يكاد يكون مسؤولاً عن مصاعب تونس كلها: أيّ بديل لنظام انتخابي كثير العيوب؟
مشكلة تونس في مشهدها السياسي، ومشكلة هذا المشهد في عدم استقراره، ومشكلة الاستقرار ناتجة مباشرة عن النظام الانتخابي المعتمد حاليا فما هو ذنب هذا النظام الانتخابي وما هي البدائل الممكنة لحل المشاكل السياسية كلها؟ «نظام التمثيل النسبي مع أكبر البقايا» هو ما تعتمده بلادنا في نظامها الانتخابي وميزة هذا النظام أنه يراعي مصالح الأحزاب الضعيفة والصغيرة.
وحسب تفسير أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي في دورية المفكرة القانونية الصادرة بتاريخ 4 ديسمبر 2017 فإن «فلسفة هذه الطريقة… أنها تمكّن كل قائمة انتخابية من عدد من المقاعد يساوي تقريبا عدد الأصوات التي تحصّلت عليها... فالقائمة التي تحصّلت على 5 بالمائة من الأصوات تتحصل على 5 بالمائة من المقاعد والقائمة التي تحصّلت على 40 بالمائة من الأصوات تأخذ 40 بالمائة من المقاعد».
وإذا كان عدد المقاعد الموزعة على الأحزاب بعد قسمة الأصوات أقل من عدد مقاعد البرلمان فإن تغطية الشغور تتم باللجوء إلى بقايا الأصوات فتستفيد الأحزاب الصغرى التي تعجز عن توفير الأصوات الكافية للمقعد الواحد وبهذا نحصل على برلمان متنوع يمكن أن يضم عشرة أحزاب أو أكثر ويمكن أن يضم أحزابا لا يملك الواحد منها أكثر من مقعد واحد.
صحية لكنها خطرة
هذه حالة ديمقراطية صحية في ظاهرها فهي تضمن التعددية الحزبية على المستوى البرلماني وتمنع تغول حزب أو تحالف. لكنها لا تخلو من مساوئ تبلغ حد الخطر. ذلك أنها تمنع أي حزب (كبير) من توفير الأغلبية المطلوبة لحكومته وتحتم اللجوء إلى التحالفات والائتلافات الحزبية فيدخل منطق الربح والخسارة وقد نشهد ائتلافا بين الأضداد كما حصل في التجربة التونسية بعد انتخابات 2014.
كلما توسعت دائرة الشراكة في الحكومة وتوسعت الخلافات بين أطرافها لأن الحزب لا يشارك في أي حكومة إلا وفق شروطه ونصيبه من المشاركة فتظهر تبعا لذلك مشكلة المحاصصة الحزبية وما يرتبط بها من استهانة بالكفاءة والأهلية والتجربة.
الأكثر من هذا أن النظام الانتخابي الذي يضمن حظوظا وافرة للأحزاب الصغرى يشجع على التخمة الحزبية وتشتت النخبة السياسية لأن كل سياسي سيسعى إلى تكوين حزب خاص به يفرض فيه خياراته الشخصية وحتى زعامته. «لا مفر من تغيير النظام الانتخابي الحالي» ، هذا ما يجمع عليه أغلب الخبراء والسياسيين وأساتذة القانون الدستوري فضلا عن أغلب الملاحظين. فما هو البديل؟.
«الأغلبية على الأفراد»
يميل الأغلبية إلى استبدال نظام «التمثيل النسبي» بنظام «الأغلبية على الأفراد» في دورتين وقد دافع عن هذه الفكرة «ائتلاف صمود» بمناسبة الندوة الوطنية التي عقدها قبل أيام تحت عنوان «النظام الانتخابي وأزمة الحكم في تونس».
كما يتبناه عدد من مشاهير القانون الدستوري والسياسة نذكر منهم الصادق بلعيد وأمين محفوظ وهيكل بن محفوظ وحسين الديماسي مثلما يظهر في البيان الذي أصدروه مؤخرا.
وغير بعيد عن هذا الحل تقترح الأستاذة سلسبيل القليبي الاقتراع على القائمات بالأغلبية في دورتين بطريقة تسمح «لكل القوى السياسية بأن تترشّح في الدورة الأولى لكنها تدفع بها... قبل انطلاق الدورة الثانية إلى التحالف على أسس عقلانية تقوم على تقارب سياسي لا على أساس ضرورات تمليها نتائج الانتخابات في دورتها الثانية» على حد تعبيرها.
أن يتم الاقتراع على القائمات أو على الأفراد، فالمهم أن يكون بالأغلبية وخلال دورتين. هذه تقريبا الحلول شبه المتفق عليها لتجاوز هنات النظام الانتخابي الحالي ولكن هل يسمح الوقت بالتغيير، وهل أن الإمكانات المالية واللوجستية تسمح بدورتين في كل الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟.