ملخص الصحف المصرية 27-05-2014

كيف واكبت الصحف المصرية اليوم الأول من الاستحقاق الرئاسي وماذا جاء في أبرز مقالاتها؟

الصحف طرحت التحديات التي تنتظر الرئيس المقبل

كتب كريم عبد السلام في صحيفة "اليوم السابع" تحت عنوان "إنتصار الإرادة على القنابل": 

يوم تاريخى بكل المقاييس، نزل فيه المصريون، نساء ورجالاً، من جميع الأعمار والفئات للمشاركة فى انتخابات رئيس حقيقى لبلدهم، بعد ثلاث سنوات من المعاناة والفوضى والتشويش والاستبداد والاستبداد المضاد والقتل المعلن لإرادة المصريين!

يوم تاريخى انتصرت فيه إرادة الشعب الثائر الراغب فى بناء بلده وحمايته على الإرهاب الوضيع، والمحاولات الخسيسة لعرقلة التصويت وتخويف الناس، لم تنجح محاولات إحراق خطوط السكك الحديدية فى الصعيد، ونزل المواطنون ليشاركوا الحماية المدنية إطفاء الحرائق التى أشعلها المجرمون، وأكملوا مسيرتهم بالهتاف لمصر والتوجه للجان الانتخاب بل سبقت النساء الرجال.

لم تفلح القنابل المزروعة جوار اللجان فى الدلتا والإسكندرية والقاهرة فى تخويف الناس، بل اصطحب الآباء والأمهات أطفالهم للمشاركة الرمزية فى يوم مصر، يوم المصير وانتخاب المستقبل!

لم تفلح الدعوات المسعورة للمقاطعة التى أطلقها القرضاوى وذيوله فى اتحاد علماء قطر وكذا السياسيون الأرجوازات فى بروكسل وتركيا وبيروت، وأفحمتهم الطوابير الطويلة أمام اللجان وإصرار كبار السن والمعاقين على الإدلاء بأصواتهم متحملين مشاق الزحام.

ولم تفلح كذلك مؤامرات التخفى فى زى الجيش والشرطة لإثارة البلبلة وارتكاب الفظائع وتصويرها ثم ترويجها بالأجر كإعلانات على المواقع والصحف الأجنبية لتصوير الانتخابات فى مصر وكأنها تجرى فى وطن منقسم على نفسه حتى بين الجيش والشرطة والعياذ بالله.

ونجح جنودنا فى ضبط كميات كبيرة من الزى العسكرى للجيش والشرطة، والأسلحة والقنابل وزجاجات المولوتوف، كما نجحوا فى إحباط محاولات تعكير الانتخابات بشكل حاسم بفضل الانتشار الجيد والإعداد المسبق لكل التفاصيل.

نعم، نجح المصريون جميعا فى وضع اللبنات الأولى للمستقبل، وليذهب الإرهابيون والخونة إلى الجحيم.

أي معارضة حزبية وبرلمانية ننتظرها؟

كتب سعيد الشحات في "اليوم السابع":

ستنتهى الانتخابات الرئاسية، لندخل بعدها إلى الانتخابات البرلمانية، ووفقا للقانون المطروح ورفضه من بعض الأحزاب، أعيد نشر ما كتبته قبل أيام لضرورة التفكير فيه فيما يتعلق بشكل المعارضة والحكم المقبلين:

 

ستتم الانتخابات وفقا لنظام الفردى بنسبة %75، وللقائمة %25، وبعد أن كان هذا النظام مرفوضا من معظم الأحزاب، ترحب به الآن، وهو ما يثير الشكوك فى أن الرفض والقبول لا يتم على أسس مبدئية تتعلق بالرغبة الحقيقية فى العمل نحو حياة ديمقراطية صحيحة، ومن خارج التكتلات الحزبية كان مثلا للكاتب عبد الحليم قنديل رأى بأن الانتخابات بالنظام الفردى هى عودة إلى الوراء، ومنح الفرصة للثورة المضادة.. وفقا للتسريبات التى تتوالى، فإن التحالف الذى تتواصل المساعى لتكوينه من أحزاب المؤتمر والوفد والمصريين الأحرار وتكتلات أخرى مثل حركة تمرد، يسعى إلى الفوز بالأغلبية البرلمانية، وإذا تحقق ذلك فلنتوقع شكل وطبيعة البرلمان القادم، وفى الجهة المقابلة يأتى السؤال، حول شكل المعارضة البرلمانية، كيف ستكون، وما هى القوى المؤهلة لها؟.

 

حتى الآن لا نستطيع القول بشكل حاسم، ما هى قوى المعارضة التى سنراها فى المستقبل؟، فالوضع الآن يختلف عما كان عليه فى ظل نظام مبارك، فبعد أن كان هناك حزب وطنى يحكم، وأحزاب تعارضه بدرجات متفاوته، زال حكمه وزال الحزب أصلا بعد تجميده بحكم قضائى، كما يختلف الوضع أيضا عن وقت حكم جماعة الإخوان، فبعد أن كان هناك حزب للجماعة يحوز على الأغلبية البرلمانية هو حزب الحرية والعدالة، وبعد أن كان هناك رئيس من الجماعة هو محمد مرسى، وبعد أن كانت هناك معارضة لهم، لم يعد لـ«الجماعة» وجود، وبالتالى فإننا أمام حالة ضبابية لشكل المعارضة وطبيعتها فى المستقبل.

 

فى التصورات السياسية الطبيعية ووفقا للدستور، فإن الأغلبية تقوم بتشكيل الحكومة وتنفذ برنامجها الذى طرحته على الناخب، فى حين تصبح الأقلية هى المعارضة، لكن تبقى القضية الأساسية غائبة حتى الآن وهى، على أى أرضية ستقف المعارضة، وما هى القضايا السياسية التى ستتبناها وتثير المعارك حولها؟ وهل ستكون المعارضة جذرية فى رؤيتها، أم مجرد الخلاف حول قضايا ثانوية ليس أكثر؟

 

تحضر ثورة 25 يناير فى قلب هذا المشهد بصورة رئيسية، فإذا تبنت الأغلبية البرلمانية شعارات الثورة وأهدافها، والسير بجدية نحو تحقيق أهدافها بطريقة جذرية، فستكون المعارضة لها من الأقلية التى ترى فى الثورة بلاء على مصر وعودة إلى الوراء، أما إذا لم تعبر هذه الأغلبية عن الثورة وأهدافها فسنكون أمام معارضة لها من القوى التى تنحاز جذريا للثورة.

 

بين القوتين ستدور معارك المستقبل السياسية والاقتصادية، وسيكون البرلمان هو المرآة التى تنعكس منها صورة الجميع، وطبقا لتصورات البعض بأن النظام الفردى يمنح الفرصة لتحكم رأس المال فى العملية الانتخابية، مما يعنى إتاحة الفرصة أكثر لأن تكون الأغلبية البرلمانية مما لها عداء مع ثورة 25 يناير، وربما يشمل هذا الطيف تنوعا بين متشدد فى العداء وبين من يرى إدخال تحسينات شكلية فى الاقتصاد والسياسة دون النفاذ إلى علاج الجذور، وإذا صح هذا الافتراض ستبقى مصر على أزمتها.

ملفات عاجلة على مكتب الرئيس

كتبت منى مكرم عبيد في صحيفة "المصري اليوم": 

لا يختلف اثنان على أن الرئيس القادم لمصر سيتولى مهامه فى ظروف عصيبة تموج بها البلاد، وهناك عدد من الملفات المهمة التى تنتظر الرئيس، والأنظار تتجه باستمرار صوب مكتب الرئيس للاهتمام بهذه الملفات لما لها من تأثير على مستقبل مصر التى نريدها.

ما يبعث الأمل فى نفوسنا المشاركة الإيجابية والفعالة للمصريين بالخارج، حيث شارك أكثر من 300 ألف مصرى من مختلف بلدان العالم فى التصويت، لاختيار الرئيس القادم، وهذا الأمر يكشف عن المعدن الأصيل فى نفوس المصريين، وهذا الأمر يدعونا لكى نطلب من الرئيس القادم النظر بعين الاهتمام إلى المصريين فى الخارج، والإنصات إلى الخبرات والعقول الثرية الموجودة، والاستفادة بها، وهذا يعجل بمطالب تأسيس مفوضية خاصة بالمصريين فى الخارج، فكثير من لقاءاتى بهم خارج مصر، أجدهم يطلبون آلية تعمل على حل مشكلاتهم وربطهم الدائم بوطنهم الأم، فإذا كانوا قد تركوا الحياة فى مصر، إلا أن عقولهم ومشاعرهم وأقاربهم بل ومشروعاتهم أيضا لاتزال مرتبطة بالأرض المصرية الطيبة.

كذلك على الرئيس القادم دعم مبدأ المواطنة وتوكيده عملياً، وتحويل النص الدستورى إلى واقع ملموس، إلى جانب إصدار تشريعات مهمة منها قانون بناء وترميم دور العبادة، قانون تجريم التمييز، تمثيل عادل للأقباط فى المجالس النيابية، سيادة القانون.

وهنا أود التذكير بضرورة الالتفات إلى تقرير الدكتور جمال العطيفى الذى قدمه لمجلس الشعب فى أوائل سبعينيات القرن الماضى لمواجهة المشكلات الطائفية، ويحضرنى هنا أنه فى مايو من العام الماضى أشار الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى محاولاتى لإحياء توصيات التقرير، تزامناً مع جريمة الخصوص، حيث إنه ما بين جريمة الخانكة فى 1971 والخصوص 2013 مضى بين الجريمتين 42 عاما، ومع ذلك لم تر هذه التوصيات النور حتى الآن، والجرائم الطائفية لم تنته!

ومن أهم الملفات الموضوعة على مكتب الرئيس القادم ملف التعليم والتربية المدنية، فهذا المطلب كان محل اهتمام لسنوات عديدة، حيث أسست ورأست جمعية النهضة بالتعليم لمدة 13 عاما، من أجل تعزيز التربية المدنية ودعم ثقافة الحوار والمساواة وقبول الآخر، والاهتمام بالنشء والشباب باعتبارهم عماد المستقبل، ولذلك أنظر بعين الاعتبار إلى هذا الملف، وأعتقد أنه من المهم أن يكون من أولويات عمل الرئيس القادم وليس فقط الانشغال بتطوير المناهج وبناء مدارس جديدة.

ومن أهم الملفات التى ينتظر أن يكون لها دور مهم فى مواجهة مشكلة البطالة، هو «مارشال عربى» وهو المشروع الذى تحدثنا عنه من قبل ويعمل على تحويل المساعدات الخليجية والدولية من مجرد منح مؤقتة، إلى مشروعات كبرى لنشر التنمية والرخاء وتوفير فرص العمل.

الرئيس القادم عليه أن يضع على رأس أولوياته تعديل التشريعات الخاصة بالمرأة، وتعزيز دورها فى المجتمع، ومعالجة الخلل الموجود فى مجتمعنا، فلم يعد من اللائق أن تستمر المرأة منقوصة الحقوق، ففى الوقت الذى تشارك فيه بكثافة سواء فى الحراك الشعبى، أو ثورتى 25 يناير و30 يونيو، يتم تهميشها بشكل متعمد، ومن ثم آن الأوان لكى يقنن الرئيس القادم حقوق المرأة، حتى يتم تفعيل الدستور والقانون، ولا تصبح مجرد حبر على ورق.

وكذلك نأمل الاهتمام بالشباب عمليا، ومساعدتهم على الاندماج فى الأحزاب السياسية، أو تأسيس أحزاب جديدة، من أجل شباب أكثر نضجا ووعيا بالعمل السياسى، والتمرس فى كيفية صناعة القرار، وبناء مجتمع حر يحترم حقوق الإنسان دون التعدى على أمن وسلامة المواطنين.

السؤال الكبير المطروح على رئاسة مصر الجديدة

كتب فهمي هويدي في صحيفة "الشروق": 

لا أعرف رئيسا تولى السلطة فى مصر وواجه تحديات ومخاطر كتلك التى تنتظر المشير عبدالفتاح السيسى فى منصبه الجديد.

(1)

قدَر هذا المقال أنه كتب قبل إعلان نتائج الفرز فى الانتخابات الرئاسية. وما كان لى أن أكتبه إلا لاطمئنانى إلى أن زمن المعجزات الإلهية قد انتهى. وهو العامل الوحيد الذى يمكن المراهنة عليه لكى تتغير النتيجة التى لم تكن سرا. وربما كان الشخص الوحيد من بين التسعين مليون مصرى الذى راوده الشك فى النتيجة وظل ينتظر المعجزة هو السيد حمدين صباحى المرشح المؤيد للسيسى والمنافس له. وأقول «ربما» من باب إحسان الظن بالرجل والدعاية المجانية له، تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة أو التى بعدها.

لأن المشير السيسى ليس له سجل فى العمل السياسى العلنى على الأقل، فثمة أسئلة كبيرة تنتظره، سأكتفى منها بسؤال محورى واحد أطرحه فى الختام. ورغم أنه حاول أن يقدم بعض الإجابات خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن أغلبها كان معدا سلفا وخضع للمراجعة والتشذيب، ثم إن «الجمهور» الذى التقاه خضع للانتقاء، ناهيك عن أننا نعرف جيدا أن كلام الحملات الانتخابية ليس آخر كلام. وهو الحاصل فى الدنيا كلها حتى فى البلاد التى بها مؤسسات مستعدة لمناطحة الرئيس ومغالبته، فما بالك بنا حيث لا توجد مؤسسات تحاسب أو تراقب، فضلا عن ان الرئيس عندنا إذا لم يكن فرعونا بالسليقة، فإن فريق «الفرعنة» جاهز للقيام باللازم طول الوقت.

(2)

قبل أن نلقى على الرئيس الجديد السؤال الأهم المتعلق بوجهته، فربما كان مفيدا أن نحدد أولا على أى أرض يقف. أتحدث عن تشخيص الوضع المصرى الراهن وإثبات حالته فيما يمكن أن نسيمه محضر استلام السلطة، وإذا جاز لى أن أشخص الوضع فى كلمات معدودة، فقد أقول إنه على الصعيد الداخلى مأزوم سياسيا واقتصاديا. والأزمة على كل جانب أشد منهما على الجانب الآخر، وأذهب إلى أنها ربما كانت إحدى المرات النادرة فى التاريخ المصرى التى تلازمت فيها الأزمتان فى وقت واحد بنفس درجة الحدَّة والحرج.

الأزمة السياسية (لاحظ أننا نتكلم عن الداخل وأن الحديث عن الخارج مؤجل) لها مظاهر عدة تتمثل فيما يلى: ضمور الأحزاب السياسية وعقمها، الأمر الذى جعلها عاجزة عن تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة ــ غياب مؤسسات الدولة المستقلة التى يمكن أن تكون شريكة فى القرار أو مراقبة له، أو على الأقل محصنة ضد ضغوط الهوى السياسى ــ تغول السلطة المركزية وإهدار فكرة الفصل بين السلطات ــ هيمنة المؤسسة الأمنية وإطلاق يدها إما بالقانون وإما بالتعامل معها باعتبارها فوق القانون ــ تفريغ الديمقراطية من مضمونها الوظيفى، والإبقاء على هياكلها من قبيل التجمُّل والحفاظ على الشكل (مجلس حقوق الإنسان نموذج لذلك) ــ تكبيل منظمات المجتمع المدنى وتهميش دورها من خلال قانون منع التظاهر ــ الاستقطاب الحاد فى المجتمع وانقسامه على نحو غير مسبوق فى تاريخه.

هذه العناوين يمكن أن يضيف إليها الخبراء أمورا أخرى لا ريب. وهذا القدر الذى ذكرته ــ إذا صح ــ فإنه يصيب المجتمع بالهشاشة وبضعف المناعة، الأمر الذى لا تكون انعكاساتها الخطيرة مقصورة على الداخل فحسب، ولكنها بالضرورة على وزن مصر ودورها ومصالحها فى الخارج أيضا.

لست بحاجة إلى التفصيل فى الأزمة الاقتصادية التى صار الحديث عنها مادة يومية فى تصريحات المسئولين، كما أنها ظلت تمثل محورا مهما ومركزيا فى أحاديث المشير السيسى وما يتسرب من معلومات حول برنامجه. وقد ظهرت شواهد الأزمة فى المجال العام، بحيث أصبح بوسع أى مواطن عادى أن يلحظ آثارها الضاغطة والمدمرة، ان لم يكن فى الغلاء الذى توحش ففى البطالة وكساد سوق العمل الذى ضرب أغلب الأسر. وأى زائر للأقصر أو شرم الشيخ يستطيع أن يلمس حدة الأمة، حين يرى الفنادق والأسواق التى أغلقت. والبواخر السياحية التى تحولت إلى خرائب مهجورة. وقد وجدت تشخيصا وافيا للأزمة فى الدراسة الأخيرة التى أعدها الدكتور إبراهيم العيسوى الخبير البارز بمعهد التخطيط وتحدث فيها عن الاختلالات المزمنة فى الاقتصاد المصرى. وقد رصد فيها مظاهر تفاقم تلك الاختلالات بعد ثورة يناير 2011، وارتفاع مؤشرات ذلك التفاقم فى أعقاب التغيير الذى حدث فى يوليو 2013، الذى أضاف إلى الأزمة بعدا آخر تمثل فى الخلل الذى تمثلت أصداؤه فى تراجع معدلات الادخار والاستثمار ومن ثم ضعف النمو الاقتصادى وتوالى العجز المزمن فى الموازنة العامة وميزان المدفوعات وتضخم الدين العام الداخلى والخارجى بشكل غير مسبوق.

أهمية وخطورة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ــ والكلام للدكتور العيسوى ــ أنها أدت إلى زيادة الاعتماد على الخارج. خصوصا فى واردات الغذاء أو واردات المواد البترولية أو فيما يخص تمويل الاستثمارات. فبعدما كان الميزان التجارى للبترول (أى الصادرات والواردات البترولية) يحقق فائضا بمبلغ 5.1 مليار دولار فى 9/2010 انخفض ذلك الفائض إلى 2.9 مليار دولار فى 10/2011، ثم انقلب إلى عجز فى حدود نصف مليار دولار فى كل من 11/2012 و12/2013، بما يعنى تحول مصر إلى مستورد صاف للمنتجات البترولية. وقد استمر العجز فى ميزان البترول فى الربع الأول من 13/2014، وذلك بالرغم مما تلقته مصر من معونات مالية وبترولية من الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والكويت. وكما أصبح معروفا فإن نقص الإمدادات من البترول والغاز أدى إلى أزمات فى التزود بوقود السيارات وفى توفير السولار والمازوت للمصانع ومحطات توليد الكهرباء. وترتب على تلك الأزمات اضطراب حركة النقل وارتفاع كلفته، كما نتج عنها تكرر انقطاع الكهرباء الذى أسفر عن آثار سلبية على الأداء فى مجال الإنتاج والخدمات وعلى نوعية حياة المصريين بصفة عامة.

وكانت نتيجة تلك الأوضاع المضطربة أن التصنيف الائتمانى لمصر جرى تخفيضه أكثر من 16 مرة إذ إنها أصبحت تدرج ضمن الدول عالية المخاطر المعرضة للتعثر أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية فى مواعيدها.

(3)

كل الشواهد تدل على أن الأزمة الاقتصادية ستكون العنصر الحاكم للرئاسة المقبلة فى مصر، ذلك ليس استنتاجا منطقيا فحسب، ولكنه واضح أيضا فى كلام المشير السيسى وفيما تسرب من مقاطع لبرنامجه، نلاحظ ذلك مثلا فيما نشرته بوابة «الشروق» فى 20/5 عن البرنامج أن الكلام فيه عن الحرية والديمقراطية إنشائيا وفضفاضا، فى حين كان الجزء المتعلق بالاقتصاد أكثر وضوحا بصورة نسبية، فالحرية فى البرنامج هى «بيت القصيد، وهى الحد الفاصل بين حياة الإنسان وحياة غيره من الكائنات. وهى الهدف الثانى لثورتنا المجيدة.. فلا كرامة بغير حرية ولا حرية بلا كرامة...إلخ» ــ وفى البرنامج انه يعنى بالديمقراطية أيما عناية. إذ إن مجلس الوزراء والوزارة المعنية بشئون التشريع (اللذين أقرا قانونى التظاهر والإرهاب الذى لم يصدر) فقد تناول أمورا أكثر تحديدا مثل ضرورة إعادة النظر فى الدعم والحد الأدنى للأجور والكروت الذكية...إلخ.

اننا نلمح فى البرنامج وفى تصريحات المشير ورئيس الوزراء أمرين أساسيين، أولهما ما ذكرته توا من تقديم الاقتصاد على السياسة. وثانيهما الالتزام بسياسات اقتصاد السوق الحرة المفتوحة أو ما يسمى بالليبرالية الاقتصادية الجديدة. وإذا دققنا فى ذلك المسار فسوف تبرز لدينا ملاحظتان مهمتان، الأولى أنه يعد امتدادا للسياسة التى طبقت فى ظل نظام مبارك. والثانية أنها تتوافق إلى حد كبير مع سياسات الدول الخليجية الداعمة للوضع المستجد فى مصر. وكل من الملاحظتين له دلالته التى سيكون صداها واضحا فى المرحلة الرئاسية القادمة. فالأولى ترجح الاستنتاج الذى يرى فى القرائن المتوافرة (خصوصا بصمات الدولة الأمنية) عودة متدرجة لنظام مبارك. وهو لم يعد سرا فى ظل الحضور المتنامى لعناصر ذلك النظام فى مجالى الأعمال والإعلام، فضلا عن بروز ذلك الحضور فى حملة تأييد المشير السيسى.

أصدِّق ما قاله المشير السيسى عن انه ليس مدينا بأية «فواتير» لأحد، لكننى أزعم بأن ذلك يمكن أن ينصرف إلى الداخل فقط. ذلك ان الدعم المالى الكبير الذى تقدمه الدول الخليجية الثلاث للنظام المستجد والذى ذكر الفريق السيسى أنه وصل إلى 20 مليار دولار فى نحو عشرة أشهر، يعبر عن مشاعر طيبة لا ريب، لكنه يثير سؤالا كبيرا حول الاستحقاق المترتب عليه وعن المردود السياسى له. يدعونى إلى طرح السؤال عوامل عدة منها ما يلى:

• إن الدول حتى إذا كانت شقيقة لا تقدم مساعدات منتظمة بذلك الحجم لوجه الله، ولكنها تفعل ذلك تدعيما ومساندة لسياسات معينة. ولا لوم عليها فى ذلك بطبيعة الحال. الدليل على ذلك ان الدول الخليجية التى اندفعت لمساعدة النظام الجديد هى ذاتها التى حجبت العون عن النظام السابق.

• إن الدول الخليجية التى توفرت لها فوائض مالية عالية خلال السنوات الأخيرة، تطلعت إلى القيام بدور فى المحيط العربى، خصوصا فى ظل انكفاء مصر وتدمير العراق والقتال الدائر بين النظام السورى وشعبه. وهو ما أحدث فراغا شجع تلك الدول على التمدد ومحاولة التأثير على مجريات الأمور فى أنحاء متفرقة بالعالم العربى وثمة قرائن عدة دالة على ذلك.

• إن تلك الدول وهى تحاول القيام بدور خارج حدودها تستهدف أيضا تأمين أوضاعها الداخلية. إذ منذ هبت رياح الربيع العربى فإنها حرصت على استرضاء شعوبها وأغدقت عليهم ماليا، فى حين شددت وأغلقت الأبواب أمام أى حديث عن الإصلاح السياسى. وفى الوقت ذاته فإنها وظفت امكانياتها لإجهاض أصداء الربيع خارجها للحد من تأثيرها فى داخل حدودها.

(4)

أتحدث عن هاجس لا أستطيع أن أكتمه. ذلك أن جيلى عاش المرحلة التى كان لمصر فيها تأثيرها فى إرجاء الخليج، ثم وجدنا أن ذلك التأثير تراجع بصورة تدريجية. وفى الوقت الراهن فإن التساؤل صار مشروعا عما يمكن أن يحدثه الخليج من تأثير على المسار العام فى مصر. وإذا أردت أن أكون أكثر صراحة فلعلى أتساءل عن حدود السقف السياسى الذى يمكن أن تتحرك فى حدوده مصر المقبلة، فى ظل اعتمادها المتزايد على الدعم المالى الخليجى، خصوصا أن مصادر الدعم الأخرى غير مضمونة إذا ما استمر التوتر الأمنى لفترة أطول. وإذ أكرر بأننى أتحدث عن هواجس وليس عن معلومات فإننى قد أتساءل أيضا هل يمكن لمصر فى ظل ذلك الوضع مثلا أن تسمح بالتظاهر السلمى أو بحرية التعبير وحيوية الحياة السياسية وأن نفتح الأبواب لحق الناس فى المشاركة والمساءلة، فى حين أن ذلك كله مصادر وغير مسموح به فى دول الخليج الحليفة المساندة لها؟ ـ هذا سؤال برىء والله، يحترم دول الخليج وخيارات أهلها، لكنه يعبر عن قلق مواطن يحلم لبلده بوضع آخر، ويتمنى له أن يستعيد عافيته وقَوَامه بحيث يسير على رجليه مرفوع الرأس، لا أن يستمر حيا لكنه ممدد فى غرفة للإنعاش معتمدا على المحاليل والمعونات.

الرؤية قبل البرنامج

كتب مصطفى الفقي في صحيفة "الأهرام": 

شغل المصريون أنفسهم فى الأسابيع الأخيرة بالبرنامج الانتخابى لكل مرشح رئاسى ولكن الأمر فى ظنى يتجاوز ذلك إلى البحث فى الخلفية الفكرية لمن نسلمه قيادة البلاد فى السنوات الأربع القادمة

فالبرامج متوفرة والأفكار موجودة والاقتراحات كثيرة والمشروعات بغير حدود ولكن يسبق ذلك كله ضرورة البحث فى منهج التفكير لدى المرشح لأن الإنسان فى النهاية «مشروع زمني» تحكمه ملابسات وظروف مع ارتباط بطبيعة التعليم ونوعية الثقافة ونمط المعيشة، إن الفارق بين شخص وآخر يكمن فى طريقة كل منهما فى جدولة ذهنه وتركيز أولوياته وقدرته على الخيال واستشراف المستقبل وتحديد ملامح مجتمع الأمل، إننا عندما نتحدث عن برنامج «السيسي» أو «صباحي» فإننا لا نتحدث عن أوراق صماء أو دراسات نظرية بل يجب أن نتحدث عن الرؤى التى تحكم كل منهما، لذلك فإننى أطرح الملاحظات الآتية:

 أولاً: إن الرئيس القادم سوف يجد على مكتبه عدداً من الملفات المهمة وعليه أن يفاضل بينها من حيث الأهمية وتأثير عنصر الزمن أيضاً لأن هناك أموراً مهمة ولكنها ليست عاجلة وأموراً أخرى ذات طبيعة عاجلة وإن كانت أقل أهمية، فإذا اقتحم الرئيس القادم القضايا المثارة والمسائل الشائكة فإن عليه أن يختار منها حتى يعرف كيف يبدأ التعامل مع الأوضاع القائمة، إن على مكتب الرئيس القادم ملفات «سد النهضة»، تطهير «سيناء»، حماية الحدود الغربية والجنوبية للخريطة المصرية، النهوض بالتعليم، الارتقاء بالعشوائيات من خلال مواجهة غير نمطية، ضمان الرعاية الصحية للفقراء، كل ذلك يأتى مع تشجيع الإستثمار ودفع معدلات النمو والربط بين الديمقراطية والتنمية باعتبارهما الجناح السياسى والجناح الاقتصادى الذى يطير به جسد الوطن المصري، إن الرئيس القادم مطالب بأن يدرس جيداً «فقه الأولويات» وأن يعرف كيف يبدأ لأن البداية الصحيحة تؤدى إلى الطريق الأمثل والنهاية الناجحة.

 ثانياً: يجب أن يدرك كل مرشح رئاسى أنه ليس حالة خاصة ولا عبقرياً لم تأت به الأوائل بل لعله يدرك جيداً أنه إنسان عادى قادته المقادير إلى حيث هو، وهنا نتوقف قليلاً عند أهمية التشاور وتبادل الرأى لأن الإنسان الفرد لا يستطيع وحده مهما كانت قدراته وخبراته أن يقرر فى كل القضايا وأن يتحدث فى كل الأمور لأنه لم يعش الدهر كله كما لم يعش فى كل مكان! من هنا كان ميلاد الفكر الديمقراطى استكمالاً «لنظرية الشوري» واعترافاً بحقيقة مؤداها أن الزعماء لا يحكمون وحدهم إذ أن من يحيطون بهم يلعبون دوراً كبيراً فى تحديد المسار ونوعية الاختيار.

 ثالثاً: إن الفارق بين شخص وآخر يكمن فى قدرته على التخيل، فالخيال الثرى هو الذى يحقق الإنجازات العظيمة ويضع صاحبه أمام مفترق طرق تبدو كلها مضاءة أمامه، كما أن قدرة مؤسسات المجتمع على النهوض به تبدو ممكنة الآن، وفى ظنى أن التركيز على العامل القومى يمكن أن يمتص جزءاً كبيراً من المشكلات ويدفع الجميع نحو استعادة سنوات الحلم القومى لأن «نظرية الدور الإقليمي» «لمصر» نظرية أساسية فمصر تعيش على التاريخ والجغرافيا معاً، كما أنها دولة مركزية محورية لا يمكن أن تلعب «دور المراقب» فى مباراة حامية الوطيس لاعبوها إيرانيون وأتراك وإسرائيليون و»مصر» تجلس صامتة كأنها «أم العواجز».

رابعاً: إن الذين يدرسون التاريخ جيداً يدركون أن الدهاء هو أحد أدواته عندما يعيد نفسه فجأة مع اختلافاتٍ طفيفة وربما دون مقدمات ملموسة، والزعيم الحقيقى لابد أن يكون دارساً واعياً للتاريخ ملماً بتعرجاته وانحناءاته، فاهماً لأحداثه مستوعباً لدروسه، فالرؤية الحقيقية تتشكل من خلال دراسة التاريخ دراسة متعمقة لا تقف عند حدود متابعة سرد ما جرى ولكنها تتجاوز ذلك إلى طرح سؤالين مباشرين هما لماذا كان ما جري؟ وكيف حدث ما حدث؟ لاستخلاص العبرة وفهم فلسفة حركة البشر فى إطارى الزمان والمكان.

 خامساً: إن البعد الاجتماعى هو ركيزة أساسية لتقييم الرئيس القادم، فالناس مازالت تتذكر «عبد الناصر» بسبب قضية البعد الاجتماعى واهتمامه بالطبقات الأكثر عدداً والأشد فقراً وإدراكه أن العدالة الإجتماعية هى بوابة الاستقرار و»رمانة الميزان» التى يزن بها الحاكم العادل ـ فى موضوعية وتجرد ـ حجم الفقر فى بلاده ويتمكن من مواجهته باعتباره هو «القنبلة الموقوتة» التى تضرب التنمية والديمقراطية معاً وتعصف بتطلعات الشعوب وأحلام الزعماء، فالمحتاج ليس حر الإرادة ولا قادراً على ابداء رأيه الحقيقى فى صندوق الانتخابات فضلاً عن خروجه على النسق المطلوب لتنظيم الأسرة والسعى نحو تحويل الكم السكانى إلى كيف فاعل فى إطار روح تنموية مطلوبة.

 فإذا كانت هذه هى المحاور الرئيسية لحركة «الرئيس الزعيم» أو حتى «الرئيس فقط» فإننا نلفت النظر إلى زاوية خاصة لرؤية المستقبل تكمن فى أهمية التركيز على البعد القومى لمصر العربية لأن ذلك هو «الترياق» الأمثل لمواجهة «فيروس» توظيف الدين الحنيف لخدمة أهداف سياسية لفصيل أو حزب أو جماعة، فمصر قوية بأشقائها وتتعافى دائماً بدعمهم لأنهم يدركون على الجانب الآخر أن سقوط «مصر» لا قدر الله هو سقوط للمنطقة كلها لأن الكنانة هى «عمود الخيمة» وركيزة الاستقرار، وقديماً قال البريطانيون (إذا عطست «مصر» «فالشرق الأوسط» مصاب «بالإنفلونزا») .. إننا نريد من الرئيس القادم أن يقرأ كثيراً وأن يتحدث قليلاً وأن يستمع دائماً حتى يكون على دراية بما يدور حوله، وأن يتحسس الرأى العام الحقيقى وأن يبتعد عن «جوقة النفاق» و»حملة المباخر» الذين يهرعون إلى الصفوف الأولى حتى يراهم الحاكم الجديد لعلهم يحجزون لديه مكاناً فى المستقبل، وتبقى أهمية «الرؤية» دائماً لذلك أصدرت فى مطلع تسعينيات القرن الماضى كتابى «الرؤية الغائبة» إيماناً منى بأن «الرؤية» هى الشعلة المضيئة التى تبدد ظلام العشوائية الفكرية والتخبط السياسى واختلاط الأوراق حتى لا يفلت منا مستقبل نريده لوطن نعتز به وأجيال قادمة ربما لا تزال فى ضمير الغيب!

اخترنا لك