تأملات حزينة في مشروع قانون إهانة الرموز

حدث في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 أن أحال الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، مشروع قانون من الدكتور عمر حمروش أمين سرّ لجنة الشؤون الدينية والأوقاف و59 نائباً آخرين، بشأن تجريم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية، إلى لجنة مشتركة من لجنتي الشؤون الدستورية والتشريعية والإعلام والثقافة والآثار، وذلك لمناقشته وإصدار القانون الذي يلاحق كل مَن يهين رمزاً تاريخياً.

مجلس النواب المصري يناقش مشروع قانون إهانة الرموز (صورة أرشيفية)

نعم هي تأمّلات حزينة في واقع مضطرب، ذلك أنه وفي خطوة مُفاجئة ومُدهشة ومُربكة، وسوف تؤسّس لمأساة جديدة، وإن كانت تتّسق مع المناخ العام التدريجي للدولة الدينية في مصر، فقد حدث في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 أن أحال الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب، مشروع قانون من الدكتور عمر حمروش أمين سرّ لجنة الشؤون الدينية والأوقاف و59 نائباً آخرين، بشأن تجريم إهانة الرموز والشخصيات التاريخية، إلى لجنة مشتركة من لجنتي الشؤون الدستورية والتشريعية والإعلام والثقافة والآثار، وذلك لمناقشته وإصدار القانون الذي يلاحق كل مَن يهين رمزاً تاريخياً.

وأشار النائب المحترم إلى أن الداعي للقانون وجود إصرار في التهكّم على الرموز والشخصيات التاريخية، أما مواد القانون فهي تجرِّم التعرّض بالإهانة لأي رمز تاريخي، ففي المادة الأولى من مشروع القانون يُحظَّر التعرّض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقاً لما يحدّده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له، والمادة الثانية يقصد بالرموز والشخصيات التاريخية الواردة في الكتب والتي تكون جزءاً من تاريخ الدولة وتشكّل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقاً لما اللائحة التنفيذية له، والمادة الثالثة: يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 500 ألف كل من أساء للرموز والشخصيات التاريخية، وفى حال العودة يُعاقَب بالحبس بمدة لا تقلّ عن 5 سنوات ولا تزيد عن 7 وغرامة لا تقلّ عن 500 جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه، أما المادة الرابعة فتنص على أن يُعفى من العقاب كل من تعرّض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرّفات والقرارات وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية... هذه أهم بنود مشروع القانون، والهدف المُعلن عنها منع الفتنة، أما الهدف كما نراه سيتضّح لنا في آخر هذا المقال.

ولنا أن نتساءل ببراءة المكبوتين، ما هي الإهانة وما معنى الرمز ونوع الرمز، وكذلك معنى التاريخية، ثم الأهم ما هو المقصود باللائحة التنفيذية، وكلها أسئلة مشروعة في ظلّ واقع بائِس من تفكير نوّاب الشعب وعُلماء الوطن الدينيين، وهم الذين قد يجدّدون الخطاب الديني، والغريب أنهم تركوا تحديد الرموز الدينية للائحة التنفيذية، وعلينا انتظارها.

من الطبيعي أننا لن نجد فيها الرموز المصرية القديمة مثل أوزوريس وإيزيس وحورس وإخناتون ورمسيس أو كليوباترا أو حتشبسوت مثلاً، فهم في العُرف الديني الشائع لا يمتلكون حصانة من الإهانة، رغم أنهم رموز مصرية صميمة، يفتخر بها المصريون ولكنهم لا يحصّنوها من الإهانة، كذلك لا يشمل إهانة الرموز من الفنانين مثل أم كلثوم ومحمّد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش ومحمّد فوزي وبليغ حمدي ونجيب الريحاني وباقي تلك الكوكبة المُضيئة في سماء مصر والعالم العربي، ورغم ذلك فتلك الرموز غير مُحصّنة من الإهانة، وبالتالي لا نعتقد أنها ستشملهم، مثلما لا تشمل ملوك مصر القدامى، بل إن التيار الوهّابي يكفّر كل هؤلاء الفنانين، ويقولون عن الحضارة المصرية القديمة إنها حضارة عَفِنة، ولهم رؤية لهدْم أهرامات الجيزة بحجّة الشرك والوثنية، من دون أن يردعهم قانون إزدراء الأديان، ولم تشكمهم أية سلطة، ونعتقد أن مشروع القانون بعد إقراره سيستبعدهم من لائحته التنفيذية.

ومن هنا نحاول الوصول لفهمنا للمقصود للرموز، نجد أنها ستكون رموزاً سياسية-وطنية، أو دينية-تاريخية، وهنا يحدث الخلط والهطل السياسي والتخريف الديني، فمثلاً الأخوة من الناصريين لا ينفكّون يهينون رمزاً هو شخصية الرئيس أنور السادات، ويوجد مَن يعتقد أن جمال عبد الناصر ديكتاتور وأنه رجل الهزيمة، ونقيس على ذلك الرأي في أحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وكلهم رموز وطنية سياسية، تعرّضوا للنقد الذي يصل إلى حد التجريح والإهانة، ولا ننسى تكفير السلفيين لمحمّد علي ومحمّد عبده وطلعت حرب وطه حسين وعلي عبد الرازق ونجيب محفوظ، وكل رموز التنوير الوطني، فما السبيل لتطبيق القانون على مَن يهينهم، وهو سؤال استنكاري بحت، لأنه لا يوجد شخص يتّفق عليه البشر، حتى الأنبياء، والقرآن الكريم دائماً ما يردّد "ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون ولا يعقلون"، إذن لا يمكن منح العصمة لمن يسمّيهم البعض أنهم رموز، ويقودنا هذا الأمر للحيرة، هل نعتبر صلاح الدين الأيوبي رمزاً دينياً لا يجوز إهانته أم تاريخياً سلطوياً يجوز نقده وإهانة سمعته، كما فعل إبن الأثير في تاريخه عن صلاح الدين، ومع صلاح الدين الظاهر بيبرس وكل سلاطين وخلفاء وأمراء ورؤساء المسلمين طوال تاريخهم، مثلاً البعض يرى معاوية بن أبي سفيان رمزاً معصوماً من النقد والإهانة، ولكن الإمام علي بن أبي طالب تعجّب ممن يمدح دهاء معاوية، فقال كما في كتاب نهج البلاغة "والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس"، إذن أهان الإمام علي معاوية، ومن حقّنا أن نؤيّد رأي الإمام، ولكن القانون المُزمَع طرحه ومناقشته يجعل معاوية معصوماً من النقد والإهانة، وكذلك هناك مَن ينتقد عثمان بن عفان وعمرو بن العاص وطلحة والزبير وغيرهم، ونرى أن النقد الموضوعي لا يمثّل أية إهانة لأيّ إنسان، ثم نصل إلى الرموز غير الإسلامية مثل الإساءة للرموز المسيحية مثل بولس ويوحنا ومتّى، فضلاً عن إهانة قضية الصلب والصليب وهي صلب العقيدة المسيحية، وهي إهانات مستمرة على الدوام من شيوخ سلفيين وأزهريين على السواء، ولم يردع قانون ازدراء الأديان من محاكمة شيوخ الوهّابية في مصر بتهم ازدراء العقائد المسيحية والصوفية والأشعرية والشيعية، ومن ثم لا يمكن ردعهم بقانون الإهانة، كما يهين الشيوخ كل العلمانيين والماركسيين واللبراليين من فوق المنابر وفي الفضائيات.

إذن لا يتبقّى من الهدف من القانون سوى محاكمة المفكّرين والكتّاب، أولئك الذين يتصّدون لمشروع الدولة السلفية الوهّابية المُتغلغلة  في عقول أهل النقل، وهي حرب قديمة متجدّدة، دائماً ما ينتصر فيها أهل التشدّد، ونلاحظ أن الحضارة الإسلامية ازدهرت فقط عندما نبغ العقل وساد، ويسود الظلام الديني والثقافي عندما يتحكّم أهل النقل والجمود، تماماً كما يحدث هذه الأيام، أما البند الذي ينصّ على أن يُعفى من العقاب كل مَن تعرّض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرّفات والقرارات وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية، فهو تمحك ديني بهدف براجماتي، لأن الباحثين بمنطق القانون لابد من أن يحصلوا على صك براءة من الجامعات ومراكز الأبحاث الحكومية أنهم يبحثون علمياً فيحق لهم إهانة هذا الرمز أو ذاك، وهو ما لن يحدث، خاصة أن معظم الناقدين والباحثين البارزين لم يكتبوا بصفتهم الأكاديمية، بل بجهودهم الفردية البحثية، مثلما كتب طه حسين "الفتنة الكبرى"، وخالد محمّد خالد "أبناء الرسول في كربلاء"، وعبد الرحمن الشرقاوي "الحسين ثائراً وشهيداً"، وجمال البنا "جناية قبيلة حدثنا"، وغيرهم كثيرون يفوقون الحصر تعرّضوا بالنقد للصحابة، ولكتب الصحاح مثل البخاري ومسلم، وهو نقد عنيف يصل إلى حد الإهانة، وهو ما تعرّض له مؤخّراً بقانون الازدراء إسلام بحيري ومحمّد نصر المشهور بميزو، ونرى أن قانون الإهانة هو شرّ قد اقترب ، علينا مُناهضته قبل إقراره حتى لا نتعرّض لمآسيه المتوقّعة..