شح المياه في المغرب 2022.. ومدى تأثيره في الاقتصاد

بالنظر إلى طبيعة المناخ المغربي عموماً، وموقعه الجغرافي وانخفاض نسبة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، فإن تعاقب فترات الجفاف لا يعدّ أمراً مفاجئاً.

  • شح المياه في المغرب 2022.. ومدى تأثيره في الاقتصاد
    شح المياه في المغرب 2022.. ومدى تأثيره في الاقتصاد

يعيش المغرب وضعاً لا يُحسد عليه؛ بسبب تعرضه لموجة جفاف تعدّ الأسوأ منذ نحو 4 عقود، ويثير هذا الوضع حالة من القلق، خشية أن تمتد الأزمة إلى حد تراجع كمية المياه التي يجري تزويد المناطق الحضرية بها لأغراض الشرب والاستخدامات المعيشية اليومية. في الوقت ذاته، تتعالى الأصوات التي تحذر من المشكلات البيئية الناجمة عموماً عن نقص المياه، وسط اتهامات بتراجع المخططات الاستراتيجية التي كان لزاماً عليها ملاءمة المحاصيل الزراعية لتتناسب مع التغيرات المناخية وتحدّ من هدر المياه.

وبالنظر إلى طبيعة المناخ المغربي عموماً وموقع البلاد الجغرافي وانخفاض نسبة هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة التي تصل إلى أزيد من 35 درجة مئوية، فإن تعاقب فترات الجفاف لا يعدّ أمراً مفاجئاً، إذ يتراوح المناخ في الأقاليم والعمالات المغربية بين جاف/شبه جاف إلى رطب، لكن معدل الجفاف قد تفاقم بالتأكيد مع تزايد حدة الاحتباس الحراري كظاهرة عالمية أضرّت بمختلف مناطق الكرة الأرضية، ما جعل الأمور أكثر قساوة وأشد تأثيراً عن المرّات السابقة.

في الآن ذاته، يؤكد الخبراء أن غياب الاستراتيجية الحاكمة للنشاط البشري في مجال الزراعة تحديداً قد أدى إلى تفاقم الأزمة، إذ يستهلك هذا القطاع وحده ما يزيد على 80%من موارد البلاد المائية، خاصة الأراضي التي تم تخصيصها لزراعة محاصيل مثل البطيخ الأحمر، والتي تبلغ نحو 20 ألف هكتار، وتستهلك كل عام أزيد من 15 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، وتُحمّلها بعض الجمعيات البيئية المسؤولية الجزئية عن الأزمة.

كذلك فإن محدودية سعة السدود في المغرب قد أدّت إلى انخفاض معدلات تخزين المياه الناجمة عن الأمطار، ما أدى إلى إهدارها.

وقد تراجعت حصة الفرد من المياه في المملكة المغربية من نحو 2600 م³ في ستينيات القرن الماضي إلى قرابة 606 م³ اليوم، وهو المستوى القريب من معدل شحّ المياه المحدّد بـ500 م³ للفرد، وإن كان الأمر لا يمكن تفسيره فقط بنقص الموارد المائية، بل يرجع أيضاً إلى زيادة عدد السكان.

السلطات تدعو إلى ترشيد الاستهلاك.. وتجنّب "المزايدة السياسية"

نظراً إلى خطورة ما يجري، فقد بدأت السلطات المغربية بمناشدة المواطنين الحد من الاستخدام الزائد عن الحدّ، إذ طالب العاهل المغربي بضرورة العمل على ترشيد المياه، كما ناشد البرلمان اتخاذ كل ما يلزم من تسهيلات لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.

أيضاً أشار محمد السادس في كلمته خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الجديدة 14 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، إلى أنه تم التوجيه بضرورة التركيز على أزمة المياه باعتبارها عنصراً رئيسياً للتنمية، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة التعامل مع الأزمة بجدية، وعدم تحويلها إلى شأن سياسي يخضع للمزايدات.

وكانت الحكومة قد اعترفت بمشكلة الجفاف التي يمر بها المغرب، معدّة إياها جزءاً من الظواهر البيئية السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية، كما أشار الوزير نزار بركة إلى أن أسباب الأزمة تتضمن ارتفاع الطلب على الماء والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتلوث الموارد المائية، وأكدت السلطات أنها في سبيلها لإنشاء 20 سداً جديداً، بالإضافة إلى الخمسين سداً المشيدة سابقاً.

وبحسب الناشطين البيئيين داخل المغرب، فقد قررت الحكومة الشهر الماضي وقف النفقات التي يجري تقديمها كدعم لزارعي البطيخ الأحمر وأشجار الأفوكادو، كونها من الزراعات التي تستهلك الكثير من المياه.

ومن بين التدابير التي أعلنتها الحكومة: تكثيف حملات التوعية العامة بشأن المياه وتغير المناخ، وحظر تنظيف الشوارع بمياه الشرب، وإيقاف ملء المسابح أكثر من مرة في السنة، وقطع المياه ليلاً عن بعض المؤسسات والإدارات، والصيانة الدورية لمنع أي نوع من التسريبات المائية.

كما نوقشت على نطاق واسع سبل التوسع في عمليات تحلية مياه البحر باعتبارها أحد الحلول الممكنة للتخفيف من الأزمة، وإن كانت الأولوية قد ركزت على مسائل ترشيد الاستهلاك والتوسع في بناء السدود. وقد جاء مجمل تلك الإجراءات في إطار خطة الطوارئ لمواجهة حالة الإجهاد المائي في البلاد.

الوضع المائي في المملكة لا يزال يثير المخاوف

بحسب وزارة التجهيز والماء، فإن الوضعية المائية للبلاد تثير العديد من المخاوف، إذ انخفضت موارد البلاد المائية بمقدار 85% مقارنة بالمعدل السنوي، فقد بلغ حجم الواردات المائية في الفترة ما بين مطلع أيلول/سبتمبر 2021 إلى 31 آب/أغسطس 2022 ما يناهز 1.98 مليار م³، أما المخزون المائي للسدود حتى 12 تشرين الأول/أكتوبر فقد بلغ 3.9 مليارات م³، أي ما يعادل 24.3% كنسبة ملء إجمالي، في مقابل نحو 37% سجلت في التاريخ ذاته العام الماضي.

وتعاني جهة طنجة تطوان الحسيمة، والتي تتمتع بموقع جغرافي مميز يطل على مضيق جبل طارق، من أزمة غير معهودة بسبب شح الموارد المائية، وبعد أن كانت تلك الجهة تسجل أعلى معدل لسقوط أمطار في المغرب، صارت تعيش في مناخ يخيم عليه القلق بسبب التراجع الحاد في المخزون المائي.

كما تأثرت مدينتا مراكش (جنوب) ووجدة (شرق) بسبب ندرة المياه، وفق بيانات رسمية، وقد تمّ اللجوء إلى المياه الجوفية كنوع من الحلول، كما استعملت المياه المعالَجة لري الحدائق.

أما عن التأثيرات المجتمعية لأزمة نقص المياه، فقد وفرت حالة القلق المناخ الخصب لانتشار الشائعات، إذ تداولت صفحات مغربية على مواقع التواصل الاجتماعي طول الصيف الماضي أخباراً متضاربة عن نية الحكومة قطع المياه في ساعات الليل لترشيد الاستهلاك ما ضاعف من شعور المواطنين بخطورة الموقف، لكن السلطات المغربية، خاصة في العاصمة، كانت تسارع إلى تكذيب هذه النوعية من الأخبار محاولة بث الطمأنينة في نفوس المواطنين.

الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة تطال الاقتصاد

لا شك في أن تعرّض البلاد لأزمة شح المياه قد أثر سلباً في النواحي الاقتصادية  داخل المغرب، وكان أول القطاعات التي مُنيت بالخسائر، هو القطاع الزراعي الذي يسهم بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ اضطرت الحكومة إلى تخفيض الدعم الذي تقدمه إلى بعض أصحاب الحقول التي تقوم بزراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه، أما مجمل المزارعين فقد تأثروا مباشرة بسبب تزايد عدد بحيرات السدود التي نضبت منها المياه. وتشكل الحبوب أهم المحاصيل في المملكة، إذ تمثل أكثر من نصف المساحة التي تتم زراعتها.

وتلعب الزراعة دوراً رئيسياً في استيعاب الطاقة العاملة في المغرب، إذ تسهم بنسبة 38% من إجمالي القوى العاملة في عموم البلاد، أما في المناطق الزراعية كالقرى والنجوع فإنها توفر نحو ثلاثة أرباع فرص العمل، وقد تسببت هذه الأزمة في فقدان العديد من المواطنين لعملهم، إذ فقد قطاع الزراعة والغابات والصيد أكثر من 200 ألف فرصة عمل خلال ربيع العام الجاري، وذلك بحسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط.

وبالرغم من جهود السلطات المغربية لتقليل اعتماد البلاد واقتصادها على الزراعة، والدفع بعجلة الصناعة، إلا أن قطاع الزراعة لا يزال هو المهيمن، وبالتالي فإن أي ضرر يصيبه بسبب نقص المياه يؤثر بعمق في سائر نواحي البلاد، وربما الناجي الوحيد من تلك الآثار هو قطاع السياحة، وإن كانت تبعات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية قد أصابته بأشد الضرر.

وقد تأثر الإنتاج الزراعي عام 2022 بشكل ملحوظ، فبحسب وزارة الفلاحة، بلغت المساحة المزروعة بالحبوب 3.6 ملايين هكتار، وذلك مقابل 4.35 ملايين هكتار في الموسم الزراعي الماضي، كما بلغ محصول الحبوب 3.4 ملايين طن، بحسب التصريحات الرسمية، وذلك مقابل 10.3 ملايين طن السنة الفائتة، أي بانخفاض قدره 67% !.

كذلك حازت مشتريات القمح على نحو ثلث فاتورة استيراد السلع الغذائية، إذ بلغت نحو 1.33 مليار دولار خلال النصف الأول من 2022، بزيادة بلغت 54.3% عن الفترة ذاتها في عام 2021 إذ استورد المغرب حينها ما قيمته 862 مليون دولار فقط، ويؤدي التوسع في الاستيراد إلى زيادة العجز في الميزان التجاري، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية.

وتسبب التدهور الذي لحق بقطاع الفلاحة في أضرار بالغة بسائر القطاعات التي تعتمد على المحاصيل الزراعية، فقد تأثرت تربية المواشي والدواجن والأغنام بشدة، وألقى الأمر بأعباء إضافية على الحكومة لتوفير العملة الصعبة من أجل مزيد من استيراد الأعلاف اللازمة لتربية الحيوانات، كما تأثر قطاع الصناعة بسبب افتقاره للمواد الخام التي كانت تتوفر محلياً في العادة.

حالة الجفاف غير المسبوقة التي تعاني منها البلاد، تأتي بعد نحو عامين فقط من جائحة كورونا وتبعات الشلل الذي طال الاقتصادي العالمي ككل، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم إلى حد كبير في سائر البلدان، وبالتالي أصبح الاقتصاد المغربي قابعاً بين نارين، فمن جهة هو مهدد بسبب تبعات جفاف لا يرحم، ومن جهة أخرى، لا يتوقف التضخم عن الارتفاع بالشكل الذي يؤدي إلى عجز المواطن عن شراء ما يحتاجه من السلع الغذائية أو سداد فواتيره الشهرية.