الجولاني يبعث رسائل طمأنة للغرب.. تمنيات بإزالته عن لوائح الإرهاب؟
يسعى "أبو محمد الجولاني" إلى بعث رسائل تطمئن الغرب عن تحول كبير في خطاب "هيئة تحرير الشام" وأولوياتها، آملاً رفعها من قائمة الإرهاب، فهل يصل إلى ما يريد؟
-
لم يكن ممكناً للجولاني أن يبقى على قيد الحياة أو أن يتوسع تنظيمه ويتفرد بقرار إدلب لولا الدعم التركي الهائل الذي قدم له
حدثان يحاول قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني العبور من خلالهما إلى مشهد إعلامي أو ربما دولي؛ الأول كان في ظهور أبو عبد الله الشامي، الشرعي العام "لهيئة تحرير الشام"، في صحيفة "لو تان" السويسرية، ودعوته إلى تطبيع العلاقات مع الغرب، وقال إن الهيئة "تسعى لتنظيف صورتها". والحدث الثاني كان في بيان تعزية لحكومة "الإنقاذ" التابعة لـ"الهيئة" إلى الشعب اللبناني بانفجار مرفأ بيروت.
الحدثان لم يعبرا إلى حيث أراد الجولاني، والتحولات في خطاب "الهيئة" لم يرصدها الإعلام كما تمنى. ويبدو أن الاتفاق الذي عقدته واشنطن مع حركة "طالبان"، والذي أنهى الحرب بينهما، غازل الجولاني الطامح للاعتراف الغربي به، والادعاء بأن خروج الهيئة من القائمة السوداء يؤدي الى تعافي المنطقة.
كان هناك حدث مهم في توقيع واشنطن مع "طالبان" اتفاق انهاء حرب، وهذه المرة الأولى التي يحاول فيها الجولاني أن يقدم نفسه على أنه قادر على ضبط الأوضاع في إدلب، وأنه طرف ضامن لاتفاق وقف التصعيد الذي أبرم بين موسكو وأنقرة.
واستطاع أن يسيطر على المجموعات القاعدية التي كانت ترفض هذا الاتفاق، وتم تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة بعد 6 أشهر من المماطلة.
وربما زاد في ثقة الجولاني لتقديم عروضه الأخيرة كلام المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، قبل أشهر، بأن الهيئة "بقيت تقاتل الجيش السوري، وأنه لم يَشهَد لهم تهديداً على المستوى الدولي".
يريد الجولاني التقاط هذا التصريح لكي يستطيع أن يقدم الولاء لواشنطن، مع الإشارة إلى أن الأخيرة هي أكثر طرف يحترف استثمار المجموعات الإرهابية بهذا الشكل، وخصوصاً في منطقة حيوية، ولم يتبق غيرها كبؤرة متوترة في سوريا.
المجموعات القاعدية الموجودة داخل إدلب ترى في الجولاني واشياً لكل قيادات ما يسمى "بتنظيم خراسان" الذين تم استهدافهم بصواريخ أميركية.
من ناحية أخرى، فإن المجموعات التي تتواجد تحت مظلة "هيئة تحرير الشام" هي مجموعات سورية، وبالتالي يمكن التعامل معها، وليس مجموعات ذات مرجعية قاعدية كبقية الفصائل. لذلك، يحاول الجولاني أن يقول أولاً إنه يستطيع أن يقدم هذه الورقة، أي تسليم المجموعات المتشددة التي تتواجد في إدلب، وأيضاً إنه يمكن الحديث معه، لأنه لا يملك الفقه والإيديولوجيا نفسها التي تملكها الفصائل القاعدية.
ويبدو الجولاني كمن يقدم نفسه في بازار وصايات إقليمية ودولية، ففي إدلب يلعب مع المخابرات التركية حضانة عمليات المنظمات الدولية في إدخال المساعدات، واعتقال قيادات تنظيمات قاعدية انشقت عنه سابقاً، بذريعة أنهم مطلوبون دولياً، ليسرع في عملية التطهير الداخلي والقضاء على الخصوم وكل معارضيه.
احتكار المواد الغذائية وسياسة التجويع أخرجا العشرات من الاحتجاجات، واتسعت التظاهرات بما تيسر من محتجين ،وزادت الهوة مع الجولاني وجنوده، أما الإفقار ونهب المساعدات، فتكفلا بدفع البعض إلى بيع الأعضاء البشرية والمخدرات والخطف للارتزاق.
لم يكن ممكناً للجولاني أن يبقى على قيد الحياة أو أن يتوسع تنظيمه ويتفرد بقرار إدلب، لولا الدعم التركي الهائل الذي قدم له.
بداية، إنه ورقة لم ترض أنقرة طيلة هذه السنوات التضحية بها، حتى خلال تفاهماتها مع موسكو، حيث رفضت أن يتم نقاش ملف "جبهة النصرة"، وحيّدت الأخيرة حتى عن التصنيف، وإن كانت أنقرة تدرج "النصرة" كتنظيم إرهابي، ولكن بما كان يحدث على الأرض لوجستياً وعسكرياً، كانت دائماً تركيا تحيد ضرباتها عن "النصرة"، أو تمايز بين النصرة والمجموعات القاعدية الأخرى.
يذكر أن أول دورية تركية دخلت إدلب بموجب "اتفاق سوتشي" كانت تحت حماية الأمن التابع للجولاني وسيارات "النصرة".
وبالتالي، الدور التركي مهم جداً، وليس جديداً. أنقرة هي أكبر داعم للجولاني، وأكبر الموردين عبر حدودها للسلاح له، وحتى ملايين الدولارات التي تدفقت لتمويل النصرة كانت عبر الأراضي التركية، وهذا كله تحت رصد وأنظار أجهزة الأمن التركي على الحدود.