ما الذي ينتظره السوريون من سوتشي؟

من المنتظر أن تركّز عملية سوتشي، ولا بد من أن تكون على جولات عديدة، على تظهير ما تحقّق في الميدان، من مكافحة للإرهاب، ومصالحات، واتفاقات لخفض التوتر، وضمانات عملية إلخ، خلقت "استقراراً" في أجزاء كبيرة من سوريا، والتأكيد على أوسع مشاركة ممكنة من فواعل وتكوينات وشرائح المجتمع السوري، والتركيز على أن الهدف الرئيس هو التوصّل إلى حل سياسي، يضمن صيغاً دستورية معقولة، وقوانين انتخاب، وإجراءات لبناء الثقة، وجبر الخواطر، وعودة اللاجئين، والمساعدات، وإعادة الإعمار إلخ.

خبرة الحروب والأزمات الكبرى تدل على أن الأمل سلاح، أحياناً ما يفوق في قدرته وتأثيره أي سلاح آخر

من مفارقات الأزمة السورية، أن الحقيقةَ والوهمَ متماثلان في وجودِهِما وربما في قوّتهما؛ والمشكلة أن عمليةَ جنيف لا صلةَ لها بالواقع تقريباً، لكنها مُستمرة بقوة العطالة، وجري العادة، والضغوط الغربية، ولذا لم تصبح ماضياً؛ كما أن عملية سوتشي تنطلق من واقع ميداني صريح، وتفاهمات والتزامات قوية، لكنها لم تكتسب بعدُ الإقرار بـ "شرعيّتها" أو لم تحقّق الاعتمادية اللازمة.

وفي ظل جمود عملية جنيف، وإصرار المعارضة وخاصةً ما يُعرَف بـ"جماعة الرياض" – وإلى حدٍ ما حلفاؤها- على مواقف نَصِّيّة (من نص)، قُل: "سلفية"، أي تمسكها بما كان من بيانات وخطب في بداية الحرب، مثل بنود جنيف1، وانفصالها عن الواقع، وتعلُّقُها بما كان في الماضي، والتمسّك برحيل الرئيس بشّار الأسد، فهذا لم يعد له أي معنى سوى التمسّك بـ الوهم؛ فلا بد والحال كذلك من أن اختلاق بدائل أكثر واقعية وأكثر قدرة على التعاطي مع انحباس جنيف والاستجابة لتحدّيات الأزمة.

المشاغبة على عملية سوتشي تعني أن الظروف لم تنضج بعد لوضع الأزمة في سوريا على طريق الحل، وأن إيقاع الحل الممكن لن يكون أسرع من إيقاع الحرب منذ آذار/ مارس 2011، وإذا ما تُركت الأمور لمسار جنيف وحده فسوف تطول كثيراً، ولن تصل إلى شيء. وكان من الواضح أن جنيف 8 كان "من دون روح"، ومن دون توافر الإرادة لفعل شيء، سوى محاولة المعارضة وحلفاؤها تعطيل مسارٍ بدا أكثر جدية في التعاطي مع الأمور. وقد ذهب الوفد السوري إلى جنيف 8 ليقول إن الوضع في سوريا مختلف تماماً، وإن عملية جنيف تتطلّب الانطلاق من الواقع الجديد في سوريا، ومن العملية المزمعة في سوتشي.

الواقع أن عملية سوتشي بدأت بالفعل، وقد تَضمَّنَ الإعلانُ المشترك لرؤساء روسيا وإيران وتركيا 25 تشرين ثاني/ نوفمبر 2017، أطراً عامة وتفاهمات وتوافقات وإجراءات عملية لبدء مؤتمر للحوار بين السوريين يتناول قضايا الدستور والانتخابات وغيرها. وقد قيل إن الرؤساء توافقوا على أدق التفاصيل بالنسبة للمؤتمر، وإن وزارت الخارجية والدفاع وأجهزة الاستخبارات تقوم بما يلزم لتيسير ما تم الاتفاق عليه.

من المفترض أن روسيا وإيران وشركائهما قاموا بمراجعة للأسباب التي أدت إلى تأجيل المؤتمر، وقد صدرت تقديرات كثيرة حول ذلك، ما يخصّ تركيا أحد الشركاء الضامنين، التي حاولت الانقلاب على تفاهمات قمة سوتشي، ولكنها عادت سريعاً إلى صراط تلك التفاهمات، مع خيبةٍ واضحة؛ والولايات المتحدة الحاضرة في كل ما يتصل بالأزمة السورية، وغير الراضية بالتمام عما يجري، ولكنها لا تمتلك بدائل جدية لمناهضته وتقويضه؛ ومثل ذلك بالنسبة لطبيعة المدعويين للمؤتمر، وجدول الأعمال، والأوراق الخلفية (إن كان ثمة شيء من هذا)، والأمور الإجرائية، بما يضمن تحقيق مخرجات يمكن التعويل عليها في مسار الحل.

من المنتظر أن تركّز عملية سوتشي، ولا بد من أن تكون على جولات عديدة، على تظهير ما تحقّق في الميدان، من مكافحة للإرهاب، ومصالحات، واتفاقات لخفض التوتر، وضمانات عملية إلخ، خلقت "استقراراً" في أجزاء كبيرة من سوريا، والتأكيد على أوسع مشاركة ممكنة من فواعل وتكوينات وشرائح المجتمع السوري، والتركيز على أن الهدف الرئيس هو التوصّل إلى حل سياسي، يضمن صيغاً دستورية معقولة، وقوانين انتخاب، وإجراءات لبناء الثقة، وجبر الخواطر، وعودة اللاجئين، والمساعدات، وإعادة الإعمار إلخ.

ومن المنتظر أن يتم التركيز على طمأنة فواعل الأزمة من غير السوريين، من أن طرفاً لن ينفرد بتقرير الأمور، لا روسيا تجاه الولايات المتحدة، ولا إيران تجاه تركيا وحلفاءها، ولا الحكومة السورية تجاه المعارضة، وأن منطق الشراكة هو الحاكم لعملية تريد التوصّل إلى حل، أو على الأقل نقل المشهد من المواجهة بالقوّة والعسكرة إلى المواجهة بالسياسة.

ثمة تحديات وعُقد والتواءات تواجه عملية سوتشي، تتطلّب المزيد من "الطَرْقِ" و"التَصْفيح"، على البارد وعلى الحامي، بحسب التعابير الدارجة هنا في سوريا، ذلك أن العمليات العسكرية كانت ضرورية ومفيدة، ولكنها غير مُمكنة دوماً، وقد لا تكون مُتاحة أو مُناسبة في كل الأحوال، ولا بد من المعالجة المديدة، وتهيئة الظروف والمسارات البديلة لخلق استعدادات جدية وقابلية تدريجية لدى فواعل الأزمة، لقبول العملية وتمكينها من تحقيق نتائج يمكن التعويل عليها، أو على الأقل عدم إجهاض ما يمكن التوصل إليه.

أجندة سوتشي ثقيلة، وتحدّياتها كثيرة، قد يصعب تناولها كلها، أو حتى مجرّد المرور عليها في جولة واحدة وحتى عدّة جولات، لكن المهم هو المضي في هذا المسار، والأهم هو الأمل، ذلك أن خبرة الحروب والأزمات الكبرى تدل على أن الأمل سلاح، أحياناً ما يفوق في قدرته وتأثيره أي سلاح آخر. ومن المؤلم أن يعيش سوري واحد من دون أمل!