متغيرات المنطقة وإعادة تموضع حماس
مواقف لافتة ولقاءات معلنة وغير معلنة لحركة حماس مع قيادات ودول محور الممانعة، والخبير الاسراتيجي أمير الموسوي يعتبر أن "الحركة وعت فشل خياراتها السابقة ووجدت أن من مصلحتها الاصطفاف إلى جانب إيران وحلفائها".
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعيد تقييم علاقتها مع إيران ومحور الممانعة. رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل يشكر كلّ من دعم المقاومة وساندها ويتحدث عن الوحدة لمواجهة التحديات. تغيّرَ موقف حماس عما كان عليه في أوج الأزمة السورية، وهو الموقف الذي قررت الحركة على أساسه الانسحاب من سورية تعبيرا عن معارضة النظام فيها. تغير من معسكر إلى آخر لا يوحي بأنه حصل فجأة من دون دراسة وإعادة تقييم للمواقف والمتغيرات.
روسيا والصين عبّرتا عن رؤية استراتيجية منسجمة من خلال الفيتو المزدوج في مجلس الأمن بعيد القمة الروسية الصينية قبل فترة. إيران في مرحلة متقدمة من الاتفاق مع الغرب حول البرنامج النووي. الجيش السوري يحقق إنجازات نوعية على الأرض ليس آخرها تحرير سجن حلب المركزي. تقديرات الدوائر السياسية العربية والغربية تشير بقوة إلى إعادة انتخاب الرئيس الأسد في 3 حزيران / يونيو المقبل. حزب الله في لبنان تمكن من حماية البلد من حرب الانتحاريين والسيارات المفخخة الآتية من القلمون، وأرسل بضع رسائل لإسرائيل مضمونها جهوزية المقاومة التامة على الحدود الجنوبية أيضاً.
في المقابل، مصر التي كانت تشكل عمقاً استراتيجياً لحماس لم تعد "إخوانية". الإخوان المسلمون في دول الخليج باتوا إما غير مرغوب فيهم وإما تنظيماً إرهابياً. بالنهاية حماس حركة مقاومة في فلسطين وهي تحتاج إلى غطاء إقليمي ودولي.
معلومات الميادين كشفت أن الزيارة التي قام بها وفد من قيادات حماس إلى طهران جرت يومي الأربعاء والخميس الماضيين بالتزامن مع لقاء رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ومساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في الدوحة.
في هذا اللقاء أعلن مشعل موقفاً لافتاً: "لا يمكن لحماس أن تنسى دعم الرئيس السوري بشار الأسد وشعبه للمقاومة والقضية الفلسطينية". خص الأسد بالذكر ودعا إلى حل سياسي للأزمة السورية في موقف متطابق مع موقف إيران وحلفائها.
مواقف مهدت ربما لإعلان عبداللهيان الأحد أن "خالد مشعل سيزور ايران لكن تاريخ الزيارة لم يحدد بدقة بعد". وكشف عبداللهيان أن لقاءه مع مشعل في الدوحة "كان بناءً ومفيدا" شاكراً إياه على ما اعتبره "توضيحاً لبعض المواضيع المتعلقة بالماضي خاصة تجاه سوريا"، وتوقع "أن يعلن مشعل مواقفه الدقيقة حيال سوريا خلال الايام المقبلة".
حركة اللقاءات والتصريحات تشي بأن شيئاً ما كان يعد بعيداً من الأضواء وأنه نضج أخيراً.
لم تكن هذه مواقف مشعل خلال العامين المنصرمين. تدرّج أبو الوليد في تصريحاته ليعلن في فصلها الأخير عن ترحيب حركته بـ "الثورة السورية وتأييد الشعب السوري الذي يسعى نحو الحرية والاستقلال والديموقراطية". جاء ذلك في كلمة له بمناسبة المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية في أنقرة. وبعد ذلك رفع في قطاع غزة العلم الذي تبنته معظم قوى المعارضة السورية وكل الفصائل المسلحة في سوريا.
عودة إلى الراهن. بالتزامن مع تصريحات مشعل وتوقعات عبداللهيان كان رئيس حكومة غزة اسماعيل هنية يطلق بمناسبة افتتاح أعمال الجمعية العمومية لاتحاد التلفزيونات والإذاعات الإسلامية بطهران مواقف جديدة. هي جديدة نسبياً بالنظر إلى أدبيات حماس السياسية في الفترة السابقة والتي كانت تشمل سوريا وشعبها ضمن موجة "الربيع العربي". لا بل إن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق ذهب إلى أبعد من سوريا حينما دعا إيران إلى "إعادة النظر في دعمها للنظام السوري، إذا كانت لا تريد أن تؤلب عليها الرأي العام العربي".
رغم ذلك لم ينقطع التواصل مع طهران. كانت بعض قيادات الحركة تعبّر عن مواقف مغايرة. كثر الحديث حينها عن الجناح العسكري للحركة، وعن القيادي محمود الزهار بشكل خاص. لم يخرج شيء إلى العلن ليؤكد أو ينفي ذلك صراحة.
ماذا يحصل اليوم بين حماس وطهران؟
كيف يعاد ترتيب العلاقة مع "محور الممانعة" بعدما أفسدتها بعض المواقف تجاه سوريا؟ مواقف توجت بانسحاب حماس من دمشق ومن محور الممانعة.. وهل من ثمن؟
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية أمير موسوي يسجل عدداً من النقاط التي توضح مشهد التقارب بين حماس وجبهة المقاومة.
يعتبر الخبير الاستراتيجي أنه بالدرجة الأولى "حصلت مراجعة للسياسات الخارجية لحركة حماس على ضوء ما حصل من تراجع في السنوات الماضية عن خط الممانعة والمقاومة في المنطقة، أضف الى ذلك الممارسات الدولية والخليجية التي سعت للحيلولة دون إبقاء الحركة ضمن خط الممانعة ونقلها الى مكان آخر، مما أضر الحركة إلى مراجعة موقفها الداخلي والخارجي".
النقطة الثانية بحسب موسوي: "المعلومات التي تقاطرت إلى قيادة حماس حول تطور الوضع في سوريا بحيث بات واضحاً لديها أن الرئيس الأسد سيبقى في السلطة لسبع سنوات جديدة، وأن على قوى المقاومة ان تتعامل مع هذه الحقيقة بواقعية وبعناية خاصة. وبالتالي وصلتها معلومات بأن عليها ان تتفاعل مع الوضع الجديد، وهذا يحتاج الى خطوات عملية".
النقطة الثالثة: "تراجع الدعم الخليجي للحركة بصورة خاصة ولحركات المقاومة بصورة عامة. هذا التراجع يقارب التخلي عند بعض دول الخليج، الأمر الذي لا يرضي الحركة بطبيعة الحال ويضعفها في الداخل والخارج".
ويضيف الخبير الاستراتيجي إلى هذه النقاط عوامل أخرى منها التحولات التي جرت في المنطقة، وفي سوريا، وما جرى في مصر، إضافة إلى العوامل الفلسطينية الداخلية الضاغطة.
يعتبر موسوي أنه لم يعد لحماس من خيارات كثيرة. أحد هذه الخيارات هو أن تعيد الاصطفاف إلى جانب إيران فتكون ضمن المعادلة الأصعب في الداخل والمنطقة، لأنها تعرف جيدا أنها من دون إيران ستبقى حركة عادية ضمن سياق محدد يرسم لها، وهذا ما لا ترغب به.
بالنسبة لإيران يعتبر موسوي أن لديها أولوية وكيفما جرت الأمور "يبقى الأهم هو مواجهة الكيان الصهيوني وإبقاء جبهة المقاومة متراصّة.. ومن هذا المنطلق فإن طهران تتجاوز وتتغاضى عما حصل من تصرفات من بعض الإخوة في حماس".
ويكشف أن المراجعة حسمت لدى الحركة على أعلى المستويات بعدما أعطيت الفرصة الكافية لها من قبل ايران لمراجعة مواقفها، وثبت لدى قيادتها أن من كان يريد إبعادها عن إيران هو من سيخذلها مرة أخرى "لأن سياسات بعض الدول العربية أثبتت عدم ثباتها تجاه قضايا أساسية للأمة. فالمقاومة لا يقتصر دعمها على المال كما يتعامل معها بعض القادة العرب والخليجيين، بل تحتاج الى تجهيرات وإمكانيات وسلاح متطور وعمق استراتيجي وخلفية آمنة"، يقول الموسوي.
وعن الضمانات حول عدم الافتراق من جديد يوضح: "لا يمكن لإيران أن تأخذ ضمان من حركة تتعرض لحصار وضغوط من جهات عربية ودولية. الضمانات هي القضية الكبرى والضمان لبقاء أي حركة مقاومة في خط المقاومة هي قضيتها وقاعدتها الشعبية".
بيان حركة حماس اليوم يشير إلى ذلك في أكثر من بند حيث تم التشديد على "نأي الحركة بنفسها عن لعبة المحاور" و"حشد طاقات الأمّة لمواجهة العدو الصهيوني" و"التوحد - مع شعوب الأمة - كالجسد الواحد لمواجهة التحديات" وأن الحركة "مستمرة ولن تتوقف إلاّ بتحرير فلسطين".
وحول تصريحات مشعل الأخيرة ودلالات ذكره الأسد في إطار دعم القضية الفلسطينية، يوضح موسوي أنها "تقع في سياق بداية مد الجسور وتعبيد الطرق، وهذا يحتاج الى جهد كبير من قوى المقاومة في المنطقة لترطيب الاجواء، لأن هناك جرح عميق جدا حتى وإن كانت حماس تعتبر أن هناك تصرفات فردية حصلت لا تحسب على التنظيم عموماً، وهذه طريق يحتاج تعبيدها إلى مواقف متابينة عما حدث في السابق، وهذا الأمر من وجهة نظري ستنظر اليه القيادة السورية وستساعد إيران فيه".
في ظل ذلك هل سيحتاج إعادة وصل الأمور مع دمشق إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي لحركة حماس على مستوى قيادتها التي يتحمل بعضها مسؤولية الخيارات السابقة؟
يقول موسوي "مؤتمر حركة حماس لم يعد بعيداً. ستقرر الحركة بقاء مشعل من عدمه، لكن يبدو بحسب أوساط مطلعة أن مشعل يحتاج الى الراحة والتفرغ للإشراف المعنوي، وهناك جيل من الشباب الصاعد في الحركة تؤيده قيادة التنظيم وستكون لديه فرصة الارتقاء إلى مواقع المسؤولية".
-
موسوي: المراجعة حسمت لدى حركة حماس على أعلى المستويات -
هنية زار طهران خلال الأيام الماضية