التاريخ، وتمر بطريقك على عدد من الحضارت التي اقيمت على اراضيها.

تتسع فجوة عينيك لتلتقط كل تفاصيلها، وحجارتها، ونقوشها الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية.

 

الكوفية ضيف مقدسي لا مفر منه في رمضان

يضرب المدفع، "مدفع الافطار"، فينطلق الدويّ العالي للصوت في أرجاء المدينة... والذي طالما حاولت سلطات الاحتلال إلغاءه بحجة انه يسبب الذعر، إلا أنه طَقسٌ أصر المقدسيون على استمراريته. ومن ثم تنطلق قرقعة الطناجر، والصحون، والملاعق. في اللحظة عينها،

يبدأ المسير لحظة النزول من باص القدس في المحطة، والمسار من شارع نابلس حيث اكشاك البيع التي تحتوي على كل ما يمكن ان يخطر في البال، مرصوفة على جانبي الطريق.

دخول كثيف إلى المدينة العتيقة

كان وقت الافطار، وكان البائعون يتناولون طعامهم بجانب اكشاكهم، فتلك صينية دجاج مع بطاطا، واخرى صينية كفتة، ويليها الدجاج المحمر، وفي آخر المطاف، رائحة القهوة، والسجائر التي تعلن عن انطلاق أمسية جديدة من أمسيات رمضان.

عند باب العامود

نهاية شارع نابلس يطل بنا على "باب العامود"، وساحته الواسعة، وأدراجه، وحبال الإنارة التي تشكل سجادة علقت في سماء الساحة، والنجمة والهلال في فتحة في السور فوق الباب.

جموع عند باب العامود

على الأدراج، أناس بسطوا فطورهم. هنا عائلات صغيرة، وهناك مجموعة أصدقاء، ولا يخلو المكان من وجود بعض السواح بكاميراتهم يلتقطون اللحظة، ونحن مجموعة صديقات أتينا لنستمتع بتلك الأجواء المستمرة على مدى السنين رغم بعض الاختلاف بين الماضي والحاضر حيث قالت احدى الصديقات: زمان كان رمضان بالقدس أحلى..

جمهور وشرطة في الأسواق

وهناك الى اليمين، بجانب السور خيمة رمضانية، عبارة عن مقهى مؤقت للسهر كل ليلة، جاهزة لاستقبال الناس بعد الافطار لتمتد جلساتهم الى وقت السحور، وما يفرح هو الحركة المستمرة في المدينة لأنك في باقي أشهر السنة، لا ترى هذا الحراك على الاطلاق، حيث تنطفئ اضواء المدينة قبل ان يدخل المساء، وتصبح حاراتها شبه خاوية سوى من الجنود المدججين، او المستوطنين الملتحين، وحبال طرد الشياطين المتدلية من ملابسهم.

كعك مقدسي

نعبر الأزقة، والحارات المتلألئة بالزينة والإضاءة. نمر من أمام القهاوي المجهزة للسهر، ومن أمام المحلات المفتوحة، والمضاءة، والمتروكة بدون أصحابها الذين توجهوا للمسجد للصلاة تاركين قطعة خشبية صغيرة، وضعت بالعرض أمام الباب، معلنة عودتهم قريباً للعمل، واستقبال الزبائن. ومن ثم تبدأ وتيرة الحركة بالتصاعد بعد مرور ساعة الإفطار حيث يتوجه الناس لصلاة التراويح في المسجد الأقصى يهرولون بسرعة كما هي الطقوس.

حلوى رمضانية

وتحلو المدينة برائحة الحلويات الرمضانية، والكعك، والخبز المجدول، وأصناف كثيرة أخرى تحيرك في الاختيار، فكلها تبدو شهية كما هي أجواء مدينة القدس في شهر رمضان.

إلى الالتقاء

والجميل في الأمر أن تصادف في طريقك عددا كبيرا من اصدقائك، ومعارفك أثناء تجوالك في المدينة، فمنهم من أتى مثلنا للاستمتاع بهذه الاجواء، واقتناص فرصة ساعة الإفطار للتجوال في الأزقة الصغيرة، ومنهم من أتى لممارسة الطقوس الدينية، وآخرون جاؤوا لزيارة الأقارب، والأصدقاء الذين لم يأتوا لزيارتهم منذ عام مضى بسبب عدم حصولهم على التصاريح الخاصة بدخول مدينة القدس.

الأقصى في رمضان

لا يمكن ان تكتمل الجولة في القدس إلا بالمرور من أمام المسجد الأقصى، والتوقف برهة حيث القبة الذهبية تسرق النظر بحليها، نستمتع بمشاهدتها من الباب الخارجي، في جو من الرهبة الخاصة، وعبق التاريخ، تكثفة أجواء شهر رمضان الفضيل. ثم المرور بكنيسة القيامة، فتشعر بعبق التاريخ الواحد، والمصير المشترك بين شعوب المنطقة، فنأخذ استراحة في ساحتها امام البوابة الكبيرة التي لا تنفك عن الترحيب بكل من يعبرها داخلاً أو خارجاً.

كعك مقدسي لا مفر منه في رمضان القدس

تطول الأماسي الرمضانية في القدس، وتمتد حتى السحور حيث يحمل كل انسان برازقه، أو كعك القدس، أو الفلافل، وسواها من مآكل ليس أزكى منها، وهو متجه إلى الأقصى لأداء صلاة الفجر قبل العودة مجدداً لنهار رمضاني جديد من الصوم.