«الجمهورية» تكشف التحقيقات مع مخطِّطِي تفجيرات القاع: «سنفجِّر الصليبيِّين»
مرّت سنة، وكأنّها البارحة. كان فجرُ القاع ساكناً، هادئاً في ذلك التاريخ... وعائلاتُ كلٍّ من جوزيف ليّوس، بولس الأحمر، جورج فارس، ماجد وهبي وفيصل عاد مكتملة، الى حين دقّت ساعةُ الصفر... دقّها الإنتحاريون. مرّت سنة، وكأنها البارحة وما زال عدمُ الكشف عن التحقيقات يطرح تساؤلاتٍ عند القاعيّين خصوصاً واللبنانيين عموماً.أما اليوم، فقد حان الوقتُ لرفع الستارة عمّا حدث ذاك الفجر وعن الحقائق التي أدلى بها المخطِّطون للتفجيرات الإنتحارية بعدما اكتملت الصورةُ وبات نشر المعلومات لا يفشّل أهدافَ الأجهزة الأمنية، لذلك تكشف «الجمهورية» محضرَ التحقيقات، وتوضح الصورة التي كثرت الفرضيّاتُ حولها.
في هذا الوقت كان الجيشُ قد وضع خطة وبدأ تنفيذَها، عزَل من خلالها القاع عن محيطها وبدأ تحقيقاته مع مجموعة من الأشخاص الذين كانت هناك شكوكٌ حولهم، واستطاع من خلال توقيفه بعض المرتبطين بشكلٍ غير مباشر في التفجيرات، تحديدَ أنّ هؤلاء الأشخاص هم من الجنسية السورية، وهو ما تقاطع مع المعلومة التي كانت مسرَّبة الى المديرية من الجرد عن مجموعة تابعة لـ«فصيل بكر» من مجموعة «داعش» الموجودة في الجرود ومركزها في جرد القاع، مع أسماء بعض الأشخاص المنتمين إليها والذين غادروا لتنفيذ عمليّةٍ في منطقةٍ ما في لبنان.
صورة المسؤول...
بعد ذلك تابع المعنيون التحرّيات والاستقصاءات حتى استدرجوا عزّو وكمنوا له ليقبضوا عليه، وفي التحقيق إعترف بمعلوماتٍ أضاءت على أسئلة لم تكن لدى الأجهزة الأمنية إجاباتٌ عليها: مَن كان المستهدَف وماذا؟ مَن المقصود وأين؟ وغيرها من الأسئلة.
الإعترافات
وذكر عزّو شخصاً آخر له علاقة بالملف أيضاً، وهو ما تقاطعت عليه المعلومتان كذلك بعد نحو شهر من التفجيرات، وهو أحمد يوسف أمون المسؤول اللوجستي عن هذه العملية، وأنه بعد الاتفاق على تنفيذ التفجيرات، اجتمعا في منزل على طرف القاع تقريباً، تناقشا خلاله بتنفيذ مجموعة عمليات إنتحارية، ولم تكن لدى أمون مشكلة بأن تستهدف التفجيرات مسيحيّين، فيما فضّل عزّو أن تحصل في منطقة معيّنة ليعلن الإمارة منها.
إتفق الإثنان على الذهاب الى الجرد وشرحا لأمير «داعش» هناك الإتفاق بينهما، لكنّ الأخير رفض تنفيذَ عمليات إنتحارية في ذلك الوقت لأسباب مجهولة، حتى إنه بعد يومين اتصل بهما مبشِّراً إياهما بأنه تواصل مع الرقة وكان رأيهما مطابقاً لرأيه.
هذا التضارب في المواقف أدّى الى حصول اشتباك في الجرد بين «فصيل بكر» ومجموعة تابعة لـ«داعش» وهو ما أحدث انشقاقاً هرب على أثره الإنتحاريون الثمانية الذين نفّذوا العمليات في القاع، وطلبوا من أمون تأمينَ الأحزمة الناسفة وانتقلوا بعدها إفرادياً الى القاع، حيث قاموا باستطلاعاتهم من تلةٍ تُشرف على البلدة بناءً على معلومات أعطاهم إياها عزّو الذي أوقِف قبل أمون، وحدّد لهم فيها الشوارع والكنيسة وغيرَها من الأماكن كعلاماتٍ يهتدون بها. ولذلك لم يتبنَّ «داعش» العملية بعد حصولها، إذ إنّ المجموعة التي نفّذتها كانت منشقّةً عنه وأجرتها بمبادرة فردية.
توقيف أمون
في التفاصيل...
أما إنتحاريّو الليل ونتيجة التضييق الذي حدث بعد تفجيرات الصباح، فقد أعادوا الطريقة نفسَها من خلال تفجير أنفسِهم الواحد تلوَ الآخر من دون وجود هدف محدّد لديهم.
إذاً، إنها التفجيرات الكبرى التي أعادت البلدة الى ليلة السابع والعشرين من حزيران عام 1978 عندما حصلت المجازر التي قُتل فيها 15 شاباً من أهالي البلدة إضافة الى شباب آخرين من بلدات مسيحية أخرى... إنه التاريخ الذي يعيد نفسَه في بلداتٍ كُتب لها أن تضحّي بأزهار شبابها... أما السكوتُ عن التحقيقات، فكان لتورّط آخرين في التفجيرات وارتباطهم بعمليات أخرى، وكان كشف التحقيق ليُفشّل عملياتٍ أخرى كانت ستحصل... فها هي القاع جنّبت بلداتٍ أخرى كأساً مرّة كانت ستشربه، وها هم شهداؤها مرتاحو الضمير في عليائهم لتأديتهم الدورَ المناسب على أكمل وجه.