الجهاد الإسلامي في موسكو ... خصوصية المشهد
حركة الجهاد الإسلامي تدرك أن روسيا هي جزء من الرباعية الدولية، التي تشرعن حصار قطاع غزّة، من خلال شروطها المُجحفة، لذلك النقاش عن الدور الروسي في المساعدة بكسر الحصار عن غزّة مهم.
دعوة الخارجية الروسية لوفد رفيع المستوى من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إلى زيارة موسكو، من الطبيعي أن ينظر إليه على أنه استمرار لتفاعلات الحراك الروسي الساعي إلى استعادة دوره السياسي والدبلوماسي المغيّب بفعل الهيمنة الأميركية على القضية الفلسطينية أهم قضية في الشرق الأوسط ، إلا أن هذه الزيارة تأخذ خصوصيتها من عاملين أساسيين:
الأول: توقيت الحراك الروسي داخل الساحة الفلسطينية، ففي الوقت الذي تستعد فيه الإدارة الأميركية لطرح صفقة ترامب للتسوية، والتي من الجلّي أنها تحمل مُقاربات صهيونية يمينية بامتياز من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة دولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية إليها، ومن ثم السعي إلى إلغاء قضية اللاجئين من خلال تدمير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، الأمر الذي يعتبر انقلاباً على قرارات الأمم المتحدة ومقاربة المجتمع الدولي لحل الدولتين كحل للصراع العربي الإسرائيلي.
الرؤية الروسية بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي تحكمها عدّة محدّدات سياسية تنبع من مصالحها العامة في الشرق الأوسط, ومن استراتيجيتها الدبلوماسية المتمسّكة بإعلانها الالتزام بالقانون الدولي، فالروس يدركون أنه من دون حل القضية الفلسطينية لن يتحقّق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، لذا من حق الفلسطينيين إقامة دولة مستقلة، قابلة للحياة على حدود عام 1967، تكون عاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي انعكس باعتراف روسيا بالمبادرة العربية للتسوية، رغم أن هذه المحدّدات لا تمنح الفلسطيني كامل حقه، إلا أنها تمنحه مساحة مهمة من المناورة السياسية في مواجهة الطوفان الترامب_ الصهيو_ انجليكاني، الذي يحاول صنع جدار من انعدام الأفق السياسي أمام الفلسطيني، ويعزّز الفعل الإسرائيلي في محاصرة الفلسطينيين على كافة المستويات، وخاصة مع ممارسة الإدارة الأميركية مفاعيلها الضاغطة على حلفائها من العرب، وإقناعهم بتغيير أولويات عداء العرب من دولة الاحتلال إلى إيران الإسلامية حسب المصلحة الأميركية.
روسيا التي نجحت بفرض نفسها كقوّة فاعلة في الشرق الأوسط بعد تدخّلها المباشر في القضية السورية، تعي جيداً إن إحداث توازن للقوى ما بين حلفاء الولايات المتحدة وما بين حلفائها داخل الإقليم، هي أنجع السبل للوقوف أمام الهيمنة الأميركية، لذا هي لا تقبل بصفقة القرن الترامبية، رغم العلاقات الجيّدة ما بين روسيا الاتحادية ودولة الاحتلال، إلا أنها لا يمكن أن تنظر إلى "إسرائيل" إلا كحليف الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة، ومن هنا من الممكن فهم المساحات التي من الممكن إدارة العلاقات ما بين الفصائل الفلسطينية بشكل عام، وخاصةً المعارِضة لعملية التسوية، ومن أهمها الجهاد الإسلامي وما بين الدولة الروسية.
يأخذ التوقيت أهمية خاصة نابعة من حساسية القضايا الفلسطينية المطروحة حالياً على الأجندة الفلسطينية، كالمصالحة الفلسطينية، والتهدئة، والحصار على غزّة، ومسيرات العودة، بالتأكيد روسيا تسعى إلى أن تكون جزءاً أصيلاً من الحراك الاقليمي والدولي الفاعل في هذه الملفات ذات الطابع التأسيسي لعلاقات الاقليم المستقبلية ، وكما كان الاتحاد السوفياتي لاعباً مركزياً في الشرق الأوسط، وراعياً رسمياً لعملية التسوية في مؤتمر مدريد، روسيا الاتحادية تبحث عن استعادة هذا الدور لكن بمقاربات سياسية أكثر براغماتية.
الثاني: حركة الجهاد الإسلامي تعتبر لاعباً رئيساً في عملية اتخاذ قرار الحرب والسلم في فلسطين، كونها قوة سياسية وعسكرية، وعنواناً مركزياً لا يمكن القفز عنه لأية جهة تسعى أن يكون لها دور في تقديم المبادرات داخل المشهد السياسي الفلسطيني، ولكن تبقى الخصوصية الأهم لدى حركة الجهاد ، فإن عدم تورّط الجهاد بعموم أزمات العالم العربي بعد هزات الربيع العربي وخاصة في سوريا، بالإضافة إلى محافظة حركة الجهاد على علاقة متوازنة، ومتنامية مع الدولة المصرية الأكثر انفتاحاً على الدور الروسي في المنطقة، ناهيك عن عدم وجود ارتباطات لحركة الجهاد مع الدور الأميركي في المنطقة، لا بشكل مباشر، ولا غير مباشر ، كل ذلك يجعل منها حسب التقسيمات الروسية لا تصنّف على معسكر خصومها، وبناء على ذلك تكون الجهاد أكثر مصداقية بالنسبة لروسيا الباحثة عن زيادة دورها في القضية الفلسطينية التي تعتبر بوابة إلزامية لكل من أراد أن يلعب دورا أساسياً في الاقليم.
كما أن الجهاد الإسلامي يتوافق مع الرؤية الروسية أن المدخل الصحيح للمصالحة الفلسطينية، هو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تشمل الكل الفلسطيني، وتؤكّد على تمثيلها الشرعي للفلسطينيين، وهذا من أهم المواضيع التي دار الحديث عنها أثناء الزيارة، ناهيك أن الجهاد ليس جزءاً من الانقسام الفلسطيني، وليست له أطماع سلطوية، ما يجعل دوره ايجابياً لأي حراك روسي يسعى لإتمام المصالحة، وحتى الحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي روسيا أكثر تقبّلاً من غيرها من الدول الكبرى لسماع الرواية الفلسطينية المتمسّكة بالثوابت الكاملة للحق الفلسطيني ، كون هذا الحديث أولاً، ليس غريباً على مسامعها منذ فترة الاتحاد السوفياتي، والأهم بحكم طبيعة تحالفاتها مع محور المقاومة في المنطقة.
بالتأكيد الجهاد الإسلامي يدرك أن روسيا هي جزء من الرباعية الدولية، التي تشرعن حصار قطاع غزّة، من خلال شروطها المُجحفة، لذلك النقاش عن الدور الروسي في المساعدة بكسر الحصار عن غزّة مهم وحاضر، لذا من المهم أن تلعب العلاقة ما بين روسيا الطامحة لدور أساسي في قضايا الشرق الأوسط المركزية، وبين الفصائل الفلسطينية، وخاصة الجهاد الإسلامي دوراً في تحريك هذا الملف بالذات.