مفتاح الثورة في تونس؟
أسئلة كثيرة ما زالت تطرح عن أسباب انطلاق الثورة التونسية، ثورة أسقطت حاكماً أمسك بالسلطة لأكثر من 20 عاماً وغيّرت وجه البلاد. كانت الشرارة لإطلاق ما يسمى بالربيع العربي، ومنها بدأت موجة التغيير التي اجتاحت المنطقة العربية.
-
-
الكاتب: بتول دياب
-
المصدر: الميادين نت
- 22 كانون الأول 2016
الرئيس السابق زين العابدين بن علي وضع قوانين وضوابط لاستخدام الشبكة العنكبوتية
تسارعت الأحداث التي امتدت من حادثة إضرام الشاب محمد البوعزيزي النار بنفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه، حتى يوم رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن طريق ليبيا إلى السعودية. والبعض ينسب إلى مواقع التواصل الإجتماعي والمدونات دوراً هاماً في تسريع المجريات. فهل تعتبر المدونات ومواقع التواصل الإجتماعي كتويتر وفيسبوك سبباً للثورة التونسية والاحتجاجات؟ أم أنه جرى تضخيم لدور هذه الوسائل في تحريك الثورة؟
خلال فترة تولي الرئيس زين العابدين بن علي السلطة في تونس منذ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1987 إلى 14 كانون الثاني/ يناير عام 2011، شهدت البلاد قيوداً كبيرة على حرية التعبير عن الرأي عموماً خشيةً من انتشار انتقادات موجهة للسلطة. لذلك، عمدت السلطات التونسية إلى وضع قوانين وضوابط لاستخدام الشبكة العنكبوتية، تحسباً لأي حالة تحريض قد تحصل ضد السلطة عبرها. هكذا أصبحت تونس معروفة على النطاق العالمي بوصفها إحدى أكثر الدول ممارسةً للحجب والمصادرة في الانترنت بصفة متواترة ومنهجيّة، وذلك منذ انعقاد القمّة العالميّة لمجتمع المعلومات في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005.
كما جنّدت وزارة الاتصالات التونسية جيشاً لملاحقة مستعملي الانترنت ومراقبة نشاطاتهم واعتقال المدونين. وكان استخدام الانترنت عام 2006 قد وصل إلى نسبة 9% من الشعب التونسي، وتزايد إلى 33% عام 2010.
وشكّلت وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات منصّة رئيسية لجأ إليها الشباب التونسي للتعبير عن مشاعر السخط لديه تجاه السلطة، خاصة بعد أن وصلت نسبة البطالة حينها إلى 33% وانتشر الفقر في مساحات واسعة من البلاد، بالإضافة إلى انتهاك النظام التونسي لحقوق الإنسان في مختلف الميادين الحقوقية وشحّ الحريات السياسية.
لينا بن مهني ناشطة إجتماعية ومدونة في تونس
رغم ذلك، لم تكن وسائل التواصل الإجتماعي
الشعلة والمحرض الأساسي لنهوض الثورة. تتساءل لينا بن مهني الناشطة الإجتماعية في
تونس في حديث
للميادين نت، "كيف يمكن للمحرومين من الماء الصالح للشرب
والكهرباء أن ينتفضوا عبر مواقع التواصل الإجتماعي؟" وتضيف بن مهني
"الانترنت لم يكن متاحاً للجميع لا قبل الثورة ولا بعدها ولا حتّى
الآن".
وترفض بن مهني تسمية الثورة بـ "ثورة
تويتر"، قائلة " أنا أرى أن تسمية ثورة الكرامة بثورة تويتر فيه الكثير
من المبالغة، فالمواجهات بدأت على الأرض وقد سقط شهداء والكثير من الجرحى".
تتابع "لا ننكر الدور الكبير لمواقع التوصل الإجتماعي في كسر الصمت السائد
وتخطّي الحواجز الإعلامية التي وضعها النظام التونسي، ودورها في دعوات تحشيد الناس
من أجل الخروج إلى الشارع في وقت كانت فيه وسائل الإعلام خاضعة للنّظام".
ولم تكتفي بن مهني بالتعبير عن آرائها ضد النظام على وسائل
التواصل الإجتماعي، بل أيضاً شاركت ميدانياً كمواطنة حلمت بالتغيير. وترى الشابة
التونسية أن العمل الميداني والعمل على وسائل التواصل الاجتماعي هما عاملان
متكاملان ويجب توافرهما معاً لحقيق الهدف، فالكلام من وراء شاشة حاسوب أو هاتف ذكي
وحده لا يكفي ولا يعطي نتيجة.
القوات التابعة لنظام الرئيس السابق بن علي تستخدم الرصاص المتفجر
أمّا وليد الكسراوي فكان له موعد مع
الرصاص المنفجر الذي استعملته قوّات الأمن التابعة للرئيس السابق بن علي، مما أدى
إلى بتر رجله. يقول الكسراوي
للميادين نت إن "الدافع الأساسي الذي دفعه للمشاركة في التظاهرات
هو قرار بن علي بمنع التجوّل ليلاً وتضيق حرية الأفراد، فضلاً عن الأوضاع
الإجتماعية والأمنية والساسية التي تعيشها تونس. ويضيف "قررت المشاركة في
التظاهرات لعلّه يتم تغيير النظام، وكان الدافع لدي هو القهر الذي نعيشه، ولم تكن
لوسائل التواصل أي تأثير لديّ لأنني لم أكن أتابعها وهناك مثلي الكثير".
الكسراوي قدّم سابقاً كل الأدلة والبراهين ضد من أطلق الرصاص عليه، لكن حتى
الآن لم يتم محاسبة الفاعل. وقرر الآن اللجوء إلى هيئة الحقيقة والكرامة التي
تنظم جلسات مكاشفة للاستماع إلى شهادات ضحايا الأنظمة السابقة في البلاد آملاً
بقضاءٍ عادل وغير منحاز. مهام هذه الهيئة يندرج ضمن مسار
العدالة الإنتقالية الذي يأتي في إطار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة التونسية، وتتولى كشف الحقيقة عن مختلف
الإنتهاكات ومسائلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر الضرر ورد الإعتبار للضحايا
لتحقيق المصالحة الوطنية.
"السلطة التونسية تحسب ألف حساب للرأي الفايسبوكي اليوم"
المتخصص في وسائل التواصل الإجتماعي ومنسق الإتصال في قناة الحوار التونسي شكيب درويش أكد على أن "هناك دوراً هاماً لعبته مواقع التواصل الإجتماعي في فكّ الحصار عن حرية التعبير، كما ساهمت في إنجاح الثورة عبر إيصال الحقيقة لكل الشعب التونسي، فإن نشطاء الفيسبوك والمدوّنات وتويتر واكبوا الثورة عبر شاشاتهم لنقل كل ما يحصل بمصداقية. لكن ذلك لا يقلّل من أهمية أحداث المواجهات والتضارب التي كانت تحصل على الأرض".
يعتبر درويش أنّ الدور الذي لعبته هذه الوسائل أفضى إلى أن "تحسب السلطة ألف حساب" للرأي الفيسبوكي. ويتابع "صار للعالم الإفتراضي مكان في جداول أعمال الحكومة، بحيث أنها تأخذ بعين الإعتبار الرأي العام المنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي في أي موضوع سواء كان أمنياً أو اجتماعياً أو سياسياً".
ربيع الدستور التونسي أزهر بعد ثلاث سنوات من نجاح "ثورة الحرية والكرامة"، وكان لحرية التعبير وحرية الإعلام حيزاً هاماً من المواد بفعل دوره في تحريك المجريات في تونس. ورمى الفصل 31 من الدستور إلى ضمان حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر، كما ضمن عدم ممارسة الرقابة المسبقة على هذه الحريات.
حملة الكترونية
واسعة وقرصنة مواقع الكترونية حكومية أتت بعد قيام السلطات التونسية باعتقال عدد
من المدونين والناشطين على الشبكة العنكبوتية. تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ومن
خلفها الناشطون يشير إلى الدور الهام الذي أدّى في النهاية إلى انتشار أخبار الثورة
والتفاعل معها بالصوت والصورة، وما كان هذا ليحصل من خلال وسائل الإعلام
التقليدية، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً منها يقع تحت سيطرة الدولة.