هل يبدأ «حزب الله» مرحلة جديدة؟

أسباب متنوعة دفعت بحزب الله للإنخراط في الحياة السياسية. ورغم أن هدفه الصراع مع إسرائيل فإن ذلك لم يعفه من المساءلة حول الملفات الإقتصادية والإجتماعية. فهل يحوّل حزب الله "أسبوع المقاومة الإسلامية" مناسبة تأسيسية لمرحلة جديدة من العمل السياسي والإجتماعي؟

"على حزب الله الانتقال من الحرص على تماسك جبهة الحلفاء الى الانخراط في ورشة الإصلاح والتغيير"

خالف «حزب الله» ميوله وتوجّهاته ووجد نفسه مضطراً للانخراط في خضم الحياة السياسية الداخلية. الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005 وما أحدثه من فراغ في الداخل اللبناني دفع الحزب الى ملئه على قاعدتين. الاولى، حماية ظهر المقاومة من الطعن في ظل تمكين وحضور داخليين لخصومها. الثانية، لملمة الحلفاء في لحظة مصيرية من تاريخ لبنان وتشكيل غطاء للقوى الداعمة للمقاومة في مرحلة انكشاف محرجة.

مذ ذاك بات الحزب مصنفاً على مستوى أدائه في خانة العمل السياسي الى جانب هويته الجهادية الاساسية. ومع انه حاول ان يفصل مساره الجهادي عن نشاطه الداخلي، ورغم تأكيده الدائم انه مقاومة تتعاطى السياسة وليس حركة سياسية تتعاطى الشأن المقاوم، فإن ذلك لم يعفه من المساءلة من قبل البيئة الحاضنة والمحبين عن منجزاته في الملفات الداخلية.

ذلك ان المفارقة ظلت قائمة حول قدرة حزب المقاومة على ما يشبه الفعل الإعجازي في موضوع الصراع مع العدو، فيما بقيت منجزاته في هذه الملفات متواضعة قياساً الى ما لديه من امكانيات، والى ما يتصف به من صدق ومصداقية في حرصه على مصالح الناس.

في مسألة المقاومة استطاع الحزب ان ينقل الصراع مع اسرائيل من حالة توازن الرعب الى حالة توازن القوة. هو تحوّل في هذا المجال الى قوة قادرة، في آن، على حفظ التوازنات الاقليمية والاطاحة بها. تحضيراته في الصراع مع العدو تتجاوز هدف التغلب عليه الى إزالته من الوجود. وهو على ثقة تامة بقدرته على لعب هذا الدور، لا على خلفية الوعود الدينية فحسب، بل على خلفية الإرادة التي يحملها والإمكانات التي يمتلكها.

أما في المسألة اللبنانية، فلا ريب في ان الحزب يمتلك في مقام التشخيص والتوصيف، رؤية كاملة في فهم الازمة بكل تشعباتها، الا انه لم يفلح في تحويل هذه الرؤية الى برنامج عمل وأفكار قابل للتطبيق. لقد اتصف بطهرانية سياسية وزهد في نيل المناصب ما جعله خارج السياق المألوف في العمل السياسي اللبناني. غير ان ذلك، في احسن الاحوال، يجعله خارج دائرة الإفساد، لكن لا يعفيه من مسؤولية التهاون في البناء والاصلاح.

في الملفات الداخلية، لم يستطع «حزب الله» أن يخرج من النمطية اللبنانية القائمة على التسويات وتأجيل الحلول، لا على معالجة بنيوية للأزمات. فظل يغلب التوافق على الاصلاح، ويقدم التحالفات المرتبطة بالمصالح العليا على اي برنامج اصلاحي. اذ بالاضافة الى تعقيدات التركيبة اللبنانية، فإن رؤية الحزب الى الداخل ظلت، أسيرة الاعتبارات المصلحية للمقاومة، وهو محق في ذلك. غير ان من حق جمهوره أيضاً الرهان عليه في مواجهة الفساد وتحسين الظروف المعيشية والاجتماعية.

واذ ليس الحزب وحيداً في السلطة ومسؤولاً عما آلت اليه الاوضاع المعيشية والاجتماعية فهو على الأرجح لن يعدم وسيلة، إذا أراد، لإقناع حلفائه باتخاذ خطوات فعلية على طريق اصلاح الشأن العام. وما عليه، في هذا المجال، سوى تطوير تحالفه مع «حركة امل» من حالة الحفاظ على وحدة الصف الشيعي الى معالجة هموم الناس، وأيضاً الانتقال في التحالف مع «التيار الوطني الحر» من حيز الحرص على تماسك جبهة الحلفاء، مقابل الفريق الآخر، الى الانخراط الفعلي في ورشة الإصلاح والتغيير.

ومع أن الحكومة الحالية ليست حكومة اللون الواحد، فلا بد للحزب وحلفائه من القفز فوق الخلافات السياسية بين مكوّناتها والدفع باتجاه العمل بما يحقق مصالح الناس. بدءاً من معالجة الفقر والوقوف فعلياً الى جانب الطبقات المحرومة والمستضعفة، مروراً بمعالجة ازمة الكهرباء واستباحة املاك الدولة وهدر المال العام، وصولاً الى حسن الاستثمار في قطاعي النفط والغاز.

اسبوع المقاومة الاسلامية لدى «حزب الله» يشبه المناسبات التأسيسية لدى الأحزاب الاخرى. وهو محطة ملائمة حتى يبدأ الحزب مرحلة جديدة من العمل السياسي والاجتماعي.. فهل يفعل؟