الجنود الأسرى مقابل ازدهار اقتصاديّ في غزة
ثمة تطورات سريعة تطرأ بين ساعة وأخرى على المشهد الميداني والموقف الإسرائيلي في قطاع غزة.
أطلق وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، سلسلة من التهديدات طيلة الأيام الماضية إلى غزة، بعد أن عادت البالونات الحارقة للانطلاق باتجاه المستوطنات المحاذية للقطاع، كفعل شعبيّ رافض لاستمرار الحصار.
وقد زادت المقاومة الفلسطينية رسائلها، وأطلقت وابلاً من الصّواريخ التحذيرية باتجاه البحر، في خطوة تُقرأ على أنَّها رسالة تحذير وتهديد بأنها لا يمكن تبقى صامتة على استمرار القتل البطيء لأكثر من مليوني فلسطيني واستمرار سياسة الحصار المفروض على غزة.
ثمة تطورات سريعة تطرأ بين ساعة وأخرى على المشهد الميداني والموقف الإسرائيلي في قطاع غزة، بين إغلاق للمعبر التجاري الرئيسي وضغوط هنا وهناك، إذ خرج بيني غانتس، وزير جيش الاحتلال ورئيس الوزراء البديل، وبعد الرسائل الصاروخية التي أطلقتها المقاومة باتجاه البحر، مرة بالتهديد بالرد بقوة، وأخرى خلال جلسة استماع أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حول الوضع الأمني، والتي قال فيها إن حكومته "ليس لديها أي مصلحة في التصعيد العسكري في غزة، وكل ما نريده هو عودة أولادنا - في إشارة إلى الجنود الأسرى - ونحن سنكون سعداء لازدهار الوضع الاقتصادي في غزة، وكل هذا يمكن أن يحصل بعودة أولادنا. وحينها سنرى غزة في صورة أخرى من التطور".
سعى غانتس إلى ربط رفع الحصار المفروض عن قطاع غزة بعودة الجنود الإسرائيليين المفقودين فيها، والذين ترفض حماس الإدلاء بأي معلومات عنهم سوى عبر إتمام صفقة تبادل، باعتباره ملفاً منفصلاً عن ملف الحصار الإسرائيلي، وله استحقاقه وفاتورته المستقلة، وفيه نوع من المساومة والمقايضة الخسيسة وغير المقبولة فلسطينياً.
مثل هذه السّياسة لن تنجح، ومصيرها سيكون الفشل التام، وهي سياسة إسرائيلية غير جديدة، فقد جربت "إسرائيل" سابقاً هذا الأسلوب يوم أسرت المقاومة الفلسطينية جلعاد شاليط في العام 2006، وساومت المقاومة بالطريقة نفسها التي يساومها بها غانتس اليوم، لكن النتيجة التي وصل إليها قادة الاحتلال آنذاك كانت أنّ ملف الأسرى له فاتورته المستقلة، ولا بد من دفعها، طال الزمان أم قصر.
لقد ضرب الحصار الإسرائيليّ طيلة 14 عاماً كلّ مناحي الحياة في غزة. وبالتالي، إنّ كسر الحصار الإسرائيليّ الخانق المفروض على القطاع هو حقّ طبيعيّ للشّعب الفلسطينيّ، ولا يمكن المساومة به أو المقايضة عليه، فمن حقّ غزة أن تعيش كبقيّة أصقاع الأرض، وألا تبقى تحت وطأة الحصار والموت البطيء.
من حقّ الشّعب الفلسطينيّ أن يعيش حراً بلا حصار ولا تجويع أو عقوبات جماعية، ولا يجوز بكلّ المعايير أن تُخنق غزة، وأن تتحوّل إلى سجن كبير، ولا يجوز أن يقف السجانون على تخومها ومعابرها، ويتحكموا بكل ما يدخل إليها من ماء وكهرباء وغذاء، وأن يقايضوا على أبسط الحقوق الحياتية.
يعدّ الحصار شكلاً من أشكال العدوان الإسرائيلي، لكنه يقتل بشكل بطيء. في المقابل، من حقّ الشّعب الفلسطينيّ ممارسة كلّ أشكال المقاومة، بدءاً من المقاومة الشعبية، وصولاً إلى أشكال المقاومة الأخرى، ومنها المسلَّحة، ما دام يتعرّض لقتل وحصار، ويحرم من أبسط حقوقه، أمام تهرب "دولة" الاحتلال الإسرائيليّ من استحقاقات التفاهمات التي رعتها مصر والأمم المتحدث مؤخراً.
أن يبقى الحصار الإسرائيليّ سيفاً مسلّطاً على رقاب أبناء شعبنا، هو معادلة مرفوضة وغير مقبولة، ولا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يخضع الشّعب الفلسطينيّ للابتزاز الإسرائيلي، كما أنَّ استمرار مماطلة الاحتلال في تنفيذ التفاهمات والالتزامات أمام الشّروط والاشتراطات والمقايضات على حرية السلع من وإلى القطاع، والصيد البحري، وإقامة المشاريع الكبرى وتنفيذها، وتشغيل العمال والخريجين، إضافةً إلى حرية الحركة عبر كلّ المعابر، كلّ هذا سيقرب لحظة الانفجار في وجه الاحتلال.
إنّ المطلوب اليوم من المقاومة فرض معادلة جديدة أمام تسويف الاحتلال ومماطلته المستمرة. وما هو مطلوب أكثر هو أن تعيد المقاومة صياغة المتطلّبات من جديد أمام معاناة مستمرة، وأزمات متراكمة، وبطالة مستفحلة، وفقر وجوع سببه الاحتلال الإسرائيليّ، وأن يوضع المجتمع الدوليّ وكلّ الأطراف الإقليمية أمام مسؤولياتهم، بإجبار الاحتلال على كسر الحصار قبل الوصول إلى لحظة الانفجار.
وأخيراً، على الاحتلال أن يدرك جيداً أن إنهاء ملفّ تبادل الأسرى لن يُغلق إلا بدفع فاتورته، بالإفراج عن الأسرى من سجونه، وأن المراهنة على المقايضة لن تلقى آذاناً صاغية لدى المقاومة، كما أنَّ الرسائل التحذيرية تجاه البحر هي دلالة واضحة على أن قدرات المقاومة في تطور واضح وملحوظ، وقرار كسر الحصار بالخيار العسكري أصبح مطروحاً لدى قادة المقاومة، بل ويمكن استخدامه في أي لحظة، فلا مقايضة أو مساومة على هذا الملف.