طرابلس.. عندما تكشف عن وجهها الحقيقي!

إذهبوا إلى طرابلس لتتأكّدوا بأنفسكم، ولتعيشوا تجربةً فريدة حقاً.

هكذا هي طرابلس...جميلة القلب والقالب
لا تصدق كلّ ما تسمع وصدّق نصفَ ما ترى. تنطبق هذه المقولة على الزائر لمدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان. 

فبعد نحو 3 سنوات من تطبيق الخطّة الأمنية، تبدو الفيحاء كالفتاة الجميلة التي استعادت عافيتها بعدما حاول بعض الموتورين الاعتداء عليها وتشويه سِمعتها. قاومت، صَمَدت ووقفتْ من جديد، شامخةً فخورةً بأصالة أبنائها، وفاتحةً ذراعيها لكلّ مَن أحبّها، لتستقبلَه بوجهها الوضّاء. هذا الوجه الذي أراد البعض سلخَ جِلده واستبداله بجِلد أسودَ كقلوبهم، فما نجحوا.

تدخلُ أحياء المدينةَ فتراها تضجّ بالحياة والحبّ. من طرقاتها وساحاتها العامة إلى أزقّتها المُتعرّجة المُلتوية، مروراً بأسواقها القديمة ومصانع الصابون البلدي فيها، وليس انتهاءً بحلوياتها الفريدة. وهل تحلو وتكتمل زيارة طرابلس من دون تذوّق "حلاوة الجبن"؟ بالتأكيد لا.

المحطّةُ الأهم هذه الأيام هي معرض طرابلس ال43 للكتاب. يُفاجئك الحضور بتنوّعه وكثافته. كما يُدهشك حجمُ دور النشر المشارِكة فيه. الزائر للمعرض سيستوقّفه حتماً حضور الكوفية الفلسطينية بأكثر من جناح، مذكّراً، مَن نسيَ أو تناسى، بتاريخ المدينة المُقاوِم والمُشرّف. كذلك يستوقفك الجناحُ الخاص بالأسير يحيى سكاف ابن المنية، جارة طرابلس، فتنحني إجلالاً، واعتزازاً بهذا البطل الذي مازال يُقاوِم ظُلمَ الجلاّد في السجون الإسرائيلية.

أما "القرية البيئية" (خان الصابون) التي يملكها ابن طرابلس السيّد بدر حسّون وتقع في منطقة ضهر العين-الكورة، فتلك حكايةٌ أخرى. 

هي أول قرية نموذجية عربية مُتخصّصة بالاستثمار في الاقتصاد الأخضر وبإطلاق مئات أنواع الصابون الطرابلسي التُراثي والمُنتجات التجميلية البيئية. 

آلاف الدونمات المزروعة بالأعشاب العطريّة لإنتاج الزيوت والصابون البلدي بأفضل وأجود أنواعه وأشكاله. ما يُفاجئك حقاً هو حرص مالك القرية على الابتعاد عن الأدوات والآلات التكنولوجية الحديثة واكتفاؤه بآلاتٍ من تصنيعه هو! ويأبى حسّون إلا أن تخرجَ من قريته، مُحمّلاً بتذكاراتٍ جميلة و"مُخضّباً" بالعطور!

قبالة سواحل طرابلس عددٌ من الجزر لعلّ أشهرها جزيرة الأرانب. ويُقال إن سبب التسمية يرجع إلى مطلع القرن العشرين حين قام القنصل الفرنسي وقتها بإحضار أعداد من الأرانب لممارسة هواية الصيد، ومنذ ذلك الحين تكاثرت وتناسلت، وباتت قِبلةً أساسية لكل مَن يزور المدينة!. 

بعد كلّ هذا وأكثر، وكأنّي بالفيحاء تتحدّى الجميع وتقول لهم:"أردتّم أن تشوّهوا تاريخي وحضارتي المُمتدة لآلاف السنين، فأسقطتُ القِناع عن وجوهكم، ورددتُّكم خائبين. أردتّم أن تغيّروا ملامحَ وجهي الثقافي، فما استطعتم، وها أنا مشرِقةٌ كإشراقة الشمس في وضَح النهار. أردتّم أن تستبدلوا أماني وراحتي بالحرب، ففشلتم، وستفشلون مادام المسلمُ والمسيحي والسنّي والشيعي والدرزي واللبناني بمختلف انتماءاته يزورني ويحبّني، فأحتضنه".

تترك طرابلس وفي نفسك فرحةُ اكتشاف ما غاب عن الكاميرات ومحطّات التلفزة، اللبنانية والعربية. هي السياسةُ الملعونة التي وصمَت طرابلس وأهلها بكل ما هو سلبي!. 

الوجه الوحيد الذي لا يمكن أن تنساه بعد انتهاء زيارتك إلى طرابلس، هو وجه تلك الشخصية التي تغمرك بلطفها واهتمامها وكرمها وحُسن ضيافتها. هو الشيخ نبيل رحيم الذي يمثّل وجه طرابلس الحقيقي، باعتداله وتسامحه وكرمه وطيب خلقه. ولن أنسى طبعاً الرابطة الثقافية في المدينة التي تستقبل زوّارها بحفاوة بالغة، ممثَّلةً برئيسها رامز الفري.

إذهبوا إلى طرابلس لتتأكّدوا بأنفسكم، ولتعيشوا تجربةً فريدة حقاً. 

هكذا هي طرابلس...جميلة القلب والقالب. ولعلّ وقوعها شمال لبنان لم يكن صدفة. ف"القلب عالشمال"، وسيبقى ينبض فرحاً وعشقاً للحياة!