عوامِل زوال إسرائيل
قدّر وزير الدفاع الإيراني أن إسرائيل ستزول خلال ربع قرن، وأنا تقديري أن إسرائيل ستزول قبل ذلك، وهناك من العوامِل العسكرية والأخلاقية والاجتماعية والأمنية ما يمكنني من دعم تقديري. وفي ما يلي أهم العوامل التي تدعم قولي في تقويض هذه الدولة وزوالها:
أولاً: الفساد ينخر جسد إسرائيل وهو يتفشّى بسرعة في كل أوصال الدولة، وفي كل ركن وزاوية. الرشوة تنتشر، والمنافِع المادية الذاتية تُسيطر على عقول الناس. السياسيون فاسدون، وهم يعملون على تدعيم مصالحهم الشخصية ولديهم الاستعداد لتفضيل هذه المصالح على مصلحة الدولة. وهم يساهمون مباشرة في إفساد مؤسّسات الدولة والتعامُل بالوساطات والمحسوبيات دعماً لمَن والاهُم على حساب مَن لا يُواليهم. كما أن تحالفاتهم السياسية مُتموّجة ولا تستقرّ عند مبدأ. وأشدّ ما يهمّهم هو الاستمرار في الحُكم ولو كان على حساب المصالح العُليا للدولة. الناس أيضاً فاسدون، أو يجنحون نحو الفساد، وأخلاقيات مرحلة بناء الدولة قد تراجعت بصورة حادّة، وأصبحت المصالح الشخصية هي التي توجّه اهتمامات الناس وتصرّفاتهم وتوجّهاتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومنظومتهم الأخلاقية.
الفساد آفة كبيرة كفيلة بانهيار المجتمع ومن ثم بانهيار الدولة. الفساد يولّد المُنافسات التآمرية والمُخاصمات، ويُذكّي نيران الأحقاد والبغضاء والكراهية العمياء، ويضع الناس بعضهم ضدّ بعض. إنه يضعف الثقة بالذات وبمؤسّسات الدولة على مختلف أطيافها الأمنية والعسكرية والثقافية والاجتماعية. وإذا غابت عوامل الثقة المُتبادَلة بين الناس، وسادت علاقات الشكّ المُتبادَل فإن القدرة على العمل الجماعي والتعاون المُتبادَل ستنهار، ومعها تضعف الدولة وتذوي وتزول. ثانياً: كما هو مبني في البند أعلاه، الدولة لم تعد تلك التي كانت في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، والجيش لم يعد ذلك الجيش العقائدي المُتماسِك والقادر وصاحب المعنويات العالية. شهدت مرحلة بناء الدولة نفيراً بين كل أوساط الغُزاة الصهاينة، وكان العمل الجماعي في أوجه، وكذلك التفاني والإخلاص والصدق، أما الآن فالتحوّلات كبيرة وواسعة، ولا يبدو أن فرامل المحافظة على أوضاع سابقة تعمل بشكل جيّد، ولن تعمل.
ثالثاً: إسرائيل لا تملك البُعد الجغرافي والسكاني الاستراتيجي الذي يؤهّلها لمواجهات عسكرية وأمنية طويلة الأمد. إنها صغيرة بالمساحة الجغرافية ويمكن تغطيتها بسهولة بصواريخ ومدافع تقليدية وتدمير مختلف منشآتها وأسُسها الاقتصادية. وهي أيضاً صغيرة بعدد السكان، ولا تملك الزخم البشري الضروري لمواجهة زخم عربي وإسلامي هائل. هي حتى الآن اعتمدت على أنها الأكثر نفيراً، والعرب الأكثر عدداً. والنفير أكثر بكثير من الناحية الكيفية من الأعداد الكبيرة المُتجمّعة. والنفير الإسرائيلي يتفكّك على مدى السنوات السابقة أو بالتحديد منذ العام 2000 عندما هرب الجيش من جنوب لبنان. وواضح هذا التفكّك في عدم قدرة الجيش على تحقيق نصر ضد حزب الله عام 2006، وضد حماس والمقاومة الفلسطينية أعوام 2008/2009، 2012 و 2014. هذا الجيش الذي قيل عنه إنه لا يُقهَر، قُهِرَ في أربع حروب مُتتالية.
رابعاً: البُعد الاستراتيجي الوحيد الذي كانت تعتمد إسرائيل عليه في حروبها هو الأنظمة العربية. إسرائيل اعتمدت على خيانة الأنظمة العربية لشعوبها، وعلى تعاون هذه الأنظمة معها وتزويدها بالمعلومات الضرورية لخوض حروب ناجحة. وقد ارتبط مصير العديد من هذه الأنظمة بوجود إسرائيل، وكان من المصلحة الخاصة لكل نظام أن يُقدّم لإسرائيل ما يلزم من خدمات أمنية ومعلوماتية لضمان بقائه. كان حُكام العرب يرسلون أبناءنا الجنود إلى الجبهات لكي يُقتَلوا ويُهزَموا. هذا البُعد الاستراتيجي مُصاب الآن بخلل كبير لأن الأزمات التي يمر بها الوطن العربي بخاصة في سوريا والعراق قد كشفت الكثير من الأمور الباطنية في الساحة العربية، وسجّلت فرزاً ميدانياً عرّى أصحاب إسرائيل ووضع الآخرين أمام مسؤولياتهم. هناك أنظمة عربية وقفت إسرائيل ضدّها، لكن هذه الأنظمة لم تكن فاعلة حقاً ضدّ إسرائيل، وكانت تكتفي بتقديم دعم لقوى المقاومة أو تقديم بعض الأموال. أما الآن فلن يعود بمقدور الخونة الوقاحة في دعم إسرائيل، ولن يكون بمقدور الأنظمة الأخرى التوقّف عند حدود رفض إسرائيل. على الرغم من أن داعش وإخوانه قد ألحقوا الكثير من الدمار والخراب في دول عربية، لكنهم هزّوا الأنظمة العربية ودفعوها نحو إعادة التفكير في الخطابين السياسي والعسكري. هذا فضلاً عن أن بعض البلدان العربية ستشهد تحوّلات سياسية جوهرية على أنظمة الحُكم وعلى الدساتير والقوانين وقواعد التربية الجماهيرية والتثقيف والتوعية. التخاذل العربي سيشهد حال فرملة، وموجة التطبيع القائمة حالياً مع إسرائيل ستجد مَن يردعها، أو أن مناخاً مُعادِياً في الساحة العربية سيتطوّر ضد المُطبّعين والمُتحالفين مع إسرائيل.
خامساً: نتيجة لأعمال داعش في سوريا، إيران أصبحت أكثر قرباً من حدود فلسطين الانتدابية المحتلة/48، وحزب الله أصبح أكثر قوة وأعمق خبرة، والجيش السوري تحوّل بسرعة هائلة نحو الحداثة، ونحو توعية وطنية أكثر عمقاً مما كان عليه الأمر سابقاً. لقد نجحت داعش بتحقيق هدفين لمشغّليها وهما تدمير سوريا والإساءة الشديدة للفكرة الإسلامية، لكنها فشلت في كل ما كان يمكن أن يخدم الأمن الصهيوني وفكرة الشرق أوسط الجديد وتقسيم سوريا. لقد انتهت الحرب مع داعش إلى تعزيز الجبهة اللبنانية بجبهة سوريّة ما زالت قيد التطوير وذلك من ناحية الجولان وجنوب غرب سوريا الصغرى. فإذا كانت إسرائيل عاجزة عن تحقيق نصر على مستوى جبهة جنوب لبنان، فهل ستتمكّن من تحقيق نصر على جبهة أوسع؟
سادساً: المقاومتان اللبنانية والفلسطينية تزدادان قوة مع الزمن، وهما أفضل تسليحاً وأفضل تنظيماً وتدريباً وانضباطاً، وأشدّ تحصيناً من الناحية الأمنية. وقدرات المقاومتين الإليكترونية تتطوّر بتسارُع، وسيتم نقل الكثير من الأسرار التقنية من جنوب لبنان وإيران إلى غزّة.
سابعاً: المنطقة ستشهد تضافر دول وجهات مُتعدّدة للعمل معاً في مواجهة إسرائيل. ومهما بلغت قوة إسرائيل العسكرية لن تستطيع مواجهة هذا الجسم الجديد الذي لم تشهد له المنطقة مثيلاً على امتداد العقود السابقة. حماس لم تنخرط بقوة حتى الآن في هذه العملية التضافرية، لكن الواقع سيفرض نفسه، ولن تجد أمامها خياراً إلا العمل مع كل المُتضافرين.
هذه كلها عوامل نشطة الآن على الساحة العربية والإسلامية، وتفاعلها يرفع من درجة التوتّر الإسرائيلي والأميركي. أميركا ترى نفوذها يتقلّص وهزائمها تزداد، وفي ذلك ما يُقلق إسرائيل ويرفع من منسوب مخاوفها. ومهما بلغت قوة إسرائيل العسكرية تبقى كل الأراضي التي تحتلها تحت مرمى النيران التي لم تعد تنهال على العرب فقط. فهل ستُعَمِّر إسرائيل خمساً وعشرين سنة أخرى؟ لا بإذن الله.