كيف بات الوجود المسلح في جرود القلمون من الماضي؟
السؤال الذي يطرح نفسه، هل اتخذ قرار معركة جرود عرسال والمناطق المقابلة في جرود فليطة والجراجير؟ وهل سينسق الجيش اللبناني مع نظيره السوري والمقاومة؟ مما لا شك فيه أن قرار المعركة وإنهاء وجود المسلحين في المناطق المشار إليها قد اتخذ من قبل الجيش السوري والمقاومة، وخلال وقت قريب جداً، وبخاصة أن هذه العملية تستهدف، في مرحلة أولى، جرود فليطة والجراجير من الجانب السوري وأعالي جرود عرسال في الجانب اللبناني لعدم إحراج الجيش في حال لم يحصل التنسيق بين الجانبين.
وكانت عرسال أبرز منصات العدوان على سوريا، فاستضافت آلاف المسلحين داخلها وفِي جرودها، وأُمنت لها التغطية السياسية والإعلامية، وجرى مَدُّها بكل احتياجاتها اللوجستية (عتاد، ذخائر، أسلحة، تموين وأموال). وبقيت هذه التغطية مؤمنة ومستمرة حتى بعد الإعتداءات المتكررة التي قام بها المسلحون على مراكز الجيش ومواقعه ودورياته منذ العام 2012 وصولاً إلى العام 2014، حيث اجتاحت مجموعات كبيرة من المسلحين في 2 آب/أغسطس مواقع الجيش اللبناني واستشهد عدد كبير من الضباط والعسكريين واختطف عدد آخر لا زال بعضهم في الأسر لدى داعش حتى تاريخه. لقد كبّل القرار السياسي حركة الجيش، ومنعه من الحسم. ودفنت الحكومة اللبنانية رأسها في الرمال، ولم تُرِد أن تظهر الأمور على حقيقتها. وبعد أن أعلن وزير الدفاع اللبناني وقتها "نقولا غصن" عن وجود "القاعدة" وأخواتها من المجموعات الإرهابية في عرسال وجرودها، عارضته مراجع رسمية وعسكرية، وأصرّت أنه لا وجود للإرهاب في عرسال، لتستمر تغطية مسلحي الجرود ودورهم باعتبارهم معارضة سورية. لاحقاً، وبالرغم من الضوء الأخضر الذي أُعطي للجيش في صيف العام 2015 لإنهاء الوجود المسلح في عكار وطرابلس بموافقة أميركية، خشية قيام إمارة إسلامية متطرفة في شمال لبنان وعلى ضفة المتوسط الشرقية، لم يسرِ هذا الأمر على عرسال باعتبارها حاجة ملحّة لاستهداف الجيش السوري والمقاومة، ودعم المسلحين داخل سوريا، لأن عرسال، وبموقعها الجغرافي المميز، كانت القاعدة الأمثل لضرب خاصرة سوريا في وسطها (حمص) ولإمداد المسلحين بالعتاد والرجال في القلمون وسائر أرياف دمشق. بعد استعادة الجيش السوري وحلفائه لمعظم محافظة حمص وسيطرتهم على القلمون الغربي ووادي بردى ومعظم السلسلة الشرقية، أصبح المسلحون في جرود عرسال والجهة المقابلة في الجانب السوري مطوقون من كل الاتجاهات. وانعدم تأثيرهم على مسرح العمليات في سوريا، وتقلّص تأثيرهم الأمني على الساحة اللبنانية، بعد أن قطع الجيش اللبناني والمقاومة كل خطوط إمدادهم باتجاه الداخل اللبناني، واستطاعت الأجهزة اللبنانية، وبالأخص استخبارات الجيش، من توقيف والقضاء على عدد كبير من قياداتهم وعناصرهم في عرسال، وتوقيف عشرات الخلايا التابعة لهم في مناطق لبنانية أخرى. بعد العملية الإستباقية الجريئة للجيش اللبناني نهاية حزيران/يونيو الماضي، والتي استهدفت إرهابيين يتخذون من مخيمات النازحين في عرسال ستاراً لعملياتهم الإرهابية، شُنَّت حملة شعواء على الجيش من قبل قوى سياسية بعينها، مستعيدة نفس الخطاب السابق المتحامل على الجيش والمتعاطف مع المسلحين تحت عناوين واهية، من مثل الحفاظ على حقوق طائفة بعينها أو التلطي وراء شعارات حقوق الإنسان. لكن هذه الأصوات خبت فجأة بعد أن هبط عليها الوحي الخارجي (أميركي أو سعودي لا فرق)، تماماً كما حصل خلال حملة الجيش على الإرهاب في منطقة الشمال أواخر العام 2015. بالمقابل لا تزال هذه القوى تعترض على أي تنسيق مع الحكومة السورية سواء بشأن أي عملية مخططة ومنسقة مع الجيش العربي السوري أو المقاومة لطرد المسلحين من الجرود. من جهته لم يتردد الرئيس ميشال عون من تقديم الغطاء السياسي الكامل لقائد الجيش العماد جوزيف عون للتحرك الميداني. وأبلغ الجميع أن المؤسسة العسكرية لا تحتاج أي غطاء سياسي للقيام بما يلزم لحماية مواقعها والقرى اللبنانية الموجودة في المنطقة. هذا الموقف الحازم للرئيس عون كان أحد أسباب تعديل الرئيس الحريري لمواقفه وإعلانه عن دعم الجيش للقيام بعملية "مدروسة" في الجرود ..؟ ولعل السبب الأهم لموقف الحريري، هو الموقف السعودي، وهو بحسب المراقبين رفع "الخطوط الحمراء" التي كانت مرسومة سابقاً بشأن عرسال وجرودها، وهو موقف مستجد يرتبط بالخلاف السعودي-القطري، والرغبة السعودية في استئصال كل الجماعات المرتبطة بالاستخبارات القطرية سواء في سوريا (الغوطة الشرقية وإدلب) أو في جرود عرسال.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل اتخذ قرار معركة جرود عرسال والمناطق المقابلة في جرود فليطة والجراجير؟ وهل سينسق الجيش اللبناني مع نظيره السوري والمقاومة؟ مما لا شك فيه أن قرار المعركة وإنهاء وجود المسلحين في المناطق المشار إليها قد اتخذ من قبل الجيش السوري والمقاومة، وخلال وقت قريب جداً، وبخاصة أن هذه العملية تستهدف، في مرحلة أولى، جرود فليطة والجراجير من الجانب السوري وأعالي جرود عرسال في الجانب اللبناني لعدم إحراج الجيش في حال لم يحصل التنسيق بين الجانبين. وتتوقف نتائج المعركة على احتمالات التنسيق التي يمكن أن تتخذ أبعاد ثلاثة: الأول، عملية مخططة ومنسقة بين الجيش السوري والمقاومة والجيش اللبناني من خلال غرفة عمليات مشتركة، وفِي هذه الحال ستحسم المعركة في وقت قصير جداً لا يزيد على بضعة أيام وستنهار صفوف المسلحين سريعاً تحت ضغط هجوم شامل من ثلاث اتجاهات، وتفوق ساحق في القوى والنار لمصلحة الجيشين والمقاومة. وهذا الاحتمال ينقصه التنسيق الميداني الشامل الذي يرتبط بالتنسيق السياسي بين الحكومتين، وهو أمر غير متوقع في المدى المنظور. الثاني، تنسيق عسكري محدود بين الأطراف الثلاثة وهو أمر قائم حالياً، وهذا التنسيق سينحصر بتبادل المعلومات، وتحديد القطاعات المسؤولية لعدم حصول تضارب في المهام والمسؤوليات قد تؤدي إلى صدامات غير محسوبة. وفِي هذه الحال، سيتم حسم المعركة أيضاً، ولكن في وقت أطول نسبياً وخسائر أكثر نسبياً، لأن التنسيق المحدود لا يقفل كل الثغرات التي يمكن أن تستجد خلال المعركة، وهذا الاحتمال هو الأكثر ترجيحاً. أما الاحتمال الثالث، فهو تنسيق محدود كالسابق، فيقوم الجيش اللبناني من جهته باتخاذ إجراءات دفاعية لمنع المسلحين من الإنسحاب غرباً باتجاه المخيمات، أو باتجاه عرسال، مع ما يشكله ذلك من خطر لاحق على المخيمات نفسها أو القرى المحيطة أو حتى على مراكز الجيش. كما سيستفيد المسلحون من بقعة الحيطة التي ستبقى قائمة حتماً بين مواقع الجيش غرباً ومواقع المقاومة شرقاً لعدم حصول تماس بين الطرفين. وهذا الاحتمال، تدحضه المواقف المسؤولة والشجاعة لقائد الجيش التي عبّر عنها خلال زيارته للمواقع الأمامية خلال اليومين الماضيين وتأكيده أن الجيش لن يتوانى في اتخاذ كل ما يلزم لحماية مناطق مسؤوليته. كما أن مواقف فخامة الرئيس الداعمة للجيش تشكل الغطاء الملائم لأي تحرك ميداني يقوم به الجيش تحقيقاً لأهدافه في إبعاد المسلحين عن القرى، وصولاً إلى إخراجهم من المناطق اللبنانية المحتلة من قبلهم.