مصادر تقول إن العرض السعودي ليس الأول لاستمالة وحدات الحماية الكردية
لم تمنع «الهدنة»
الروسية المقاتلين الأكراد من التقدم لبسط سيطرتهم على نحو 80 في المئة من مدينة الحسكة.
وفيما غاب سلاح الجو السوري عن سماء المدينة التي تتحول رمزا للصراع الاقليمي والدولي،
اتجهت الانظار الى الجانب الآخر من الحدود، نحو جرابلس التي يتمركز فيها تنظيم «داعش»،
حيث أعلن الاتراك صراحة دعمهم لأي عملية عسكرية تستهدف إخراج التنظيم من المدينة، في
تأكيد للتقارير التي أشارت الى استعداد فصائل مسلحة تدعمها أنقرة، بينها «الجبهة الشامية»
و«فيلق الشام»، للتقدم نحو المدينة السورية للسيطرة عليها بغطاء مدفعي بدأه جيش الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان.
لكن دوي المدافع
عبر الحدود التركية في جرابلس، ومنبج أيضا، أو في الحسكة بين المسلحين الاكراد وقوات
الجيش السوري، لم يبدد أهمية ما يجري على الصعيد السياسي والتفاوضي. نائب الرئيس الاميركي
جو بايدن في أنقرة غدا، وهو أرفع مسؤول أميركي يزورها منذ الانقلاب الفاشل في تموز
الماضي. وفد ممثلي اكراد الحسكة في قاعدة حميميم الروسية للتفاوض على ترتيبات الهدنة
المنتهكة في الحسكة. أما المعلومات التي حصلت عليها «السفير» فتشير الى فتح قناة تواصل
من جانب السعودية مع مسلحي الحسكة لتشجيعهم على إشعال المواجهة مع الجيش السوري وإنهاكه
في جبهة، ظلت الاكثر استقرارا بينه وبين الاكراد في اقصى الشمال الشرقي في سوريا. وفي
الوقت نفسه، يستعد الوزيران الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف للقاء خلال ايام
في جنيف، بعد الاجتماع الذي سيعقده الوزير الاميركي مع نظرائه الخليجيين يوم الاربعاء
في مدينة جدة السعودية.
وبينما كانت تجري
كل هذه التطورات، ويستعيد الجيش السوري تلة أم القرع جنوب غرب حلب التي تسمح له بشل
«الثغرة» التي فتحها مسلحو «جيش الفتح» مؤخرا في هذه الجبهة، كانت موسكو وطهران تعلنان
انتهاء المهمة الحالية للقاذفات الروسية الاستراتيجية عبر مطار همدان الايراني، والتي
يبدو انها انتهت فجأة، تماما مثلما بدأت، من دون مقدمات مسبقة.
وكتب مراسل «السفير»
علاء حلبي ان التقدم الكردي السريع الذي جرى خلال بضع ساعات في الحسكة، جاء بعد خرق
لاتفاق تهدئة وقع بإشراف روسي مساء الأحد، حيث لم تمض ثلاث ساعات على بدء التهدئة،
حتى اندلعت معارك انتهت بتقدم الأكراد وانسحاب قوات الجيش السوري و «الدفاع الوطني».
وسجل خلال الاشتباكات سقوط عدد من الضحايا، فيما لم تسجل أي طلعة جوية لسلاح الجو السوري.
وسجلت أيضاً مقاومةٌ كبيرة من قبل قوات الجيش السوري وعناصر الشرطة في المراكز الحكومية
التي رفضوا الانسحاب منها، بينها دائرة النفوس (السجلات المدنية)، وفق تأكيد مصادر
ميدانية.
وعلمت «السفير» من
مصادر ميدانية وأهلية في الحسكة، قبل أن تهدأ وتيرة الاشتباكات، ان التقدم الكردي في
المدينة سمح لهم بالسيطرة على نحو 80 في المئة من مساحتها.
وقال مصدر أمني في
المدينة لـ «السفير» إنّ وفداً كرديّاً غادر مطار القامشلي بعد ظهر أمس نحو قاعدة حميميم
الروسية في مدينة جبلة في اللاذقية، وذلك للتوصل إلى اتفاق نهائي ينهي اشتباكات الحسكة.
وفي ما يشير الى
ان بنود اتفاق التهدئة باتت شبه منجزة بانتظار التوقيع عليها، قال دارا مصطفى، المسؤول
الإعلامي في «حزب الاتحاد الديموقراطي»، لـ «السفير» إن المطلوب كردياً هو «حل الدفاع
الوطني وتسليم مناطق سيطرتها لإدارة الأسايش، ووقف التحريض على قوات الأسايش ووحدات
حماية الشعب ووقف التجنيد ووقف الاستفزازات المتكررة».
وكتب مراسل «السفير»
عبدالله سليمان علي ان معركة الأيام الستة في الحسكة لم تكشف عن هشاشة العلاقة بين
الحكومة السورية من جهة و«حزب الاتحاد الديموقراطي» من جهة ثانية، فحسب، بل كشفت أيضاً
عن وجود شهيّة إقليمية ودولية لاستثمار الحدث والعمل على توسيع الهوة بين الطرفين لتحقيق
غايات مختلفة.
ويرتبط الصراع في
الحسكة بجملة التطورات التي تشهدها منطقة الشهباء الاستراتيجية، هذا إذا لم يكن مجرد
انعكاس لهذه التطورات. وتمتد منطقة الشهباء على مسافة 102 كيلومتر من غرب نهر الفرات
حتى سلسلة جبال ليلون في عفرين، وبعمق 55 كيلومترا بحيث تشمل كلا من جرابلس ومنبج والباب
وتادف وإعزاز ومارع وتل رفعت، وتصل إلى بعض المناطق شمال مدينة السفيرة التي يسيطر
عليها الجيش السوري وتعتبر معقلاً اساسياً له ولقواته الحليفة.
وعلمت «السفير» من
مصادر مقربة من «وحدات حماية الشعب» ان السعودية قدمت خلال الأيام الماضية عرضاً بمساعدة
«الوحدات» ودعمها بالمال والسلاح مقابل أن تستمر في القتال ضد الجيش السوري في الحسكة.
وأكدت المصادر أن هذا العرض قُدّم عبر قنوات رسمية خلال اجتماع ضم ممثلين عن الطرفين.
وكشفت المصادر أن
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية التقرب من «وحدات الحماية» ومحاولة
استمالتها إلى طرفها، مشيرة إلى أن المملكة الخليجية، قدمت في السابق عروضاً عدة لمساعدة
«الوحدات» بشرط إنهاء حالة التهدئة مع الجيش والعمل على محاربته في جميع مناطق وجودها.
وفي هذا السياق،
أكدت لـ «السفير» مصادر إعلامية تعمل ضمن منظومة «وحدات الحماية» أن العلاقة بين واشنطن
و «وحدات الحماية» تنطوي على العديد من التجاذبات والتناقضات التي يحرص الطرفان على
عدم ظهورها للعيان. وأشارت إلى أن العلاقة بين الطرفين قائمة حتى الآن على مفهوم «تقاطع
المصالح» المستند الى الحرب ضد «داعش»، مشددة على أن الجانب الأميركي حاول توثيق هذه
العلاقة باتفاقات رسمية بين الطرفين، لكن الجانب الكردي كانت لديه تحفظات على العديد
من الشروط الأميركية، الأمر الذي أخّر توقيع أي اتفاق بينهما، كما أنه أدّى بحسب المصادر
إلى تقنين الدعم الأميركي المقدم للقوات الكردية ورفض تقديم مساعدات نوعية من دون ثمن
سياسي أو عسكري أو أمني بالمقابل.
وتبرز مدينة جرابلس
كنموذجٍ لمحاولة واشنطن ابتزاز الجانب الكردي ابتزازاً غير مباشر. فهي لا تزال تلتزم
الصمت تجاه الأنباء التي تتحدث عن سماح تركيا لحشود من فصائل «الجيش الحر» بعبور أراضيها
والتمركز بالقرب من معبر قرقميش بهدف اقتحام مدينة جرابلس في محاولةٍ واضحة لقطع الطريق
أمام مشروع الفدرالية الكردية.
ونقل مراسلنا عن
المصادر نفسها قولها إن واشنطن لم تمنح القوات الكردية الضوء الأخضر للتحرك باتجاه
جرابلس، وهو ما يعتبر تلاعباً أميركياً بحساسية الموقف ومحاولة استثماره سياسياً وعسكرياً،
خاصةً أن المصادر كشفت عن امتلاكها معلومات حول أن مواضيع جرابلس والباب وأيضاً تادف
ستكون على طاولة البحث في أنقرة مع جون بايدن، الذي يعتزم زيارة تركيا الأربعاء، ما
يعني أن واشنطن ما تزال حريصة على الحفاظ على التوازن بين الأكراد وتركيا وفق النهج
ذاته الذي اتبعته بخصوص منبج والذي لم يكن مرضياً للأكراد بالكامل.