شهرٌ على قرارات قيس سعيّد.. كيف يرى الشباب التونسي المرحلة المقبلة؟

30 يوماً مرت على قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد الاستثنائية والمفاجئة، التي دفعت التونسيين إلى الخروج إلى الشارع احتفالاً، بينما آخرون يرون في قراراته "انقلاباً" على الدستور. فما هي تطلعات ومخاوف الشباب في تونس اليوم؟

  • ليلة 25 تموز/ يوليو 2021، خرج التونسيون إلى الشوارع بين مؤيد ومعارض لقرارات الرئيس قيس سعيد
    ليلة 25 تموز/ يوليو 2021، خرج التونسيون إلى الشوارع بين مؤيد ومعارض لقرارات الرئيس قيس سعيد

لم يكن ليل 25 تموز/يوليو الماضي يوماً عادياً كسابق الأيام في تونس. فرحةٌ شعبيةٌ كبيرةٌ عمت غالبية شوارع البلاد، احتفالاً بـ "إسقاط نظام دكتاتوري، وثورة على قوى رجعية ظلامية"، وفقاً لسيرين العياشي العضو في الهيئة الوطنية في ائتلاف "صمود".

في ذلك اليوم أعلن الرئيس قيس سعيّد إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتوليه السلطة التنفيذية، وتجميد عمل المجلس النيابي، وذلك بعد ترؤّسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، في إثر عودة الاحتجاجات إلى عدد من المدن التونسية.

تبع ذلك مجموعة من الإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس بحق نواب في البرلمان ووزراء ومسؤولين حكوميين، كما أكد في أكثر من مناسبة ضرورة محاسبة كل من استولى على أموال الشعب.

الذاكرة تعيد سيرين (28 سنة) إلى تفاصيل ذلك اليوم، حين خرجت العائلات والأصحاب إلى الشوارع، احتفالاً بـ"عرس عاشه الشارع التونسي" طوال الليل، بعدما فقدوا ثقتهم بطبقة سياسية. فأصوات الناس والزمامير لا تزال تصدح في عقلها، حين توحّد التونسيون على قرارات الرئيس بتجميد عمل البرلمان وحل الحكومة وإقالة مسؤولين. 

لكن ذكريات 25 يوليو لم تكن مماثلة لدى الجميع، إذ يعبر أحمد الفلاح (30 سنة)، العضو في المكتب السياسي لحركة "النهضة"، عن معارضته لإجراءات سعيّد، والتي خرج على إثرها آخرون إلى الشارع اعتراضاً. 

ويبدي أحمد معارضته من "منطلق حقوقي ودستوري"، معتبراً أنّ إلغاء عمل المؤسسات والفصل بين السلطات "مسألة لا يمكن الاتفاق عليها". ويرى في هذه القرارات "مخالفة لدستور عام 2014 الذي هو أهم مكسب من ثورة الحرية والكرامة"، وفق تعبيره.

وعن انعكاسات تلك القرارات على وضع البلاد، يشير الفلاح إلى أنها "تعطل المؤسسات الدستورية، وأهمها البرلمان، ما سيؤدي إلى تعطيل الانجازات الاقتصادية والاجتماعية"، آملاً أن يعود الرئيس سعيّد إلى "أرضية مشتركة للبناء". 

"عاد إلينا أمل بسيط"

بحسب مؤسسة "إمرود كونسلتينغ" المتخصصة في إجراء استطلاعات الرأي، فإنه في الفترة بين 26 و28 تموز/يوليو الماضي، كان هناك 87% من التونسيين يؤيدون القرارات الاستثنائية لسعيّد. هذا وارتفعت درجات التفاؤل تجاه مستقبل التونسيين، وتحولت من 45% في حزيران/يونيو الماضي إلى 77% في تموز/يوليو الماضي، وفق الاستطلاع نفسه. 

وتعليقاً على ذلك، تقول سيرين إنه "بعد 25 تموز عاد إلينا أمل بسيط" بانتظار أن يقود سعيّد البلاد إلى "بر الأمان"، حيث ترى في قرارات رئيس البلاد "استعداداً كبيراً لمكافحة الفساد والفوضى السياسية الموجودة"، في ظلّ تناسي الأحزاب لمصالح الشعب وخصوصاً السلطة التشريعية التي غلّبت الصراعات السياسية والمصالح الخاصة على حساب المواطنين. 

لكن تأييد سيرين لهذه القرارات لا ينفي وجود تخوفات، حول مدى استعداد الرئيس التونسي لإشراك المجتمع المدني والأحزاب التقدمية في صناعة القرار أو العمل بمفرده، كما ذكرت.

"العشرية السوداء"

عندما خرج التونسيون عام 2011، خلال ثورة الحرية والكرامة، وأطاحوا بنظام حكم الرئيس زيد العابدين بن علي، كانت آمال وطموحات الشعب كبيرة. ففي تلك الثورة رُفعت العديد من الشعارات، أبرزها "الحرية والكرامة" و"الحق في العيش الكريم"، إلاّ أنّ مطالب الثورة لم تحقق جميعها. 

وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة "سيغما كونساي" في آب/أغسطس الجاري، تبين أنه لأول مرة منذ 6 سنوات، 77.1% من المستجوَبين يقولون إن "البلاد تسير في الطريق الصحيح".

وتوضح سيرين أنه بعد ثورة 2011 "كان لدينا الكثير من التطلعات خاصة في الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، كنا ننتظر استقرار وكرامة وشغل وحرية. للأسف عشنا عشرية يمكن وصفها بأنها سوداء".

وترى أنّ "السنوات الـ10 التي مرت على تونس بعد الثورة، هي التي أوصلت إلى اتخاذ تلك القرارات في 25 تموز، ودفعت الناس للخروج إلى الشوارع احتفالاً". 

لا تبدو الرؤية مختلفة بالنسبة لأحمد، الذي يقول إنه منذ الثورة "تضاعفت 3 مرات على الأقل أسعار المنتوجات الغذائية"، مشيراً إلى أنّ البلاد كانت في مرحلة "استقرار سيئ وغير مبشرة بخير". 

الحلول

مشاكل التونسيين ومطالبهم التي لم تتحقق خلال ثورة "الحرية والكرامة" تبدو شبيهة، إلاّ أنّ الحلول للخروج من النفق السياسي المظلم مختلفة.

بالنسبة إلى أحمد، يكمن الحلّ في الذهاب إلى "تنظيم حوار سياسي واقتصادي واجتماعي تكون مخرجاته ملزمة لجميع الملزمين في الشأن العام بتونس". ويشدد على ضرورة "عودة عمل البرلمان الذي جُمّد أعضاؤه إثر قرارات 25 تموز/يوليو، فضلاً عن تقوية الجهاز القضائي المعني بمتابعة ملفات الفساد".

إلا أن عودة تفعيل عمل البرلمان قد لا يبدو الحل الأنسب لآخرين،الذين يرون في هذا الأمر "تكراراً للمشهد السياسي وإبقاءً على الطبقة عينها". 

والحل، بالنسبة إلى سيرين يكون عبر الدعوة إلى "إجراء استفتاء شعبي على الدستور ينادي بتغيير الحكم"، لأن الانتخابات النيابية المبكرة وفق قولها "سوف تعيد الوجوه نفسها والسيناريو عينه".

المستقبل

وبحسب دراسة أجرتها "سيغما كونساي" عام 2020، فإنّ 57% من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً يرغبون في الهجرة.

هذه الرغبة في الهجرة تفسّرها سيرين نظراً إلى "الرؤيا الظلامية لدى الشباب التونسي حول مستقبلهم"، في ظلّ وجود طبقة سياسية "غير واعدة"، وانعدام الاستقرار السياسي والتضخم الاقتصادي وارتفاع الأسعار والقضاء على الطبقة المتوسطة. 

وبالنسبة إلى أحمد، تكمن مخاوفه في فقدان قيمة "الحرية" في تونس، وخسارة ما أُنجز خلال ثورة 2011، معتبراً أنّ "مشاركته في العملية السياسية من خلال المشاركة في الأحزاب والتقرب من أطر صناعة القرار في الحزب والدولة، ستمكّنه من توفير ما يطمح أن يعيشه أي شاب عندما يفكر بالهجرة".

كانت تونس فاتحة الدول التي شهدت تظاهرات واحتجاجات، وتغيرت السلطة فيها سريعاً وانتقلت إلى مسار ديمقراطي، لكن الوضع الآن لا يوحي بأن ثورة تونس استطاعت تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية لشعب هذا البلد، فهل تنجح الجمهورية الثالثة في ذلك؟

اخترنا لك