الشاهد في البرلمان... والطبوبي أمام النقابيين
في انتظار تحديد مصيره، يخوض رئيس الحكومة جولة جديدة للدفاع عن نفسه، علماً بأنّ الجميع يُدرك أنّ الشاهد، كما سلفه في رئاسة الوزراء، هو بين مطرقة رئاسة الجمهورية وسندان «التوافق السياسي» الهش.
حلّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد، برفقة عدد من وزرائه، أمام البرلمان أمس الجمعة، للمشاركة في جلسة استماع. وفيما تناول في حديثه المشاكل التي تواجهها حكومته مع "الاتحاد العام التونسيّ للشغل"، دون أن يتراجع عن معارضته لبعض مواقف المنظمة النقابية المركزية، أشار إلى أنّه مستعد لتحمّل المسؤولية في مقابل مواصلة "الإصلاحات» الاقتصادية".
إلا أنّ هذا المشهد، قابله الأمين العام لـ"الاتحاد"، نور الدين الطبوبي، بالتشبّث بمواقفه السابقة، وأهمّها ممانعة خصخصة المؤسسات العموميّة. مع العلم أنّ توترات العلاقات بين الطرفين تزداد تعمقاً، إذّ وصلت المفاوضات بين نقابة التعليم الثانويّ ووزارة التربيّة إلى طريق مسدود بعد وضع كلّ منهما شروطاً مسبقة للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وفيما يمتنع الأساتذة عن تسليم نتائج الامتحانات إلى الإدارة، تهدد الوزارة بتعليق رواتبهم، ما يفتح الباب أمام صراع أوسع مع أكبر نقابة ضمن "الاتحاد".
وقد يبدو هذا السياق تفصيلاً أمام رغبة نور الدين الطبوبي بإطاحة رئيس الحكومة نفسه، والتي عبّر عنها الأسبوع الماضي بشكل صريح عقب خروجه من اجتماع الموقعين على «اتفاق قرطاج»، وهي وثيقة تحدد أولويات الحكومة في مقابل تحصيل دعم الموقعين.
أمام البرلمان، دافع يوسف الشاهد، عن نفسه، معدّداً المؤشرات الاقتصاديّة الإيجابيّة" التي شملت السياحة والزراعة والصناعة. وتطرّق إلى الانتخابات البلديّة المرتقبة في أيار/ماي المقبل، فعبّر عن «الالتزام» في إنجاحها، مضيفاً أنّ دوافع الأطراف التي تريد تأجيلها تتمثّل في الخشية من نتائج «تمثّل ضربة قاسية لطموحاتها»، وذكر مرّة جديدة بانتمائه إلى حركة "نداء تونس".
تتضارب رؤى الطرفين في ملفّ المؤسسات العموميّة وخصخصتها
عند تناول الخلافات مع "اتحاد الشغل"، شدّد الشاهد على الدور المهمّ الذي يلعبه المدرسون، ولكنه استدرك قائلاً: "من غير المقبول مطلقاً ارتهان مستقبل أبنائنا ونجاح السنة الدراسيّة في إطار مفاوضات"، في إشارة إلى دعمه لوزير التربية. وقال إنّه يسعى لأن تكون علاقته مع "الاتحاد" ممتازة، وأنّه على الجميع القيام بواجبه الوطنيّ «في إطار صلاحياته»، مشدداً على تمسكه بإجراء "الإصلاحات مهما كان الثمن السياسيّ".
من جهته، تفاعل الأمين العام لـ"الاتحاد" مع خطاب الشاهد، وقال أثناء افتتاحه مؤتمراً نقابيّاً، في ما يبدو أنّها إجابة على نقطة التزام كلّ طرف بصلاحياته: "فرحات حشاد (مؤسس المنظمة) لم يتعرّض للاغتيال لدفاعه على زيادة (في المعاش)"، وهم يريدون "أن يبخلوا علينا (بلعب) دورنا".
ورغم إشارة الطبوبي إلى "عدم استهداف أحد عند نقد الأداء الحكوميّ"، قال إنّ اتحاده "لا ينقاد بل يقود». واعتبر عند حديثه عن ملف المؤسسات العموميّة أنّ الحكومة تمارس لغة مزدوجة إذ إنّها تتفاوض معهم من جهة، فيما تمارس «السمسرة" لبيعها من جهة أخرى، مشدداً على رفضهم النهائيّ لخصخصة أيّ منها.
ويقوم الاختلاف بين الطرفين في ملفّ المؤسسات العموميّة على تضارب رؤى، إذ تعتبر الحكومة، ومعها بعض مجموعات الضغط الاقتصاديّة، أنّ دور الدولة يجب أن يبقى محصوراً في المجالات الحيويّة فقط، مثل توفير الماء والكهرباء والنقل المدعّم، وأنّه يجب اليوم توفير أموال للميزانيّة عبر خصخصة بعض الشركات مثل «شركة التبغ والوقيد» التي تحتكر صناعة وترويج السجائر، أو شركات الإسمنت وصنع الصلب والعجلات المطاطيّة، ويضربون أمثلة ناجحة عن شركات جرت خصخصتها وتحقق اليوم أرباحاً قياسيّة.
وفيما لا يعارض "اتحاد الشغل» خصخصة "الشركات المصادرة" التي كانت ملكيتها تعود إلى عائلة بن علي وأصهاره (يناهز عددها 527 شركة)، فإنّه يعتبر من جهة ثانية أنّ الدولة قامت على «قطاع عموميّ قويّ، وُجد ليبقى»، وأنّ دعاة الخصخصة لا يهتمون إلا بالشركات الرابحة. ويقدم «الاتحاد» أمثلة مضادة عن شركات أفلست، ويدعو عوضاً عن اتباع «الحلول السهلة» إلى إصلاح الشركات العموميّة التي تعاني من ديون ومشاكل هيكليّة، ما سيمثّل «استثماراً يبقى للأجيال المقبلة».
لقاء "إيجابي" في قرطاج
تتالت التطورات أمس، وتوّجها لقاءانعقد في قصر قرطاج بين الرئيس الباجي قائد السبسي، ونور الدين الطبوبي (الصورة)، الذي قال إنّ اللقاء جاء في إطار "مزيد التشاور في ظل المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد".
وأوضح أنّه جرى "تبادل وجهات النظر في عدد القضايا من أجل إيجاد سبل للخروج من هذا الوضع وتحويل الخيبات التي تمر بها البلاد إلى مؤشرات إيجابية". أمّا بخصوص أزمة نقابة التعليم الثانوي ووزارة التربية، فقد دعا الطبوبي الحكومة إلى عدم انتهاج سياسية «ليّ الذراع والهرب إلى الأمام".
على صعيد آخر، أعلن البنك المركزي التونسي أمس، أنّ صندوق النقد الدولي وافق على دفع شريحة بقيمة 257 مليون دولار في إطار برنامج إقراض لتونس مدته أربع سنوات. والبرنامج البالغة قيمته نحو 2.8 مليار دولار الذي جرى التوصل إليه في 2016، مرتبط بإجراء "الإصلاحات" التي يتبناها الشاهد، وتهدف إلى "الإبقاء على عجز الموازنة تحت السيطرة». جدير بالذكر أنّ الشاهد قال أمام البرلمان: «هناك من سيصف خطابي المتعلق بالإصلاحات الكبرى، باليبرالية متوحشة، وهناك من سيقول إنّها سياسية غير اجتماعية".