حزب الله.. من مُعادلة الردع إلى مُعادلة قوَّة الردع
أكبر الخطوط الحمر الإسرائيلية كسرتها المقاومة الإسلامية الأحد الماضي، وأكَّد فيها حزب الله أنه لا يُطلِق شعارات بخلاف ادّعاءات إسرائيل، وأن اليد الإسرائيلية الطويلة التي ظلَّت إسرائيل تتباهي بها قد تمّ كَسْرها هي أيضاً (في1/9/2019 ) وإلى الأبد.
وبالتالي حين يقول السيّد حسن نصرالله "سنُصلّي في القدس" فهو يقول الحقيقة ومن موقفٍ صلبٍ وتصوّرٍ واقعي. وحين يؤكّد على أن معادلة الردع قد تجاوزناها إلى معادلة قوَّة الردع وقد ثبّتناها ولا يمكن لإسرائيل بعدها أن تدَّعي بالتعتيم عليها مثلما عتَّمت من قبل على وصول طائرات المقاومة المُسيَّرة إلى حيفا خلال حرب تموز 2006 (حسب تصريح لأنيس النقاش).
يمكننا القول بصدقٍ أن حزب الله صار حزباً ليس للبنان وحده بل لكل القوى المُناهِضة للظلم في القارات الخمس. لقد أصبح حزب الله بعنفوان مواقفه الصلبة والحادّة في مواجهة إسرائيل ومَن تحالف معها بصدق، أصبح محورا للمواجهة وليس للمقاومة فقط، حيث اكتسب من خلال الردع النفسي الاستراتيجي ضد إسرائيل أهم نقاط المواجهة من دون أن يُدرِك الأعداء ذلك، بما في ذلك أميركا.
صحيح أن الرئيس الأميركي ترامب يفتخر بأنه تحوَّل إلى قائدٍ إسرائيلي وحامي كيانها وغطرَستها ، حيث بلغ به التهوّر إلى التغريد عبر "تويتر" بأنه "الرئيس الأعظم على الإطلاق لليهود وإسرائيل عبر تاريخ البشرية، وأن الشعب اليهودي في إسرائيل يُحبّه بشدَّةٍ كما لو كان المجيء الثاني للإله''!
ومع هذا الوَهْم فإنه استعطف حزب الله بواسطة بومبيو بعدم الرد على إسرائيل، لكن لا ترامب ولا نتنياهو في الواجهة الصحيحة باستثناء الواجهة الإعلامية وهي بالأساس مُفبرَكة، بدليل أن إيران أسقطت الطائرة الأميركية من دون طيَّار ولم يرد ترامب إلا بالكذب بأنه أسقط طائرة إيرانية بنفس الكذب الذي قاله نتنياهو ضد عملية حزب الله الأخيرة.
وحجزت إيران ناقلة البترول البريطانية أمام مرأى الأساطيل الأميركية والبريطانية في مضيق هرمز ولم تُطلَق رصاصة واحدة من تلك الأساطيل.
إن الجيش الإسرائيلي الذي ظلّ ولسنواتٍ يخترق حدود الدول العربية ويضرب ويعود سالِماً، أصبح اليوم يهرب من مراكزه ومن ضربات المقاومة كما تهرب الأرانب، وهذه من أهم إنجازات المقاومة بعد حرب تموز حيث وضعته في حجمه الطبيعي، بل بات في وضعٍ هو الأسوأ في تاريخ نشوئه.
حلف المقاومة يمتلك اليوم كل القوى بيديه فضلاً عن الحاضِنة الشعبية المُتزايدة يوماً بعد يوم داخلياً وخارجياً، وهنا يُطرَح سؤال مهم: هل أصبحت إيران الإسلامية القوّة الاقليمية يلتجئ إليها المُستضَعفون وقت الحاجة بدلاً من السعودية التي باعت المُقدَّسات الإسلامية في فلسطين، وجهَّزت الإرهاب الطائفي ضد الدول الإسلامية بما فيها فلسطين؟
الأكيد والمؤكَّد أن إيران هي الآن عملاق الشرق الجديد وصوت العالم الإسلامي وإن ادّعى المرجفون غير ذلك وتمسّكوا بالتجييش الأميركي الإسرائيلي ضدّها. لقد أفشل حزب الله مع حلف المقاومة مُخطّطات الإرهاب الأميركي الإسرائيلي ووكلائهما العسكريين في المنطقة برغم الحصار وبرغم الفتاوى التضليلية ضدّهما.
من المؤكَّد أن التاريخ المُشتِعل بمحور المقاومة هو التاريخ الذي سوف يضع إيران مع المقاومة في الصفوف الأولى بالإعصار الاستراتيجي صوب الإرهاب السياسي والعسكري الأميركي. إن محاولة توريث الخوف الذي أرادته أميركا ضد إيران وبالتالي ضد حزب الله انقلب عليها، فقد هُزِمَت في العراق وأُحيلت سياستها على التقاعد فيها وفي بعض دول الخليج ممّا تعدّها من رعاياها كالإمارات والبحرين والسعودية، ما دفع بالرئيس ترامب إلى التوهّم بالانتصار في حروبٍ اقتصاديةٍ ضد العالم، وهو الذي تساءل كالأبله "إن كان بالإمكان تعطيل الأعاصير التي تتشكَّل فوق السواحل الإفريقية عبر إلقاء قنبلة نووية في عين العاصفة"!.
لم يواجه حزب الله "إسرائيل" فقط بل واجه حلفاً يعمل ضدّه في صمتٍ أو من خلف المتاريس، لكنه حلف مشوَّه بالولادة. حلف يبدو أنه يلعب بالنار من دون إدراك لمعنى ما يعتقد ويظنّ، بدليل أن الولايات المتحدة هي مَن طلبت الحرب في 2006 وأرادت نقلها إلى إيران، لكن الهزيمة حالت من دون ذلك حتى أن جون بولتون ممثّل أميركا في الأمم المتحدة وقتها هرع إلى سفيرٍ عربي يطلب منه العودة فوراً إلى مجلس الامن لاتّخاد قرار لوقف الحرب لأن إسرائيل أمام خطر وجودي وشيك. وكان يشير من وراء ذلك إلى قوَّة حزب الله، وكان ردّ حزب الله بالقول على لسان الروائي إدواردو غاليانو'' لا، لأنانية الأقوياء الانتحارية، الذين حوَّلوا العالم إلى ثكنةٍ واسعةٍ''.
ثمّة إذاً إيمان لدى إيران بقوّتها الأخلاقية والدينية والعسكرية في الظاهِر منها والباطِن. هي أيضاً مع المقاومة في فلسطين ما استطاعت بل ينظر إليها على اعتبارها الجزء المهم في حلف المقاومة بل الأساس فيه. مواقفها أحبطت كل المؤامرات التي حيكت ضد المنطقة سواء أكانت بأصابع إسرائيلية أو داعشية، بل مرَّغت أصابع الجميع في أوحال الخطأ.
كل التهديدات الأميركية بالحرب ضد إيران بسبب مواقفها أو بسبب حزب الله قوبِلَت من إيران بكلمة "لا نريد الحرب وإن فُرِضت علينا فنحن لها بالمِرصاد". ثقتها بالمواجهة هي نتيجة وعي ثقتها القائمة على عاملين إثنين: "القوَّة العسكرية والشجاعة الروحية" أو "ثقافة المقاومة والتضحية والاستشهاد" كما يؤكِّد محمّد جواد ظريف.
هذه المواقف تجلَّت في إسقاط طائرة من دون طيَّار من أعزِّ الصناعة الأميركية وبسلاحٍ مهم ومن إنتاج الصناعة العسكرية الإيرانية. هنا تأكَّد لأميركا أن زمن الخوف منها أو من إسرائيل قد ولَّى مثلما ولَّى زمن الغطرَسة الإسرائيلية بأنها القوَّة التي لا تُهزَم وقد هُزِمَت في عُقر دارها. إن ما يقوله سماحة السيّد حسن نصرالله حقيقة وليس لعبة إعلامية ومفاده أنه بشجاعة المقاومة وترسانتها العسكرية الجهادية قادر على تحقيق ما يؤمن به.
إن قوَّة التاريخ الجهادي مثل قوَّة الجغرافيا صلابة وإن تمسّك المقاومة بالأيمان الديني هو نِتاج هذا الالتقاء المُبدِع بين التاريخ الجهادي الإسلامي، والموقف الراصِد والثابِت، والمؤكّد أن أية حرب ضد إيران هي حرب ضد حلف المقاومة وأن حزب الله جاهز لها، وقد أكّدت هذه الجهوزية العملية الأخيرة ضد المركبة العسكرية الإسرائيلية من داخل العُمق الإسرائيلي وقد دُمِّرت بمَن فيها.
بالتالي "لم تعد هناك خطوط حمر" إسرائيلية طالما تباهت بها إسرائيل، والسيّد نصرالله في الموقف الإسرائيلي العام والخاص لا يُطلِق شعارات فارِغة، فحين يقول يفعل بما يؤمِن به، وبمُراجعةٍ بسيطةٍ لما يجري من خِصام بين العسكريين الإسرائيليين يتَّضح جلياً أن الخوف من حزب الله بلغ ذروته.
في هذا الإطار يوصي نائب قائد الفيلق الشمالي في الاحتياط العميد احتياط موشيه تشيكو تامير قائلاً "إن كانت لديّ أية توصية أقدّمها للمسؤول الذي يُجهِّز نفسه اليوم فهي: قدر ما اعتقدت أن الأمر سيكون سيِّئاً فكّر أنه سيكون أسوأ واستعدّ حقاً للسيناريو الأخطر". ويشرح رئيس شركة الكهرباء الإسرائيلية اللواء احتياط يفتاح رون تال "نحن نتحدَّث عن ثلاثة عناصر استراتيجية قد تتضرّر: الأول هو خزّانات الوقود، الثاني، محطّات الطاقة، الثالث هو نقل التيار الكهربائي"، موضحاً "نستطيع تخزين كل شيء، المياه، الطعام، الأدوية، لكننا لا نستطيع تخزين الكهرباء". إذن حزب الله قوَّة ردع ولا مجال للعب بالنار معه.