حماية السعودية من إسرائيل
يتناول الزميل سامي كليب في صحيفة "الأخبار" ما ينشر عن تسريبات تتحدث عن تقارب بين السعودية واسرائيل، معتبراً أن مصلحة الأخيرة تكمن في الترويج لذلك، وأن التقاء المصالح بينهما يحتم على العرب حماية المملكة من اسرائيل.
سامي كليب- صحيفة "الأخبار" اللبنانية: قرّرت اسرائيل، فجأة، تكثيف التصريحات المؤيدة للتقارب مع المملكة العربية السعودية. كثرت التسريبات عن لقاءات سرية. تزامن ذلك مع الإتفاق الإيراني ــــ الغربي. راح بعض الإعلام العربي يحلّل حتى كاد يجعل من الرياض وتل أبيب حليفتين.
ساهم رجل الأعمال السعودي ــــ اللبناني الأمير الوليد بن طلال في تعزيز هذه التسريبات. قال إن "المملكة والدول العربية والمسلمين السنّة يؤيّدون شنّ عدوان اسرائيلي على ايران لتدمير برنامجها النووي"... لم يصدر حتى الآن تكذيب أو تأنيب من الرياض. تولى الردّ المفكر الكويتي الإسلامي الدكتور عبدالله النفيسي. قال "إن الوليد شريك لـ (روبرت) مردوخ العملاق اليهودي في مجال الإعلام".
هل من مصلحة العرب الدفع في اتجاه اتهام السعودية بالتحالف مع اسرائيل؟
لم يُعرف عن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حبّه لإسرائيل. يُقال إنه كاره لها. ولم يُعرف عن الشعب السعودي رغبته في علاقات مع اسرائيل، ولا عرف الإعلام داخل المملكة كاتباً واحداً يدافع عن السياسات الاسرائيلية.
من يعود إلى مقابلات الملك فيصل، حتى الموجّهة إلى الإعلام الغربي، يسمع تكرار مقولة "زوال اسرائيل". لم يبخل الملك آنذاك في قطع شريان النفط حين ساعد الغرب اسرائيل في حرب 1973. ربما هذا ما قتله.
للمرء أن يتخيّل حجم الضغوط الأميركية التي مورّست على السعودية لتفتح علاقات مباشرة مع اسرائيل، خصوصاً بعد اجتياح العراق، وبعد تدهور صورة السعودية في أميركا عقب مشاركة 11 سعودياً في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر على نيويورك. لم ينفع المال السعودي لشركات الترويج الأميركية اليهودية في تلميع الصورة.
لنتفق، اذاً، أن السعودية لا تحبّ اسرائيل، لكنها تكره ايران وتخشى دورها في المنطقة. القلق السعودي الآن في أوجّه. تتعدد المقالات الغربية المؤكدة أن ثمة تغييراً في التحالفات. يعتقد كثيرون أن واشنطن وطهران قد تنتقلان من مجرد التفاهم والإتفاق، إلى مرحلة تحالف استراتيجي. تجمعها محاربة الإرهاب وضمان المصالح. يذهب البعض إلى حد تشبيه المرحلة الحالية بتلك التي شهدت فكّ التحالف بين البيت الأبيض وشاه ايران.
ماذا تفعل السعودية؟
سعت لكسب معركة الغوطة الشرقية في سورية. تحدّث مسؤولون سعوديون وإعلام غربي عن تعاون استخباراتي بين الأميركيين والأردنيين والإسرائيليين والسعوديين. التقت المصالح. السعودية تريد إسقاط، أو على الإقل اضعاف، النظام قبل "جنيف 2". تريد، أيضاً، ضرب هيبة ايران في سورية. اسرائيل تعتبر أن معركة الغوطة الشرقية اختبار جدّي لمقاتلة "حزب الله" على أرض غير أرضه. أميركا تعتبر أن كسر شوكة الجيش السوري و"حزب الل"ه مفيد قبل أي تفاوض. أما الأردن فمغلوب على أمره، بالضغط تارة وبالإغراءات المالية تارة اخرى.
التقت المصالح. أمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أن تدشن إسرائيل والسعودية علاقات سلمية، ولنا مصالح مشتركة في الاقتصاد والسياسة الإقليمية". وافقته وزيرة القضاء ورئيسة طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية تسيبي ليفني. "من أجل مواجهة إيران ينبغي التعاون مع أنظمة أخرى مثل السعودية"، قالت. الإعلام الاسرائيلي جاهز للتسريب والتهويل. يكشف بعضه قبل فترة عن استقبال اسرائيل طبيباً سعودياً من أشهر الاختصاصيين في طب العيون في العالم.
الإعلان عن كل ذلك واضح الأهداف. لو لم يكن لإسرائيل مصلحة في الكشف لما فعلت. بقي، مثلاً، سر اللقاءات الاسرائيلية مع العاهل الاردني الراحل الملك حسين اكثر من 30 عاماً. لم تكن ثمة مصلحة اسرائيلية بالكشف عنها.
مصلحة اسرائيل الآن كبيرة باعلان التقارب مع السعودية. هذا يخدمها، ليس فقط ضد إيران و"حزب الله"، وانما أيضاً لتمرير صفقة مجحفة مع الفلسطينيين بغطاء عربي.
ربما غامر بعض المسؤولين السعوديين فعلاً بعلاقات مباشرة مع اسرائيل. يعرف هؤلاء أن فشلهم في سورية أو ضد ايران قد يقضي عليهم، فلا بأس من مدّ اليد حتى إلى العدو التاريخي طالما تراجع الحليف الأميركي.
ماذا تفعل طهران؟ هل تلعب أوراقها لإضعاف السعودية أكثر؟ أم تعمّم سياسة الإنفتاح فتحرجها؟
الإنفتاح أولوية، لكن مع الإبقاء على أوراق الضغط. كل المؤشرات تقول إنه، عاجلاً أم آجلاً، سيحصل لقاء سعودي ــــ إيراني. لا شك في أن الوضع صعب الآن، لكنه ليس أصعب مما كانت عليه العلاقات الإيرانية ــــ الغربية.
قد لا تكون السعودية راغبة في اللقاء الآن، لأنها لا تريده من موقع الضعف. وقد لا تكون إيران مستعجلة للقاء، فالجميع يذهب إليها. القطري يقدم كلّ أوراق الإعتماد. الإمارات التي تتهم ايران باحتلال ثلاث جزر اماراتية تسبق الجميع بزيارة طهران. البحرين والكويت تسبقان السعودية في الترحيب بالإتفاق.
التأثير الأميركي واضح. عاجلاً أم آجلاً سيحصل اللقاء الإيراني ــــ السعودي.
قد لا تكون من مصلحة حلفاء إيران الآن تبنّي التسريبات الإسرائيلية عن التقارب الإسرائيلي ــــ السعودي. تماماً كما لم يكن من مصلحة طهران اتهام السعودية بتفجير السفارة الإيرانية في بيروت. ماذا سيقول الحلفاء حين يحصل لقاء وزيري الخارجية الإيراني والسعودي قريباً؟
ربما على العرب الآن، وأكثر من أي وقت مضى، حماية السعودية من إسرائيل. يَفترض هذا نصحها بتصحيح بعض الخلل في السياسة الخارجية وخصوصاً حيال إيران وسورية. تقول المعلومات إن وساطات ناشطة في هذا المجال. الأجواء لا تزال سلبية حيال سورية، أما صوب ايران فالإيجابيات ليست مستحيلة، رغم صعوبتها حالياً.