هل وصلت الرسالة إلى رام الله؟
ما الذي يحصل في الضفة الغربية المحتلة وما هي الرسائل التي تريد توجيهها السلطة إلى كيان الاحتلال؟
كأن ما يحصل في الضفة الغربية والقدس المُحتلتين من استيطان وتهجير لا يكفي كي تُدرِك السلطة الفلسطينية في رام الله أن القادِم أعظم. وخاصة أن "صفقة القرن" في صفحاتها الـ"181" هي أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية.
تؤكّد قيادة السلطة أنها ترفض الصفقة ولن تستسلم وستُواجه الضغوط الأميركية. وهي بالتالي لن تمدّ الجسور مع "إسرائيل" مُتعهِّدة أمام الفصائل الفلسطينية أنها ستوقف التنسيق الأمني وتدرس خيارات أخرى للمواجهة.
لكن في واقع الأمر نحن أمام ازدواجية كارثية تنتهجها السلطة الفلسطينية، وتبدَّى ذلك في خطاب السيِّد محمود عباس في مجلس الأمن من خلال ما قدَّمه من "أفكار" للمفاوضات معوِّلاً على الشُركاء الأوروبيين، وكذلك مدّ اليد للإسرائيليين لفتح صفحة جديدة من "المفاوضات". ناهيك عن تقدير السيِّد عباس لضبّاط إسرائيليين دافعوا عن "وطنهم" واليوم يدافعون عن الشراكة مع السلطة الفلسطينية لإقامة دولتين كما جاء في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي.
من الواضح أن السلطة الفلسطينية ومعها منظمة التحريرالفلسطينية تمارسا دوراً يُعيد إنتاج كارثة "أوسلو" برعايةٍ رسميةٍ عربيةٍ تشارك في إعداد مسرح الجريمة لتطبيق "صفقة القرن". وهذا ليس من بوابة الإحباط السياسي أو نظرية المؤامرة، بل من وقائع تطلّ برأسها في المشهد الفلسطيني بعد لقائين تطبيعيين مع "لجنة التواصُل مع المجتمع الإسرائيلي" واستقبال صحافيين إسرائيليين في رام الله من قِبَل قاضي قُضاة فلسطين محمود الهبّاش. وهذان اللقاءان تمّا برعاية منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في رام الله.
يُبرّر هجوم "السلام" الفلسطيني من قِبَل قيادة السلطة أنه لمواجهة "صفقة القرن"! ويبدو أن هذه المواجهة ستتطوَّر للقاءاتٍ سرّيةٍ مع قادة الاحتلال تحت مُسمَّى "المصلحة الوطنية" في التنسيق المدني، وكذلك جباية الضرائب والعمل على تهدئة الساحات الفلسطينية المشتعلة في بعض نقاط الضفة الغربية المحتلة.
ما الذي يحصل في الضفة الغربية المحتلة وما هي الرسائل التي تريد توجيهها السلطة إلى كيان الاحتلال؟
حقيقة الأمر أن السيِّد محمود عباس يرى أن التواصُل مع الإسرائيليين سيُحرِج واشنطن التي يمكن أن تخفِّف من حِدّة ضغوطها على المسؤوليين "الإسرائييلين" لمَنْعِ التواصل. بل تُقدّر السلطة الفلسطينية أن خطاب رئيسها في مجلس الأمن شكَّل اختراقاً كبيراً للساحة الدولية وأحرج أطرافاً أوروبية، وهذه الأطراف قد تتبنَّى خطاب السلطة وتدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مرونة الطرح وتقديم بعض "المُغريات" التي من شأنها الحدّ من الغضب الشعبي الفلسطيني في مواجهة "صفقة القرن".
إن قراءة التطوّرات في الداخل الإسرائيلي بعد لقاء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض وإعلان بدء تنفيذ "صفقة القرن" وتبنّيها من بعض النظام الرسمي العربي، ينسف كل ما تذهب إليه السلطة ويؤكِّد أن "الصفقة" للتطبيق وليست للنقاش. وهذا يبدو ساطِعاً كالشمس أن الخطوات التنفيذية على الأرض بدأت بتشكيل اللجان الأميركيةـ الإسرائيلية لضمّ غور الأردن وشمال البحر الميت، والبحث عن صِيَغٍ عملية لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزَّة.
وتبرز هنا تصريحات نتنياهو أن التطبيع مع الدول العربية لم يعد سرّاً وسيعمل مع بعضها للضغط الاقتصادي على المقاومة الفلسطينية في غزَّة لنزع سلاحها.
المشهد لا يحتاج إلى الإستفاضة في أهداف سرقة القرن، وهذه تُدركها السلطة الفلسطينية. ولكن يبدو أن هذا الإدراك لم يبلور إستراتيجية وطنية تقود إلى بناء موقف يضرب عرض الحائط "صفقة القرن" ومَن يُروِّج لها. وبالتالي نحن أمام إنتاج ذات السياسات التي أودت بالقضية الفلسطينية إلى أودية سحيقة منذ أن وقَّعت م.ت .ف "اتفاق أوسلو" في 13.ـ9 ـ1993 والذي لم يزل سارياً وفق ما جاء في كلمة رئيس السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
لم تكن إستراتيجية العمل الوطني في تاريخ الشعوب مُجرَّد نظرية محشوّة في الكرّاسات التنظيمية والسياسية، بل هي من ثوابت الإنتماء الوطني الذي لا يُهادِن على الأرض والتاريخ والحق.
أين تقف اليوم السلطة الفلسطينية من إستراتيجية منظّمة التحرير الفلسطينية التي تشكَّلت في العام 1964؟ والتي أصبحت مُجرَّد مومياء. أما مَن يحتل موقعاً قيادياً في اللجنة التنفيذية للمنظّمة من فصائل المقاومة يُغيب دوره ولا يمتلك قرار وقف التنازُلات التي وقّعت زوراً باسم الشعب الفلسطيني.
ليس جَلْداً للذات أن نُشير إلى الخراب السياسي في منظّمة التحرير الفلسطينية وتحول السلطة إلى حارس للتنسيق الأمني.
قضية فلسطين اليوم في أخطر مراحل التكالُب عليها من بعض الأنظمة العربية التي تحاصر غزَّة مع كيان الإحتلال، وتحاول أن تساوِم على لقمة العيش لأهلنا في القطاع وعينها على سلاح المقاومة. وهي التي وصفت حركات المقاومة الفلسطينية بـ"الإرهابية" وهذا ما جاء في كلمات بعض وزراء الخارجية العرب خلال مؤتمر القمَّة العربية في (الظهران) في المملكة السعودية في 15 نيسان/أبريل 2018.
لم تعد هناك أي بوابة "للتفاوض" لمَن يُراهِن على الوقت وعلى لجان المجتمع الإسرائيلي. والبوابة المُشرَّعة فقط بشروطٍ أميركيةٍ وإسرائيلية تكون فيها القدس عاصمة موحَّدة لكيان الإحتلال، ولا دولة فلسطينية ولا عودة للاجئين جوهر الصراع العربي- الصهيوني، والضفة الغربية المحتلة مُقطَّعة الأوصال.
هل وصلت الرسالة إلى السلطة في رام الله؟ هل وصلت الرسالة إلى مَن يعتبرون منظّمة التحرير الفلسطينية مِلكاً شخصياً لهم؟