إيران الداعم الأساس لـ"حلف القدس" منذ التأسيس حتى اليوم
إيران الداعم الأساس لـ"حلف القدس" منذ الثورة الإيرانية عام 1979 حتى معركة "سيف القدس" عام 2021. انتصر هذا الحلف المقاوِم في عدّة حروب ضد "إسرائيل"، وكسر سياسة القطب الواحد التي تتبّعها أميركا عبر التحكّم في الدول.
أربعةُ عقودٍ مرّت على انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، بقيادة الإمام الخميني، هذا الانتصار كَسَرَ عصر احتكار السلطة من جانب الحكّام المدعومين أميركياً (الشاه محمد رضا بهلوي). بعد أشهرٍ من الانتصار، وتحديداً في 7 آب/أغسطس 1979، تم افتتاح سِفارةٍ فلسطينية في طهران، وكانت أول سفارةٍ لدولة فلسطين في العالم، تأسّست على أنقاض السفارة الإسرائيلية. من هنا، كانت انطلاقة حضور المقاومة في إيران، على صعيد الدعم، في كل أشكاله.
آمن قادة الثورة بضرورة دعم حركات المقاومة، بعيداً عن الانتماءات الدينية، أو الاختلافات الضيّقة، أو التوزُّع الجغرافي، فدعم الثورة الإيرانية تأسيسَ حزب الله في لبنان، ودافعت عن القضية الفلسطينية، وساندت حركات المقاومة فيها، وأقامت علاقة استراتيجية بسوريا، التي كانت الحاضرةَ الأبرز عربياً في دعم المقاومة وتبنّيها. وأكملت الثورة الإيرانية وقوفها إلى جانب حركات المقاومة، فساندت العراق خلال السنوات الماضية من أجل إنهاء تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى حضورها في دعم اليمن في وجه العدوان السعودي عليه. كما دعمت حركات المقاومة في البوسنة الهرسك والشيشان وأفغانستان وفنزويلا وغيرها.
كيف دعمت إيران تأسيس حركات المقاومة؟
"حرس الثورة" يؤسّس المدماك الأول لمحور المقاومة
عام 1980، أسّس ثلّةٌ من ضبّاط حرس الثورة الإيرانية المدماك الأول لما يُعرف اليوم بمحور المقاومة. أشرف هؤلاء الضبّاط على تدريب الدفعات الأُولى من شُبّان حزب الله في منطقة البقاع، شرقيّ لبنان.
أسّس حزب الله أيدولوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، واكتسب شرعيته، محلياً وإقليمياً، عن طريق المقاومة العسكرية لـ"إسرائيل"، ولاسيما بعد اجتياح بيروت عام 1982، وكلَّل الحزب عمله، سياسياً وعسكرياً، بإجبار "إسرائيل" على الانسحاب من الجنوب اللبناني، في أيار/مايو من عام 2000، مروراً بانتصاره عام 2006 في حرب تموز/يوليو. وتمّ ذلك كله بدعم إيراني، وحضور أبرز القادة الإيرانيين العسكريين على الأرض، من أجل المساعدة والتخطيط.
القضية الفلسطينية بَوصلة إيران
بعد افتتاح سِفارة فلسطين في طهران، التقى فيها الرئيسُ الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والإمام الخميني، الذي عمل منذ البدايات على جعل القضية الفلسطينية بمثابة الهدف والأساس بالنسبة إلى إيران، بحيث أطلق عام 1979 يوم "القدس العالمي"، الذي وصفه بأنه "يوم مواجهة المستضعَفين للمستكبِرين، ويومُ مواجهة الشعوب التي عانت ظلمَ أميركا وغيرها".
لم يقتصر الدعم الإيراني على حركات المقاومة الشبيهة لها في أيديولوجيتها فقط، فإيران تمدّ حركات المقاومة الفلسطينية، منذ التأسيس إلى اليوم، بالسلاح والمال والدعم السياسي (مثل "حماس"، "الجهاد"، "فتح" وغيرها)، من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
هذا الدعم أشاد به رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، بعد انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس" الأخيرة، فقال "المقاومة في قطاع غزّة تشكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تبخل عليها بالمال والسلاح". ومثل هذه التصريحات دائماً ما يتكرّر على ألسنة قادة المقاومة الفلسطينية.
الخميني والأسد: نظرة استراتيجية واحدة
جمعت النظرة الاستراتيجية الإمامَ الخميني والرئيسَ السوري الراحل حافظ الأسد. وميّزت هذه النظرة الاستراتيجية العلاقات الإيرانية - السورية منذ عام 1980، وساهمت في أن تكون سوريا نقطة الوصل بين إيران ولبنان وفلسطين.
وعندما سُئل الرئيس الراحل حافظ الأسد، في مقابلة صحافية، عن السبب الذي جعله يتحالف مع إيران ضد صدام حسين في الحرب الإيرانية - العراقية، قال "نحن نقف معهم (إيران) اليوم كأشقاء، وندعمهم بكل إمكاناتنا. وسيأتي يوم سيكونون هم الوحيدين الذين يقفون معنا، ويتخلى عنا الأشقاء الحقيقيون".
عام 2011، ونتيجةً لمواقف سوريا المبدئية، والملتزمة المقاومةَ فكراً، والقوميةَ العربية مبدأً، والمؤيِّدة لفلسطين وكل حركات التحرّر، تعرّضت دمشق لأبشع مؤامرة أميركية غربية، بتمويل من بعض الدول العربية، بهدف النيل منها لدفعها إلى التخلّي عن فلسطين وحركات المقاومة.
منذ الأشهر الأولى للحرب على سوريا، أيقنت إيران أن دمشق تتعرّض لمؤامرة تهدف إلى النيل من مواقفها وموقعها، فانخرطت في دعم سياسي للحكومة السورية بادئ الأمر. لكن الأمور سرعان ما أخذت تنحو نحو طابع العسكرة، وبدأت الدول الغربية وبعض الدول العربية ترسل السلاح والمال إلى مجموعات مسلّحة في سوريا، فقامت حينها طهران بإرسال مستشارين للمساعدة على نقل الخبرات العسكرية والميدانية، ثم ساهمت في كسر الحصار الاقتصادي عن دمشق، عدا عن الدعم في المحافل الدولية دبلوماسياً وسياسياً. وتم ذلك كله ضمن الاتفاقيات الموقَّعة بين البلدين.
وفي أكثر من خطاب، شكر الرئيس السوري بشار الأسد إيران وحزب الله على اصطفافهما إلى جانب الجيش السوري.
العراق وتحويل التهديدات إلى فُرَص
عام 2003، مع دخول الاحتلال الأميركي العراق، وسقوط نظام صدام حسين، حوّلت التهديدات الأميركية ووجود الجيش الأميركي عند الحدود العراقية الإيرانية إلى فرصة، فدعمت القوى والأحزاب العراقية من أجل كسر الوجود الأميركي، وساندت حركات المقاومة. ونفّذت هذه الفصائل ضربات قوية ومركَّزة ضد الوجود الأميركي. وكان لإيران الفضل في إفشال حسابات أميركا في العراق.
لكن الوجود الأميركي في العراق هيَّأ المناخ لنمو الحركات الإرهابية، وأبرزها تنظيم "داعش"، الذي قتل العراقيين ودمّر البنى التحتية. وعندما حسم العراقيون خيارهم، وقرروا مواجهة هذا التنظيم، كانت إيران الداعم لهم على الأرض، من خلال حضور مستشاريها الذين دربوا مقاتلي الحشد الشعبي، وقدّموا إليهم السلاح اللازم للمعركة في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي.
محور المقاومة يُنهي "داعش"
عام 2013، ظهر تنظيم "داعش" وتوسّع بسرعةٍ. وفي غضون 6 أشهر على وجوده، سيطر على مساحات شاسعة داخل كل من العراق وسوريا. ويعود الفضل في إنهاء وجود هذا التنظيم الأشد دموية إلى مقاتلي محور المقاومة في العراق وسوريا ولبنان وإيران، بقيادة الفريق الشهيد قاسم سليماني، الذي قال عام 2016 إن تنظيم "داعش" لم يتأسس للحرب في سوريا، بل لمواجهة إيران وكل محور المقاومة.
وكان الشهيد سليماني حاضراً طوال فترة المواجهة في الخطوط الأمامية، يُوجّه المعارك مع التنظيم، ويحفّز المقاتلين، ويدفعهم إلى الاستبسال في المواجهة، وما زالت مناطق كثيرة في العراق وسوريا حتى اليوم تذكر هذا القائد، وتطلق اسمه على أماكن كثيرة، كان له الفضل الأكبر في تحريرها من قيد الإرهاب.
إيران تسعى لرفع الحصار عن اليمن
تسعى إيران لتخفيف وطأة الحرب المفروضة من جانب التحالف السعودي ضد اليمن منذ عام 2015. دعمت طهران، في سبيل ذلك، المقاومة اليمنية، وعملت على رفع الحصار عن اليمن براً وجواً وبحراً. كما تسعى لدعم مبادرات السلام المحقّة، والتي تُنهي العدوان والاحتلال وترفع الحصار عن اليمنيين.
وفي وقتٍ سابق من شهر نيسان/أبريل 2021، توجَّه زعيم حركة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، خلال كلمة له بمناسبة "اليوم الوطني للصمود"، بالشكر إلى إيران وحزب الله وسلطنة عُمان، بسبب نُصرة الشعب اليمني في مظلوميته.
"حِلف القدس" اليوم أقوى من أي زمنٍ مضى. فهو يضمّ كلاً من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى فلسطين واليمن وكثير من الشعوب في دول عربية متعددة، على رأسها تونس والجزائر... بالإضافة إلى حضوره في كثير من الدول في أميركا اللاتينية وغيرها. هذا الحلف يعمل وفق أسسٍ واضحة من أجل هزيمة "المشروع الأميركي – الإسرائيلي". ولا شك في أن الحضور الإيراني في قلب هذا الحلف يمثّل قوة كبيرة، ودعماً معنوياً وفعلياً.