اللغة..تضاريس وطقس ومناخ
في لغة هاواي، تسود أحرف العلّة. فثمانية فقط من أصل أحرفها الثلاثة عشر أحرف ساكنة. وتكمن معظم معاني اللغة في امتداد أصواتها. ويمكن أن يلحظ المرء أنّها تشبه صوت البحر الذي يحتضنها، فمعظم كلماتها بسيطة ورقيقة، تتدفّق بسلاسة من حرف علّة لآخر، ككلمة ماهالو أي شكرًا.
وفي المقابل، تقف اللغة الألمانيّة بأحرفها الثلاثين، وأحرفها الساكنة المقيّدة وأصواتها اللهويّة، وهي أصوات تشارك اللهاة في نطقها. ومن المتعارف عليه أنّ اللغة الألمانيّة جلفة وغليظة، فهي لغة باردة وعرة كطبيعة ألمانيا بحدّ ذاتها.
فما الذي يفسّر اختلاف أصوات اللغات؟ شعر إيان ماديسون، وهو اختصاصي لغوي في جامعة نيومكسيكو، أنّ الاختلاف ليس مجرّد صدفة. فدرس مع زميله كريستوف كوب أكثر من 600 لهجة محليّة بحسب التضاريس والطقس والمناخ.
وعرضا نتائج دراستهم في اللقاء المئة والسبعين للجمعيّة الأمريكيّة لعلم الأصوات (ASA) في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ومفادها أنّ اختلاف الأصوات بين اللغات ظاهرة لها سابقة وحيدة تمّ ملاحظاتها فقط في أصوات الطيور وغيرها من الحيوانات، والظاهرة هي التكيّف الصوتي، وببساطة تعني أنّ المكان الذي تنشأ اللغة فيه يؤثّر كثيرًا في تطوّرها.
وفي الدراسة، كتب ماديسون وكوب: " لا بدّ من أنّ اللغات البشريّة تتأثّر أيضًا بالضغوطات التطوّريّة التي تؤثّر على سلوك كلّ الكائنات الحيّة. ومع الوقت، ستبدأ المفردات بأخذ شكل يناسب البيئة التي تُستخدم اللغة فيها."
واتجه ماديسون في الدراسة إلى البحث في كيفيّة تأثير بيئات مختلفة على استمراريّة عدّة أصوات. ورأى أنّ كلّ الإشارات الصوتيّة تتحلّل بشكلٍ طبيعي عندما تنتقل من منشئها بفعل عوامل كثيرة تؤثّر على استمراريّتها كالحرارة والرطوبة والغطاء النباتي.
والأصوات ليست متساوية، فالإشارات الصوتيّة عالية التردّد تتحلّل بشكلٍ أسرع لأنّ العوائق تضعفها أكثر من غيرها من الإشارات الصوتيّة. وتزيد بعض البيئات من هذه الاختلافات، فعلى سبيل المثال، يصعب انتقال الصوت في المناطق التي تحتوي على أشجار، وينتج الحرّ والرطوبة تموّجات حراريّة تقطّع الأصوات. وبما أنّ للأصوات الساكنة تردّد ومطال أطول (إذ تنطوي على تغيّرات سريعة في الحدّة والايقاع)، تتحلّل هذه الأصوات بشكلٍ أسرع، لا سيمّا في المناطق الحارّة التي تغطّيها الغابات. بينما تستطيع أحرف العلّة أن تنزلق بين الأشجار وفوق التموّجات الحراريّة من دون أن تتضاءل نوعيّتها كثيرًا، وذلك لأن طول موجة هذه الأصوات أكبر وبالتالي أكثر ثباتًا. وحال الأحرف الساكنة أفضل في المناخ الأكثر برودة، وعلى مسافة قريبة لا تملك تردّداتها المرتفعة ما يكفي من الوقت لتتحلّل.
ويستنتج ماديسون وكوب أنّ عدد الأحرف الساكنة المنفصلة واستخدامها في بنى مقطعيّة أقل في المناطق الحارّة التي تغطّيها الأشجار.
ممّا يفسّر الاختلاف الشاسع بين كلام سكّان هاواي وألمانيا. ففي لغات البشر في المناطق الحارّة التي تغطّيها الأشجار عدد أقل من الأحرف الساكنة المنفصلة، وتعتمد أكثر على أحرف العلّة، تمامًا كما تطوّرت الطيور في المناطق الحارّة التي يغطّيها غطاء نباتي كثيف لتتواصل عبر أصوات هديل منخفضة.
ويمكن أن يؤثّر التكيّف الصوتي على اللهجات المحليّة أيضًا.
واعتاد من يتحدّث لغات المناطق الأكثر برودة على استخلاص المعاني من الأحرف الساكنة، ففي حال أرادوا تعلّم لغة هاواي، يصعب عليهم ملاحظة معظم المعاني التي تحملها أحرف العلّة، التي تتغلّب على تعقيد الأحرف الساكنة في اللغات الأكثر "برودة" وعلى الإيجاز التي تتّسم به. ولذلك، كلمة ماهالو بالنسبة لسكّان هاواي مباشرة أكثر ممّا يعتبرها الناطقون بلغات أخرى، بينما تبدو لسكّان هاواي معظم الكلمات الألمانيّة كمجموعة من الأصوات الساكنة التي تعترض أحرف العلّة مكوّنة خليطًا باردًا لا معنى له. ولنفس السبب، يعتبر الألمان أنّ كلمة أوف ويدرزين ، أي إلى اللقاء بالألمانيّة، موسيقى تطرب لها الآذان.