ماذا خلف موقف المجر من الصراع الروسي الأطلسي؟

مع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، تواجه المجر ضغوطاً أكبر من أي وقت مضى للاختيار بين موسكو وشركائها الغربيين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

  • ما هي خلفيات موقف المجر من الصراع الروسي الأطلسي؟
    ماذا خلف موقف المجر من الصراع الروسي الأطلسي؟

ربط المجر والاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية تحالفٌ اقتصاديٌ وعسكريٌ، ووقّع بعدها البلدان على حلف وارسو. توترت العلاقات بينهما في العام 1956 بسبب التدخل السوفياتي في المجر. ومع ذلك، فقد أعاد البلدان تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انهيار الاتحاد.

للمجر سفارة في موسكو وقنصليتان عامتان في سان بطرسبورغ ويكاترينبورغ، ولروسيا سفارة في بودابست وقنصلية عامة في دبرسن. ولدى البلدان عضوية كاملة في مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سارع الاتحاد الأوروبي والدول الغربية إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، إلّا أنّ هنغاريا غرّدت خارج السرب الأوروبي، ورفضت التورط في النزاع الروسي الأوكراني، والقبول بالعقوبات الأوروبية على روسيا، وحتى تسليح أوكرانيا، فيما اعتبرت المجر أقرب حليف إلى موسكو في الاتحاد الأوروبي.

ما هي الأبعاد السياسية لموقف المجر تجاه صراع روسيا والأطلسي؟ وما الدور المرجّح لهنغاريا أداؤه في ظلّ هذه الأزمة المتسارعة الأحداث، والتي ترمي بحملها على العالم بأكمله.

يظهر التباين المجري الأوروبي في مسألة حظر الواردات الروسية، خصوصاً واردات الطاقة، وهذا ما عبّر عنه تصريح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أمس الجمعة، بأنّ بلاده لا يمكنها دعم حزمة عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على روسيا في شكلها الحالي، بما في ذلك حظر واردات النفط الروسية.

واعتبر أوربان أنّ الاقتراح الحالي الذي قدمته المفوضية الأوروبية بحظر صادرات النفط الروسية بمنزلة إلقاء "قنبلة ذرية" على الاقتصاد المجري، مضيفاً أنّ المجر مستعدة للتفاوض إذا رأت اقتراحاً جديداً يتناسب مع مصالحها.

لكن العلاقة بين البلدين لا تبدو مؤسّسة على منافع الطاقة فحسب، فمنذ أكثر من عقد أقام أوربان علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع روسيا، ما منحه سمعة معينة باعتباره أقرب حليف للكرملين في الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقترب من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، جارة المجر من الشرق، تجنّب أوربان إدانة التحرك وأظهر معارضته لفرض عقوبات على موسكو.

ومع تصاعد التوترات، توجّه أوربان إلى موسكو، حيث التقى بوتين في الكرملين، ومارس ضغوطاً من أجل الحصول على شحنات أكبر من الغاز الروسي.

وعندما بدأت العملية العسكرية الروسية على نطاق واسع، وضع أوربان للمرة الأولى مسؤولية التوترات والعنف على عاتق موسكو، فيما يمكن اعتباره نقطة تحول في نهجه المؤيّد لروسيا منذ أكثر من عقد.

وبعد ساعات من بدء العملية العسكرية الروسية، في شباط/ فبراير الماضي، قال أوربان إنّ روسيا "هاجمت أوكرانيا بالقوة العسكرية"، معرباً عن إدانته لما وصفه بالعمل العسكري، مثل حلفائه في الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي (ناتو).

وعلى الرغم من أنّ أوربان تجنّب ذكر بوتين بالاسم، ولم يصف "العمل العسكري" بأنّه غزو، إلّا أنّ منتقديه في الاتحاد الأوروبي والمجر كانوا ينتظرون ردّ فعله منذ فترة طويلة.

اتّبع أوربان، خلال السنوات الأخيرة، استراتيجية دبلوماسية واقتصادية يطلق عليها "الانفتاح الشرقي"، وهي سياسة تعزز علاقات أوثق مع دول الشرق، وسط ما تراه حكومته تراجعاً غربياً.

وكجزء من هذه الاستراتيجية، أطلق أوربان مشروعاً مدعوماً من روسيا بقيمة 12 مليار يورو، لإضافة مفاعلين نوويين إلى محطة الطاقة النووية الوحيدة في المجر، بتمويل أساسي من بنك روسي حكومي.

وزادت حكومته أيضاً من اعتماد المجر على الغاز الطبيعي الروسي، وفي عام 2019 وفّرت مقراً في بودابست لبنك الاستثمار الدولي الذي يقع مقره الرئيسي في موسكو.

وفي حين أعلنت جمهورية التشيك أنّها ستنسحب من بنك الاستثمار الدولي لمعاقبة روسيا على هجومها على أوكرانيا، وحثّت أعضاء البنك الآخرين على فعل الشيء نفسه، لم تنسحب المجر. 

وأعلن وزير الخارجية المجري، بيتر زيجارتو، الذي منحه بوتين أحد أعلى الأوسمة الرسمية الروسية في العام الماضي، أنّ المجر لن تسمح بمرور الأسلحة الفتاكة المتّجهة إلى أوكرانيا عبر أراضيها.

من جانبه، انتقد المحافظ المستقل الذي يقود تحالفاً من ستة أحزاب، بيتر ماركي زي، أوربان لعلاقته القوية مع بوتين، وطالبه باتخاذ موقف واضح بشأن التزامه تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ومع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، يواجه أوربان ضغوطاً أكبر من أي وقت مضى للاختيار بين موسكو وشركاء المجر الغربيين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، غير أنّ هناك دلائل متزايدة على أنّه قد يستمر في تجاوز الخط الفاصل بين الاثنين.

تعاون مع روسيا رغم العقوبات

تسعى المجر لتسريع وتيرة توسيع محطتها النووية الوحيدة بدعم من روسيا بعد سنوات من التأخير، رغم الضغط المتزايد من جانب الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء للتخلي عن مشاريع تدعمها روسيا.

وذكرت وكالة "بلومبرغ" للأنباء أنّ وزير الخارجية بيتر زيجارتو يجرى محادثات مع الرئيس التنفيذي لشركة "روساتوم" الروسية أليكسي ليخاتشيف، في مدينة إسطنبول التركية، بشأن تشييد مبنيين جديدين في محطة "باكس" النووية.

وقال وزير الخارجية المجري في منشور في "فيسبوك" إنّ الاتحاد الأوروبي منح على نحو متكرر استثناءً من عقوبات تمّ فرضها على روسيا في مجال الطاقة النووية.

ويشعر بعض دول شرق الاتحاد الأوروبي بالقلق من أنّ وقف واردات النفط الروسية "لن يتيح له الوقت الكافي للتكيّف"، على الرغم من قول دبلوماسيين إنّ المجر وسلوفاكيا ستُمنحان مهلة حتى نهاية العام 2023.

وأوضح رئيس الوزراء المجري أنّ "المجر ستحتاج إلى 5 سنوات لضخ استثمارات ضخمة في مصافي النفط وخطوط الأنابيب لتتمكن من تغيير نظامها الحالي الذي يعتمد نحو 65% منه على النفط الروسي".

ولفت إلى أنّ بلاده "ستحتاج أيضاً إلى استثمارات ضخمة في المصافي ونظام الشحن، للسماح باستيراد النفط من دول غير روسيا".

وتساءل أوربان عمّا إذا كان من الحكمة تنفيذ استثمارات بهذا الحجم لتحقيق نتيجة، في غضون 4 إلى 5 سنوات، بينما تدور المعارك في أوكرانيا، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى أخذ مصالح بلاده "في الحسبان".

وأكد رئيس الوزراء المجري أنّ بلاده لن تدعم وضع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المؤيد للكرملين، البطريرك كيريل، في القائمة السوداء، لأن هذه "قضية تتعلق بالحرية الدينية". 

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.