مغامرة لابيد - غانتس.. والرد الفلسطيني بالاستنزاف
المقاومة الفلسطينية اختارت التعامل بطريقة مغايرة في الرد على عملية الاغتيال والاعتداءات ضد حركة الجهاد الإسلامي، إذ تدرك نقاط الضغط التي تمرّ فيها "دولة" الاحتلال، وخصوصاً يائير لابيد وبيني غانتس.
على عكس التوقعات لدى الاحتلال، يتواصل العمل المقاوم في قطاع غزة، بما في ذلك إطلاق الصواريخ على غلاف غزة ومنطقة الوسط و"تل أبيب"، تزامناً مع فراغ بنك أهدافه في القطاع، وفق الهدف الذي حدّده لنفسه، وهو استهداف حركة الجهاد الإسلامي. وبناءً عليه، فإن استمرار المواجهة العسكرية، فترةً أطولَ، يُعَدّ استنزافاً للمستويَين السياسي والعسكري.
لا شك في أن قرار المواجهة في قطاع غزة كان مُعَدّاً له ومدروساً من جانب المستويَين الأمني والعسكري في "دولة" الاحتلال، على نحو مسبّق، كجزء من محاولات المستويَين العسكري والسياسي ترميمَ صورتهما التي اهتزت وأُهينت خلال معركة "سيف القدس"، العام الماضي، وضمن محاولة ردع قطاع غزة عن المشاركة في أيّ مواجهة عسكرية محتملة مع حزب الله، على خلفية إشكالية حقول الغاز في البحر المتوسط.
الحملة الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة، وخصوصاً ضد حركة الجهاد الإسلامي، يراد منها ردع المقاومة الفلسطينية، ومنعها من تطوير قدراتها العسكرية ومراكمتها، والتي من شأنها أن تفاجئ العدو في أي مواجهة عسكرية مقبلة. وقد تكون هذه المواجهة مخطَّطة مسبّقاً ضمن استخلاصات الحرب التي قدمها المستوى العسكري خلال الأعوام الماضية، وخصوصاً بعد معركة "سيف القدس".
على الرغم من ذلك، فإنّ المستويَين السياسي والعسكري يقفان أمام معضلة كبيرة وتساؤلات متعدّدة: كيف ستكون النهاية، وهل ستمتد هذه المعركة وقتاً طويلاً، وكيف يمكن الضغط على حركة الجهاد ومعها الفصائل الفلسطينية من أجل إيقاف هذه المواجهة في أسرع وقت، حتى لا تذهب صورة القوة والردع، التي أراد رئيس وزراء الاحتلال الموقت، يائير لابيد، ووزير الأمن، بيني غانتس، الخروج منها في هذه المعركة.
المغامرة التي خطّطها لابيد وغانتس لن تسير وفق الشكل المطلوب، فالأهداف العسكرية التي يمكن تحقيقها ضد حركة الجهاد الإسلامي أخذت في النفاد بصورة كبيرة، وبات جيش الاحتلال يُعيد ضرب الأهداف ذاتها، وذهب حالياً إلى قصف منازل الآمنين، بالتزامن مع الاتصالات المكثفة بالوسطاء من أجل الضغط على حركتي حماس والجهاد لقبول وقف سريع للمواجهة العسكرية.
مَن يتابع التصريحات الرسمية وما كتبه كبار المحلّلين السياسيين والعسكريين في "دولة" الاحتلال، يدركْ جيداً أنها تخشى استمرار العملية العسكرية في قطاع غزة. خشية تعقّد الأمور، بصورة أكبر. فعاموس هارئيل، محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، يقول في مقال له إن "الجيش والمستوى السياسي يسعيان لأسبوع قتال، أو أقل من ذلك، وإلّا فستتعقّد الأمور، لأنهما لا يريدان أن تدخل أراضي الـ48 في المعركة. وهذا عنصر، إذا ما تطوّر، سيكون قادراً على تعقيد المشهد أكثر، وخصوصاً في القدس والضفة الغربية و(أراضي) الـ48... والقيادة السياسية الإسرائيلية لا تريد أيضاً تعقيد الأمور في غزة، وخصوصاً إذا قررت غزة مضاعفة العمل النضالي، والذي يُدار الآن بتوافق على حجم الرد، في ظل ظروف الميدان التي بدأها الجيش بالضربة الاستباقية".
في اليوم الثاني للمواجهة، بات المستوى السياسي يدرك أنه أمام سيناريوهات خطيرة، وخصوصاً إمكان دخول "إسرائيل" في حالة استنزاف مع المقاومة الفلسطينية. وهذا ما عبّر عنه الخبير العسكري، يؤآف زيتون، عبر قوله: "هل وقعت إسرائيل في ورطة. المؤشرات والدلائل الميدانية تشير إلى أننا سنحظى بجولة مفتوحة من دون معرفة صاحب اليد التي تضرب إسرائيل. التكتيكات العسكرية المتَّبَعة في غزة تدلّ على وجود قوة عسكرية تتحرك في الخفاء لتقصفنا من خلف الستار".
من يقرأْ مزيداً من التعليقات من المحللين والمراسلين يدركْ أن "دولة" الاحتلال باتت تدرك أن حركة الجهاد لا تقود المواجهة حالياً وحدها، إذ قال يوسي يهوشع إن "حماس تقود المعركة الحالية بذكاء. توزّع الجهد وتستخدم الغرفة المشتركة كواجهة من أجل إرباك الجيش، وبصمات حماس الأمنية ظاهرة في الميدان، من خلال تقليل الخسائر بصورة كبيرة في صفوف مطلقي الصواريخ، بالإضافة الى أن توزيع الضربات الصاروخية، مكاناً وزماناً، يُظهر بصمات حماس العسكرية في هذه المعركة".
الواضح أن المقاومة الفلسطينية حالياً اختارت التعامل بطريقة مغايرة في الرد على عملية الاغتيال والاعتداءات ضد حركة الجهاد الإسلامي، إذ إنها تدرك نقاط الضغط التي تمر فيها "دولة" الاحتلال، وخصوصاً يائير لابيد وبيني غانتس. بناءً عليه، فإن خيارها الذهابَ إلى مواجهة مفتوحة واستنزاف العدو وتقليل الخسائر والأهداف أمام جيش الاحتلال، من دون إعلان ذلك، واستمرار العمل تحت غطاء رد حركة الجهاد الإسلامي، يُعَدّ الخيار الأمثل، والذي يمكن أن يعقّد الأمور أمام حكومة الاحتلال ويردعها، ويؤثّر في المستقبل السياسي لمتخذي قرار هذه المغامرة.
لا شكّ في أن إطالة أمد التوتّر داخل مجتمع العدو يُفشل أهداف العدوان، كما أن التدرّج في التصعيد، وتوزيعَ الجهد على خط الزمن، يحقّقان ذلك، ويحقّقان أيضاً مساحة للفعل السياسي لضمان الاستثمار الأمثل للنتائج. وهذا ما يخشاه العدو خلال الفترة الحالية. ومَن يُرِدْ أن يفهم حقيقة هذا الأمر، فعليه أن ينتظر عدة أيام، أو ربما أسبوعاً، ليسمع الانتقادات التي ستظهر بغزارة في وجه كل من لابيد وغانتس.
من ناحية أخرى، فإن استمرار المواجهة فترةً أطول، وتطوّرها، لن يصبّا في مصلحة حكومة الاحتلال الموقتة، إذ إن الوضع الدولي الحالي لن يعطي مساحة كبيرة لصانع القرار، فالضغط الأميركي قادم، لا محالة، على "دولة" الاحتلال، خلال الأيام المقبلة، في حال طال أمد المواجهة، وهذا الأمر أيضاً يمثّل هاجساً لدى صانع القرار الإسرائيلي، الذي يهدف، من وراء تنفيذ "حملة قصيرة" ضد غزة، إلى ردعها وضمان الهدوء، فتراتٍ أطولَ.