الخليج... بحاجة إلى إيران، لا لإسرائيل

فهل المغرب لديه إمكانية سياسية أو مادية أو عسكريه لمواجهة الجزائر وهو غارق في مشاكل اجتماعية واقتصادية بسبب الحراك الشعبي، وقضية الصحراء جعلها أصلاً لتخويف الشعب المغربي من ذاته على أنها حرب قادمة وربما تميل معها أطراف يئست من النظام الملكي الذي يملك كل شي والشعب ضائع وسط حال اقتصادية واجتماعية لا تفي بأدنى شروط الإصلاح..

ربما أكون مخطئاً - وأرجو أن أكون مخطئاً - إن قلت إن دول الخليج الثلاث المعادية لإيران هي اليوم بحاجة إلى إيران وليست بحاجة إلى أميركا، فقد اتضحت الصورة السيّئة لأميركا وهي تتركهم عُراة بهروبها من سوريا بعد أن حاولت توريطهم في الشمال السوري عسكرياً قصد الابتزاز، وربما تكون قد تحصّلت على شيء منه.. ربما مقولة مون تين الفيلسوف الفرنسي توضح لهم الطريق يقول "الالتجاء إلى الكتب هو كل ما أحتاج إليه كي أطرد الأفكار الكئيبة".

يوضح لهم بالعودة إلى التاريخ كي لا ينزلقوا أكثر صوب التعرية الكلية.. صحيح ليس من الأرجح اعتبار أن الحكمة مستحيلة بل تحديد ظلال المعنى في تعريفها بذاته هو المطلوب. كما يقول أحدهم، فهل يستقر الوعي لديهم على رؤية الواقع بدلاً من رؤى وجودهم في توجّهات الآخر حتى وإن كان عدواً بنصٍ ديني، وهو أصلاً لا يملك من السياسة غير الاحتيال بها لبناء ذاته على أضلع الآخرين أو لتمديد قاعدته الاستعمارية (إسرائيل) نحو العمق العربي والإسلامي.. 

من الممكن إن كنا نتحكّم في الواقع بوعي التوصّل إلى الحقائق التي تمنحنا الحكمة في التصوّر وفي التنفيذ من دون المجازفة بالوقوع في مجاهل سياسة الآخر والاصطفاف معها رغم ما بها من الأغلال تجاههم جميعاً، لابد إذن أن يشعروا وبلا تردّد بأن وضعهم بما هم فيه من تآكل ذاتي والشعور بالخوف ممن يتقاسم الهم الإنساني والإسلامي معنا، يتطلّب الوقوف على الأقل إلى جانب القوى الصاعدة لا إلى جانب القوى المنحدرة بالتأكيد ..

إن كل ما فينا  طبيعي أكثر مما يعتبره بعض الساسة أو الدول، صحيح إن الصداقة المميزة لا تحدث إلا مرة كلّ 300 عام. كما يقول مون تين.. وأن محاولات التجديف على الرمال بدل المياه تبدو أكثر من محاولة العودة إلى الوراء بقرون، بل ربما هي بداية عملية الانسحاب على نحو رأي طفولي في مواجهة التحديات التي كان يمكن تجاوزها لو كنا مهيّئين لمواجهة السؤال المطروح اليوم على الجميع، إيران أم إسرائيل؟ القدس أم الهيكل؟ إن الذين إذا مسّتهم شظايا الخطأ عادوا لحساب ما قد تم تقديمه منهم لفلسطين من سنوات مضت إلى اليوم، كما فعلت الأسبوع الماضي السعودية حيث أحصت 6 مليارات دولار قُدِمَت من سنة 2000 إلى 2018 وهو مبلغ إذا قيس بما قُدّم للمؤسسات الإسرائيلية الإعلامية فقط أقل بكثير، ومما قُدّم لأميركا سراً وعلانية آلاف الأضعاف ما قُدّم لفلسطين، ثم إن ما قُدّم لها ليس صدقة وإن كان جزء منه لشراء الذمم كما حدث مع رئيس وزراء ماليزيا السابق قدّمت له السعودية أكثر من نصف مليار دولار رشوة ولما انكشف الأمر قالوا أنها إكرامية منها لدولة ماليزيا.

هناك سؤال طرحه الشيخ محمّد الغزالي رحمه الله، هل أموال الأوقاف للحرمين الشريفين يحق توزيعها على الأمراء (70 % لهم و30 %للمسجدين) فضلاً عن الأراضي الوقفية التي تباع للأمراء أو توزّع عليهم مجاناً. ولما طرح هذا الأمر رفضوا بقاء الغزالي بينهم فمشى إلى الدوحة ومن هناك إلى الجزائر معزّزاً مكرّماً.. ويبدو إن هذه المجموعة (مجموعة الشر الثلاث) قد دخلت فعلاً مرحلة المواجهة  ضد الذات، وإنها لفي شك مما هي تأمر به أو تتخذه مبدأ في سياستها الخارجية  سواء في ما يعرف بصفقة القرن أوفي تهجّمها اللا أخلاقي على إيران، ومحاولة جر العالم الغربي وأميركا بالتدقيق إلى ضربها عسكرياً، أو في محاولات توصيف حزب الله بالإرهابي إلا تناقضاً صارخاً مع ما تدّعي الالتزام به إسلامياً وما تدّعيه من قيادة للعالم السنّي..

ربما الثراء الفاحش الذي أصاب الأسَر الحاكمة هو عنوان هذا الانحراف باتجاه اللاديني أو تبني على الأقل ثقافة الشر لتؤسّس من دون وعي منها لمحور الشر، وكان مجلس التعاون الخليجي قد وضع حزب الله على لائحة الإرهاب باعتباره "منظمة إرهابية" تماشياً مع سياسة دونالد ترامب في مقابل ما قاله محلّل الشؤون العسكرية في القناة 10 بن ديفد إن "كثيرين منا يخطئون ويسمّون حزب الله تنظيماً إرهابياً هذا التعريف مغلوط مهنياً وغير أخلاقي"، وقد ذهب محمّد بن سلمان إلى الدفاع عن إسرائيل في مواجهة إيران وحزب الله وهو موقف يتنافى حتى مع بعض المواقف الإسرائيلية، وقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن تقريباً ضعفين من الكثير من الديمقراطيين الليبراليين يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل.

وهذه مشكلة كبيرة لمستقبل إسرائيل، ما لم يفترض المرء أن الجمهوريين سيسيطرون على السلطة إلى الأبد لكن ما الذي دفع "بنتنياهيو" إلى جعل الحكومة المصغّرة "الكابنيت ا" تجتمع تحت الأرض أهو الخوف من إيران أم من حزب الله؟ وأياً كان هذا الخوف فكيف يصنّف من العرب حزب الله بالإرهابي وهو يدافع عنهم بدليل أنه جعل الحكومة الإسرائيلية تعيش تحت الأرض، يقول معلق الشؤون السياسية في القناة "العاشرة" الإسرائيلية، باراك رابيد، إن رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" قرّر مؤخراً نقل كل جلسات الحكومة الإسرائيلية من مكتبه حيث تعقد بشكل عام (...) في مخبأ تحت الأرض" وأوضح المعلق الإسرائيلي "إن جلستين قد عقدتا بالفعل في الآونة الأخيرة في هذا المخبأ "فهل تدرك السعودية قبل فوات الوقت أنها حشرت نفسها في دائرة الموت إن من الولايات المتحدة الأميركية أو من إسرائيل..

"دولاند ترامب" لا تهمه المبادئ ولايؤمن حتى بالديمقراطية وإلا لما صدرت منه تلك التصريحات العنصرية عن الأفارقة "أراذل" وعن المهاجرين "حيوانات" ولما دعا إلى غلق أبواب أميركا أمام المهاجرين بمن فيهم من هم مقيمون في أميركا.. إنه رجل عنصري لا يؤمن إلا بالعظمة المزيفة حتى في إمضاءاته للقرارات يبدو وكأنه يأمر العالم بالخضوع والتبعية طوعاً أو كرهاً وكأنه كما قال "فرانز  كافكا" في حديثه عن «الجثث الضاحكة» "لأن اليأس بات وراءها،الموت أصبح وراءها أيضاً". ولكن إذا كانت السعودية مرتبطة بأميركا أمنياً ولا تريد إلا أن تكون لها ذيلاً بلا مقابل بل بمقابل منها هي فإن الجزائر ليست من دائرة أي اتجاه خارجي وليست على اصطفاف مع أحد في الحرب أوفي السلم بدليل أن الجزائر حاربت الإرهاب لوحدها وأقامت الصلح مع أبنائها لوحدها، أما النافذة المغربية الخبيثة التي حاولت السعودية إثارة الفتنة للجزائر من خلالها لأنها ترفض القطيعة مع إيران والتوصيفات التي تطلق من حين لآخر ضدها أو ضد حزب الله..

فهل المغرب لديه إمكانية سياسية أو مادية أو عسكريه لمواجهة الجزائر وهو غارق في مشاكل اجتماعية واقتصادية بسبب الحراك الشعبي، وقضية الصحراء جعلها أصلاً لتخويف الشعب المغربي من ذاته على أنها حرب قادمة وربما تميل معها أطراف يئست من النظام الملكي الذي يملك كل شي والشعب ضائع وسط حال اقتصادية واجتماعية لا تفي بأدنى شروط الإصلاح..