ناصيف - نصيف - إنصاف - منصف
أصبَحتُ عِندَكِ أرتَجي وأخافُ
ما هكذا يتَأَلَّفُ الأُلّافُ
لمْ تُنصِفيني في مُعامَلَةِ الهَوَى
وأعَزُّ شَيئٍ في الدُمَى الإنصافُ
هذان البيتان من قصيدة غزلية للشاعر عبد الجبّار بن حَمْديس (1056 - 1133) المولود في جزيرة صِقلية الإيطالية، والمتوَفّى في جزيرة ميورقة الإسبانية. وهو يشكو ظلم الحبيبة له وعدم إنصافها في مُعاملته حتى بات مُقيماً بين الرجاء والخوف، وهو لا يعجب من ذلك لأن من عادة النساء الجميلات، اللواتي يشبههنّ بالدُمى اي التماثيل الصغيرة الجميلة الملوّنة، عدم الإنصاف.
والإنصاف هو بيت القصيد لأن منه أُخِذ اسم العلم المشترك بين الإناث والذكور إنصاف. والإنصاف هو العدل بين الناس. مصدر الفعل: أنصفَ، يُنصِفُ، إنصافاً، أي عدل. وأنصفَ بين الخصمَين، إذا سَوّى بينهما، وعاملهما بالعدل.
وعليه قول أبي فِراس الحمداني (932 - 968) معاتباً ابن عمه سيف الدولة الحمداني أمير حلب:
يَئستُ من الإنصاف بيني وبينه
ومَن لِيَ بالإنصافِ والخَصمُ يَحكُمُ
والإنصاف أيضاً مصدر قولِك: أنصفتُ زَيداً مِن عَمرو، إذا استوفيت لِزَيدٍ حقَّه كاملاً مِن عَمرو. وتناصفَ القومُ إذا أنصف
بَعضُهم بَعضاً. والإنصاف ضدُّ البَغي والظلم. يُقال: أنصَفَ فَأُنصِفَ،أي عدل في معاملة الناس فلقيَ منهم مُعاملة عادلة. والأصل في معنى الإنصاف هو قسم الشيئ نصفين بالتساوي.
والمُنصفُ هو العادل، اسم الفاعل من أنصفَ، فهو مُنصِف. ومنه اشتقّ اسم العلم المذكر مُنصِف. ومن لطيف ما قيل في باب الغَزَل قول ابن سهل الأندلسي (1212 - 1251):
مَن مُنصِفي مِن سَقيمِ الطَرفِ ذي حَوَرِ
رَكِبتُ بَحرَ الهَوى فيهِ على خَطَرِ
ظَبيٌ لهُ صورةٌ في الحُسنِ قد قُسِمَتْ
بينَ الكثيبِ وبينَ الغُصنِ والقَمَرِ
آلتْ لَواحِظُهُ ألّا يعيشَ لها
قَلبٌ ولو أنهُ في قَسوَةِ الحَجَرِ
ومن نفس المادة اللغوية المؤلفة من النون والصاد والفاء التي تدل على قسمة الشيئ نصفين، اشتقت أسماء أخرى. منها اسم ناصِف. وهو اسم الفاعل من قولهم: نَصَفَ الشيئَ، يَنصُفُهُ، نَصفاً، إذا قسمهُ نِصفَين، فهو ناصِف.
ونَصَفَ القَومَ، إذا أخذ منهم النِصفَ، فهو ناصف. وبه سُمّي الرجل ناصْفاً. ولهذا الاسم صيغتان. الأولى ناصِيف، أي بزيادة المدّ في الصاد. وغالباً ما يُكتب بهذه الصورة.
والصيغة الثانية هي نَصيف، أي بحذف ألف المدّ من النون. والمعنى في كل تلك الصِيغِ واحد. فهو العادل في القسمة بالنصف.
غير أن الناصف يعني أيضاً الخادم وكذلك النَصيف. يقال: نَصفهُ ينصِفهُ، نَصفاً، أي خدمه، فهو ناصف له أي خادم وهو نصيفه أيضاً.
والنَصيفُ أيضاً هو البُردُ، أو الثوب، الذي له لونان، كأن نِصفه من لون ونصفه الآخر من لون غيره. والنصيف أخيراً هو الخِمار الذي تُغطي به المرأةُ رأسها.
وأشهر نصيفٍ عند العرب هو نَصيفُ المُتَجَرّدةِ زوجة ملك الحِيرة بالعراق أبي قابوس النعمان بن المُنذر. وذلك بفضل قصيدة قالها النابغة الذُبياني أثناء منادمته الملك في حضور المتجردة فسقط نصيفها، أي غطاء رأسها، فتناولته بيدها البيضاء البضّة لتغطي رأسها فنظم النابغة في ذلك قصيدة أغضبت الملك. وفيها يقول:
سقطَ النَصيفُ ولم تُرِد إسقاطَهُ
فَتَناولتهُ واتّقتنا باليدِ
بِمُخَضّبٍ رَخْصٍ كأنّ بَنانَهُ
عَنَمٌ على أغصانِهِ لمْ يُعقَدِ
نَظَرتْ إليكَ بِحاجَةٍ لم تَقضِها
نَظَرَ السّقيمِ إلى وجوهِ العُوَّدِ