الإذلال كوسيلة في السّياسة الخارجيّة: ترامب نموذجاً
قام ترامب سابقاً بإذلال رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي حين نعتها بـ"الضعيفة"، ونعت أنجيلا ميركل بـ "السخيفة"، إضافة إلى نعت رئيس الوزراء الكندي بأنه "منافق".
-
تثير قضية إذلال الرئيس الصربي في واشنطن مسألة استخدام الإذلال كوسيلة في السياسة الخارجية
كان لافتاً الإحراج الشّديد والإذلال الذي تعرّض له الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في البيت الأبيض، خلال الإعلان عن الاتفاق على تطوير العلاقات الاقتصادية بين كل من صربيا وكوسوفو (من دون اعتراف صربي بكوسوفو).
خلال التوقيع، قام ترامب بإجلاس ضيفيه إلى طاولات صغيرة إلى جانب الطاولة الرئاسية الضخمة التي جلس إليها، في تقليد غير متعارف حين تقوم الولايات المتحدة برعاية اتفاقيات من هذا النوع، إذ يتم توقيعها في إحدى قاعات المؤتمرات في البيت الأبيض، وليس في المكتب الرئاسي.
ولعلَّ الإذلال الأكبر كان للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي نُشرت له صورة يجلس فيها على كرسي أمام مكتب ترامب البيضاوي، وكأنه يتعرّض للتحقيق، أو كتلميذ أمام مديره. والإحراج الأكبر كان حين أعلن ترامب عن موافقة صربيا على نقل السفارة الصربية في "إسرائيل" من تل أبيب إلى القدس. بعد هذا الإعلان، ظهر على الرئيس الصربي الإحراج الشديد، وأخذ يفتّش في أوراقه للتأكّد من صحة البند، وينظر إلى مساعديه، ويخفي وجهه بيديه.
ويثير هذا المشهد ونص الوثيقة التي تمّ نشرها، والتي وقعها الرئيس الصربي - تظهر بالفعل أن هناك بنداً بهذا الخصوص- عدّة تساؤلات، فهل وقّع الرئيس الصربي على وثيقة لم يقرأها، أو أضيف البند في اللحظة الأخيرة ولم يعرف به، وتمّ إحراجه به، فوقّعه مرغماً؟ علماً أنه يحول دون تنفيذ نقل السفارة الصربية إلى القدس صعوبات، منها أن صربيا مؤهلة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عليها أن تعمل على تنفيذ ما يطلبه الأوروبيون، وتلتزم بتوصياتهم، وهم ضد الاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل".
أما الأمر الآخر، فهو صلاحية الرئيس الصربي الفعلية في الوعد بهذه الأمر، والذي يقول أحد الخبراء القانونيين الصرب إنه من صلاحية الحكومة، وليس من صلاحية الرئيس.
كما تثير قضية إذلال الرئيس الصربي في واشنطن مسألة استخدام الإذلال كوسيلة في السياسة الخارجية، والتي يعتمدها ترامب بشكل واسع. لقد قام الأخير في أوقات سابقة بالتنمر وإذلال رئيسة وزراء بريطانيا السابقة تيريزا ماي حين نعتها بـ"الضعيفة"، وقال إنها "تنقصها الشجاعة"، ونعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ "السخيفة"، إضافة إلى نعت رئيس الوزراء الكندي بأنه "منافق"...
عملياً، أدرك العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية أن سياسة إذلال الدول عادة ما ترتد سلباً على العلاقات الدولية، فألمانيا وإيطاليا اللتان تعرضتا للإذلال بعد الحرب العالمية الأولى، أنتجتا هتلر وموسوليني. وكانت تلك السياسة من بين الأسباب التي أدّت إلى قيام الحرب العالمية الثانية.
وبعد ذلك، تمّ التخلي عن سياسة الإذلال في السياسة الخارجية، والتأكيد على احترام كرامة جميع الدول، وهو ما تمّت صياغته في ميثاق الأمم المتحدة، بـاحترام سيادة الدول و"المساواة في السيادة بين الدول كبيرها وصغيرها"، وبمبادئ اتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ومبادئ حقوق الإنسان العالمية.
لكن يبدو، ومن خلال دراسة شخصية ترامب، أن الأسلوب الذي يعتمده وإدارته قد لا يؤشر للعودة إلى دبلوماسية القرن التاسع عشر واعتماد سياسات الإذلال في السياسة الخارجية، بقدر ما يكون حاجة شخصية لترامب نفسه، لإظهار القوة وتخطي شعور شخصي داخلي بعدم الأهمية، ولاعتقاده بأنها الطريقة الأنسب التي تجعل الآخرين يحترمونه ويطيعونه، وبالتالي يحقق مصالح الولايات المتحدة الأميركية.