أين الجامعة العربية من الإتفاق الإسرائيلي الإماراتي؟
جامعة الدول العربية لاتزال تحت الصمت المطبق إزاء إعلان توقيع اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. صمت يطرح العديد من الأسئلة إزاء دور الجامعة وموقفها من القضية الفلسطينية، هل نقضت الجامعة ما تبنتّه في قمة بيروت؟ وهل تخلّى العرب عن القضية الفلسطينية؟
-
هل دخلت جامعة الدول العربية في "الكوما" وغابت عن الكثير من القضايا العربية المفصلية!
بعيد توقيع الاتفاق "التاريخي" بين الإمارت و"إسرائيل"، ظهر الصمت المطبق من قبل عدد من الدول العربية وجامعتها من الاتفاق المعلن.
مرت عدة أيام على حدث هام في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لكن آذان الدول العربية بأغلبها وجامعتها ما زالت صماء رغم الإعلان عن التطبيع الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي!
صمت يطرح أسئلة كثيرة، أين أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط؟ وهل يقتصر منصبه على الوظيفة فقط؟ حيث يبدو أن هذه الجامعة دخلت مرحلة "الكوما" في الكثير من القضايا العربية المفصلية.
والسؤال: من هي الدول الإقليمية التي تتدخل، وربما تملي على أمين عام الجامعة قراراته؟ وأليست واشنطن هي من تقف خلف هذا المشهد العربي الرسمي برمّته إدارة وتدخلاً وفرض شروط وإملاءات.
جامعة الدول العربية التي تبنّت المبادرة العربية التي أقرت في بيروت عام 2002، وربطت إقامة علاقات مع "إسرائيل" بانسحابها من الأراضي المحتلة عام 1967، إضافة إلى تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة.
لكن الجامعة منذ ذاك الحين دخلت في سبات طويل، فيما كانت "إسرائيل" تكشف عن اتصالات سرية مع دول عربية، من خارج الطوق، تحولت لاحقاً إلى علنية ومكشوفة، ومن ثم إلى علاقات رسمية في إطار اتفاق بدأته أبو ظبي أخيراً، ويجري الحديث عن دول عربية أخرى ستتبعها لاحقاً.
تسارعت الأحداث في الأيام الأخيرة، حيث ذكر موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن وكالة الأنباء الإماراتية أعلنت عن لقاء جمع رئيس "الموساد" يوسي كوهين، مع مستشار الأمن القومي الإماراتي، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن "يزور كوهين البحرين في طريق عودته إلى إسرائيل" قريباً.
بدوره، كشف وزير الاستخبارات إيلي كوهين، أيضاً عن وجود اتصالات بين السودان و"إسرائيل".
وفي العلن، برزت أبواق التخلي عن القضية الفلسطينية التي جاهرت للتطبيع في السعودية والإمارت وبالترويج بلا حرج للتطبيع تحت شعار "فلسطين ليست قضيتي".
هذا الوسم وهذا الشعار، قابلته حملة مضادة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتعيد البوصلة إلى مكانها، وتوجهها نحو فلسطين وقضيتها المحقة. فانتشر وسم بشكل واسع تحت إسم "فلسطين قضيتي"، يؤكد على أحقية هذه القضية وخيارات الشعوب التي تتبناها.
وإلى جانب هذا الصمت الرسمي المحير.. هناك مسار آخر يطفو على السطح، يشدد على حرية الدول العربية في قراراتها وعدم التدخل في شؤونها.. ولكن أي استقلالية تلك؟ هي خرافة غير واقعية يؤكدها التدخل في ساحات عديدة من الحرب على سوريا إلى العراق الذي أقصي، مروراً بليبيا وإذكاء حروبها، والعدوان على اليمن، وموجة الضغط والتدخل الهائل في أدق تفاصيل المشهد اللبناني.
واذا كان البعض قد خرج ليقول إن هذه القرارات هي قرارات سيادية لكل دولة على حدة، فماذا عن تدخل عدد من الدول العربية ومن بينها الإمارات في الأوضاع الداخلية لأشقائها في الدول العربية الأخرى.. ألم تتدخل الإمارات في سوريا ومعها السعودية وقطر ودعمت المجموعات المسلحة؟ ألا تتدخل اليوم وبشكل علني بليبيا؟ وألا تتدخل بشكل مرعب في اليمن إلى جانب السعودية؟ إضافة إلى الحديث عن دورها في تقسيمه؟ وماذا عن دورها في العراق ولبنان ما يحكي عن دعمها لجهات ضد جهات أخرى.
وفي الجهة المقابلة لهذا الصمت، ظهر موقف لافت لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي ذكّر بوصية مؤسس الجمهورية الباكستانية محمد علي جناح، وشدد على أن باكستان لن تعترف بـ"إسرائيل" حتى إعطاء الفلسطينيين حقهم بتسويةٍ عادلة.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن بدوره عن نيّة بلاده تعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهذا يندرج ضمن "الواقع الرافض لسياسات التمدد الإسرائيلي ومشروعها الاستعماري".
زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي أكد أن العلاقات بين الإمارات و"إسرائيل" ليست جديدة، لافتاً إلى أنه "بعد التطبيع سيأتي التبرير ثم الترويج للعلاقة مع "إسرائيل" وإنشاء اتفاقيات وتعاون معها".
وفي الجزائر، رأت أحزاب جزائرية سواء من المعارضة أو المحسوبة على السلطة أن التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي "طعنة جديدة في جسد الأمة العربية". واعتبرت أن ما أقدمت عليه الإمارات "جريمة لا تغتفر في حق الشعب الفلسطيني".
كذلك برزت مواقف أخرى في العديد من الدول الإسلامية الكبيرة، مثل ماليزيا، حيث اعتبر رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي هدفه تقسيم العالم الإسلامي إلى فصائل متحاربة، وأنه سيزيد قدرة المتناحرين على قتال بعضهم البعض، ولن يكون هناك سلام حتى بين الدول الإسلامية، وسيكون بإمكان الإسرائيليين صب الوقود على النار في هذا النزاع.
لكن السؤال الأهم هنا هل بات عزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي، وتوسيع الخلاف والشرذمة داخل الساحة الفلسطينية هو الهدف؟
اللحام للميادين: فلسطين تحمي جامعة الدول العربية وليس العكس
-
بعد التطبيع العلني.. هل دخلت جامعة الدول العربية في "الكوما"؟
وفي السياق، قال مدير مكتب الميادين في فلسطين ناصر اللحام إن الإمارات خرجت عن نص ميثاق جامعة الدول العربية، لكن فكرة التطبيع كانت "فكرة سخيفة طرحت في قمة بيروت في 27 آذار/ مارس 2002، حينما كان ياسر عرفات محاصراً، تمّ ابتزاز الفلسطينيين حيث اقترح الأمير عبد الله السعودي قبل أن يكون ملكاً مبادرة، وقال إن 57 دولة عربية وإسلامية جاهزة للتطبيع مع شارون إذا انسحب من الأراضي الفلسطينية".
وأضاف اللحام أنه "في المقابل كان لشارون 14 نقطة تحفظ على المبادرة العربية حتى أنه لم يكلف نفسه أن يقرأها أو يستمع إليها".
وتابع "بدلاً من أن يسحب العرب المبادرة ظلوا فيها حتى استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والحركة الصهيونية من فكرة التطبيع فيها".
وأشار إلى أن هناك 40 قمة عربية كان فيها نص بشأن فلسطين، معرباً عن اعتقاده بأن "ليس جامعة الدول العربية هي من تحمي فلسطين بل فلسطين نفسها هي من تحمي الجامعة، ولو رفعت فلسطين يدها عن الجامعة ستصبح مؤسسة تافهة لا قيمة لها".
ناصيف للميادين: تدجين جامعة الدول العربية بدأ في العام 2001 مع أزمات المنطقة
-
ناصيف للميادين: تدجين جامعة الدول العربية بدأ في العام 2001 مع أزمات المنطقة
بدورها، مديرة مكتب الميادين في سوريا ديمة ناصيف وفي حديث للميادين أعربت عن عدم استهجانها من صمت جامعة الدول العربية حيال ما قامت به الإمارات، مشيرة إلى أن تدجين الجامعة بدأ كما هو واضح منذ العام 2011، منذ أن بدأت الأزمات والتحركات في الوطن العربي.
وأضافت ناصيف أن الجامعة العربية باتت مستسلمة في قرارها لبعض الدول الخليجية، وبالنسبة لسوريا وخلال أشهر قليلة سارعت جامعة الدول العربية إلى تعليق عضوية سوريا، وفرضت عقوبات سياسية واقتصادية عليها، لفرض شروط ما سمي حينها "بالمبادرة العربية"، لإعادة عضوية سوريا إلى الجامعة.
وتابعت "لم تتحرك الجامعة طيلة الحرب على سوريا في كل مفاصل من الحرب، واتهمت الحكومة السورية بالقيام بكل الأمور داخل البلاد، وكأن ليس هناك تدخل من دول عربية أو دعم لبعض المجموعات المسلحة فيها، وحتى الاعتداءات الإسرائيلية على مقرات عسكرية للجيش السوري، وحتى على أهداف مدنية لم تدن الجامعة العربية أياً من هذه الاعتداءات، وحتى العدوان الأميركي والعدوان الثلاثي الأميركي والبريطاني والفرنسي، باستثناء إدانة واحدة وذلك لأسباب سياسية وليس لأسباب تخص ميثاق الجامعة، وهي العمليات التركية في الشمال السوري، وذلك بسبب معاداتها لمواقف تركيا كما هو معروف".
فرج للميادين: الإمارات خرقت ميثاق جامعة الدول العربية
-
فرج للميادين: الإمارات خرقت ميثاق جامعة الدول العربية
من جانبه، قال الكاتب والباحث الأردني محمد فرج للميادين إن الإمارات خرقت كل ما جاء في ميثاق جامعة الدول العربية، سواء من بنود أساسية، أو كملاحق ومخرجات القمم. وفي المادة 2 في الميثاق الأصلي والتي تتحدث عن تنسيق الخطط السياسية بين الدول العربية بما يضمن السيادة والاستقلال، ومصالح الدول العربية. وهناك أيضاً عدد كبير من الملاحق التي تتعلق بالقضية الفلسطينية خرقتها الإمارات جميعاً، وفق تعبيره.
وأضاف فرج أنه وفيما يتعلق بمخرجات القمم فلا يجوز لأي دولة عربية بأن تبرم اتفاقاً مع الكيان الصهيوني طالما أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لم تحل، والانسحاب من الأراضي الـ67 لم ينجز، مشيراً إلى أن الإمارات أقدمت في هذا الاتفاق على خرق وبشكل كبير كل هذه البنود سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى الملاحق، ومخرجات القمم ومن ضمنها المبادرة العربية.
وتناول فرج اتفاق كامب ديفيد الذي وقعته مصر، وقال إنه عندما ذهبت مصر إلى اتفاق كامب ديفي وفي قمة بغداد تمّ تجمييد عضوية مصر آنذاك، وتمّ تغيير الأمين العام للجامعة، ومقر جامعة الدول العربية. كما ظهرت حتى حملات تطالب بمقاطعة البضائع المصرية.
الكاتب الأردني تساءل لماذا لم يتم إعادة السيناريو المصري مع الحالة الإماراتية حالياً، واعتبر أن السبب واضح لأن "الحركة القومية اليسارية التحررية الواسعة في ذلك الوقت كانت ممتدة، أما اليوم فإن جامعة الدول العربية كما هو حال دول عربية عديدة تتعرض لموجة خليجية تطبيعية".