عذراً أسبانيا... لستم الأسياد
موسم إخفاقات كرة القدم الأسبانية، والتتويج الألماني- البرازيلي وعودة إيطاليا القوية.
البرازيل بطلة كأس العالم للقارات، عنوان اتفقت عليه معظم الصحف العالمية، تحليلات وتأويلات كثيرة فسّرت الإنتصار التاريخي لأبناء المدرب لويس فيليبي سكولاري على العجوز الأسباني فيسنتي ديل بوسكي.
فقد وصف البعض الإنتصار البرازيلي بالمفاجأة المدوية، فيما عزا آخرون سبب خسارة أبطال العالم لإرهاق لاعبي "لافوريا روخا" بعد ملحمة إيطاليا في نصف النهائي، في حين قلل البعض من أهمية خسارة الأسبان معتبرين أنها "كبوة جواد"، وموعد الإنتقام سيكون في الماراكانا العام المقبل.
صحيح أن أسبانيا تربعت على عرش بطولة العالم في العام 2010، وبطولة أوروبا عامي 2008 و2012، حيث تمكنت من بسط سيطرتها على الساحرة المستديرة خلال خمس سنوات بفضل "التيكي تاكا". لكن، أين تقع أسبانيا على خارطة تاريخ كرة القدم؟ وهل نسينا أن اللغة الرسمية "للتاريخ" هي البرازيلية؟ أم تناسينا أن الكرة تتكلم الإيطالية ايضاً؟ أو عُتم على الألمانية وهي لغة رسمية أساسية في مناهج كرة القدم؟
لا مستقبل من دون تاريخ
أبصرت أجيال جديدة النور في ظل الحكم الأسباني الحالي، ربما قرأوا عن تاريخ البرازيل وعراقة المانيا وانضباط إيطاليا، لكن أغلبهم لم يحظ بفرصة الإستمتاع بلاعبين كداليما رونالدو وريفالدو ودينيلسون وكافو وتافاريل وروبيرتو كارلوس، أضف اليهم رونالدينيو وبيبيتو وروماريو وغيرهم من سحرة السامبا.
وكذلك الحال مع عمالقة الأتزوري كباولو مالديني وروبيرتو باجيو وغيرهما، من دون أن ننسى نجوم المانشافت وماكيناته التي لا تصدأ كأوليفر كان وكلينسمان وبيرهوف ورودي فوللر وماتياس زامر.
هؤلاء جميعهم أباطرة تسعينيات القرن الماضي، لا داعي للتعمق أكثر في صفحات التاريخ، فهذا الجيل امتداد لأجيال عريقة وأسامٍ لامعة حفرت اسمها بحروف من ذهب، لا يزال صداها مدوّياً.
أما على الجانب الأسباني، فلم يمتلك في سجله منتخباً مرعباً زعزع أعتى دفاعات العالم إلا منذ العام 2008، هو حاضر نعيشه منذ خمس سنوات، يدخل التاريخ من أوسع أبوابه في حالة واحدة فقط، ولادة جيل أسباني جديد يستلم المشعل من سلفه ويسلك طريق الإنتصارات والبطولات.
هو أمر وارد، لكن المنتخبات العريقة أماطت اللثام عن وجهها ونفضت بيدها غبار تاريخها المشرف، أعلنت التحدي، والهدف واحد، استعادة الزعامة.
البداية مع الأتزوري
أولى محاولات إنهاء الظاهرة الأسبانية لبست الرداء الأزرق، أبناء "روما" أحرجوا نظراءهم في "مدريد" خلال الدور الأول لبطولة أوروبا 2012 وضربوا موعداً معهم في النهائي.
لكن الرياح لم تأت كما يشتهي تشيزاري برينديللي قبطان السفينة الزرقاء، إصابات حسّاسة قسمت ظهر الأتزوري وأهداف حمراء خاطفة أحبطت المحاولات الإيطالية، فتوج زملاء الحارس العملاق بوفون بالميداليات الفضية وعادوا إلى ديارهم مرفوعي الرأس.
بالأمس القريب لاحت فرصة الثأر أمام بالوتيللي ورفاقه في نصف نهائي كأس القارات، لكن لعنة الإصابات تدخلت لخدمة الأسبان مجدداً، "سوبر ماريو" عاد إلى ميلانو، الشعراوي غير جاهز، ضربة قوية لهجوم "الطليان" ومع ذلك تفوق بيرلو وزملائه بفضل تكتيك برينديللي المحكم.
الكرة أبت معانقة شباك كاسياس طوال تلك الليلة، ليبدأ بعدها ماراثون ضربات "الحظ". ركلات إيطالية محكمة أصابت الشباك، لنصل إلى الضربة الأخيرة. تقدم بونوتشي للتنفيد، ضرب مشجعي إيطليا أيديهم كفاً بكف، فتسديدات مدافع يوفنتوس طائشة، وبالفعل حلّقت الكرة مع سرب طيور مرّ فوق ملعب "بلاسيدو أديرالدو كاستيلو" حاملة معها "لافوريا روخا" إلى النهائي.
المانيا مهدت الطريق
من يتابع الدوري الألماني بانتظام يكتشف حجم المواهب الهائلة التي تختزنه "البوندسليغا"، المانيا حالياً في خضم تقديم جيل ذهبي يستعيد مجد "المانشافت" الغابر، نجوم ومواهب أبهرت العالم خلال المواسم الماضية.
فريقان ألمانيان عريقان تصدرا مجموعتهما في دوري أبطال اوروبا، تخطوا جميع العوائق ووصلوا إلى الدور نصف النهائي.
بايرن ميونخ، ضرب موعداً مع برشلونة. المحللين والمنظرين توقعوا أن تتوقف مسيرة العملاق البافاري أمام أقدام الكتالونيين، فمسيرة "أف سي بي" في البطولة كانت سهلة بنظرهم، والإختبار الحقيقي يتمثل بتخطي عقبة البلاوغرانا.
7-0، صدق أو لا تصدق، جمع مبارتي الذهاب والإياب أنتج سبعة أهداف بافارية مع الرأفة والرحمة في الشباك الكتالونية. نتيجة تغني عن أي تحليل أو تأويل.
نصف نهائي ألماني - أسباني جديد، بوروسيا دورتموند يواجه ريال مدريد. إلتقوا في دور المجموعات وفاز الفريق الأصفر في مباراة وتعادل في أخرى، وهو ما وصفته صحافة "الكلاسيكو" المستجدة بأنه ضرب من ضروب الحظ.
رباعية لأسود الفيستفالين كانت كفيلة باحتضار الفريق الملكي. انتهت السلسة، قطبا المانيا في النهائي وأسبانيا تموت كروياً.
اذاً، حط اللقب الأوروبي في بافاريا، والوصيف الماني، والفريقان يشكلان نواة منتخب "المانشافت". اكتسح الفريقان الأشهر "إعلامياً" في العالم بتشكيلتهما التي تختصر منتخب أسبانيا.
... فعلتها البرازيل
إنه نهائي كأس القارات، التظاهرات تجتاح البرازيل اعتراضاً على السياسة المالية للحكومة. لاعبو البرازيل متحفزون. العين على كأس البطولة من جهة، وعلى إسعاد جماهيرها من جهة أخرى.
لكن الهدف الأهم هو استعادة الزعامة. الفوز على أفضل منتخب في العالم "حالياً" في مباراة نهائية تكسر "شوكة" الأسبان وتستعيد هيبة "السيليساو".
دخل المنتخب الأحمر المباراة بثقته المعهودة. البطولة لن تفلت من أيديهم. فلنبدأ "التيكي تاكا" كالعادة. هنا قاطعهم "Fred" بتسديدة وهو ممدد سكنت مرمى كاسياس.
لا بأس سنسجل التعادل ونعود للمبارة. كرة بيدرو تنطلق نحو الشباك والمرمى خالي. صاحب الشعر الأجعد ينقذ مرماه بطريقة عجيبة، إنه ديفيد لويس، تقمص دور حارس المرمى وأبعد الكرة برجله.
بعدها أتى الدور على نيمار، وهو أفضل لاعبي البطولة، لكنه بحاجة إلى بصمة في المباراة النهائية لتأكيد أحقيته بلقب أفضل لاعب. انطلق وراوغ حتى أطلق قذيفة تشظت في شباك "القديس" الذي بدا أن لا حول له ولا قوة.
بصيص أمل أسباني قضى عليه سيرجيو راموس بعدما أطاح بركلة الجزاء التي تحصل عليها خيسوس نافاس خارج الخشبات الثلاث.
"التيكي تاكا" تاهت. حان وقت الرقص، وأي رقص؟ إنها السامبا البرازيلية التي مللنا انتظار عودتها. لقد عادت بحلة جديدة. أمتعت وأطربت. توعدت ألمانيا في كأس العالم القادمة، فرد الألمان بتهديد "الطليان" وطالب "الأتزوري" بتوخي الحذر من الأرجنتين. راقصو التانغو يحلمون بالرقص فوق الطواحين البرتقالية. هذه هي متعة كرة القدم، وتلك هي كأس العالم المنتظرة عام 2014.