نتائج استوكهولم بين اليمنيين.. تحوّلات مهمة لأسباب وتداعيات
إن "مستقبل اليمن في أيديكم، لدينا فرص يجب اغتنامها… كانت محادثات صعبة لكننا حقّقنا نتائج إيجابية". هكذا عبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن التقدّم الذي حقّقته المشاورات اليمنية، وختم قائلاً "إن العام المقبل سيشهد تبادلاً للأسرى، ما سيسمح لآلاف اليمنيين بالعودة إلى أسرهم"، كذلك فـ"سيتم عقد جولة أخرى من المفاوضات في كانون الثاني/ يناير المقبل".
في القلب من هذه المفاوضات يجب أن يتذكّر الجميع، أن اليمن يعاني فيه (20 مليون شخص) من الجوع بينهم حوالى (1.8 مليون طفل) حالتهم صعبة بسبب "سوء التغذية الحاد"، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) والشركاء في المجال الإنساني. حيث أودت الحرب بحياة أكثر من (10 آلاف شخص) وأشعلت ما وصفته الأمم المتحدة بـ"أسوأ أزمة إنسانية في العالم". كما تعدّ البلاد موطناً لأسوأ مجاعة في العالم خلال 100 عام وفقاً للأمم المتحدة. وسبق أن أعلنت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن نحو (85 ألف طفل) دون سن الخامسة ربما تُوفّوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال ثلاث سنوات من الحرب في اليمن. وسبق أن حذّر رئيس المنظمة من أن حياة نحو (150 ألف طفل) مهدّدة في مدينة الحديدة بسبب استمرار المعارك. فيما تَخشى منظمات الإغاثة سوء الحال الإنسانية أكثر بسبب الحرب.
هنا جاءت جلسات محادثات لبحث المشاورات حول ملفات بناء الثقة "الستة"، وهي (القتال في الحديدة، وإطلاق الأسرى، وحصار تعز، والبنك المركزي، ومطار صنعاء، والمساعدات الإنسانية)، وإن حقّق ملف الأسرى تقدّماً، إذ تبادل الطرفان قوائم تضمّ أسماء نحو (15 ألف أسير) للإفراج عنهم. حيث أعلن الأمين العام للأمم المتحدة التوصّل إلى اتفاقات عدّة خلال مشاورات استوكهولم بشأن اليمن، كاشفاً أن طرفي الصراع اليمني توصّلا إلى اتفاق بشأن مدينة الحديدة ومينائها، يقضي بإخراج القوات من الميناء، ووقف إطلاق النار هناك. كما تم التوصّل إلى تفاهم مشترك في ما يخصّ تعز، وهذا سيؤدّي إلى فتح ممرات إنسانية وإدخال مساعدات.
الحقيقة أن ما جرى تداوله في المباحثات يأتي في إطار التمهيد للحل السياسي النهائي للأزمة اليمنية، مع أن الوضع سيبقى مرتبطاً بالحل السياسي، حيث هدنة لوقف إطلاق النار في الحديدة من أجل إيصال المساعدات الإنسانية، فرئيس وفد صنعاء يقول "إن الاتفاق إيجابي ويدعم عملية السلام والتهدئة في الحديدة". وهنا يُعدّ اتفاق استوكهولم صفحة جديدة للحل في اليمن ففيه تفاهمات بشأن الحديدة وتعز. حيث لفت غوتيريش إلى أنه يجب الاستمرار في هذه المناقشات من أجل التوصّل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية. قائلاً "إن قلوب الشعب اليمني كانت دائماً مفتوحة للشعب الفلسطيني واللاجئين من بلدان عديدة".
هناك تفاهمات واتفاقات حصلت في الملفات الإقتصادية بما يعني الجباية ودفع الرواتب وحل أزمة المصرف المركزي، بالإضافة الى إعادة فتح مطار صنعاء ووضع إطار للحوار السياسي الذي سيجري نقاشه المفصّل في جولة تُعقد مطلع العام المقبل. فمن بنود اتفاق الأطراف اليمنية في المحادثات، وقف فوري لإطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئها والصليف ورأس عيسى، مع إعادة انتشار مشترك للقوات في هذه الموانئ.
يبقى هنا وإن سعت المنظمات الحقوقية في العالم إلى تكريس مبدأ الحفاظ على حياة المدنيين في اليمن، وقد سنّت في سبيل ذلك الكثير من القوانين وعقدت المؤتمرات من أجل تحقيق في الأحداث، إلا أن كل جهودها الدولية في هذا الصدد لم تحقّق الهدف المنشود منها وكثيراً ما كان الأبرياء في اليمن أبرز ضحايا تلك الحرب في صورة قتلى وجرحى ومشوّهين ومشرّدين بالملايين، حتى تحوّل قتلهم إلى عار مُقيم على صدور أحرار البشرية جمعاء. وهنا جاءت مشاورات استوكهولم تحت جملة من الضغوط الدولية، لتشكل مؤشّراً إيجابياً بالنسبة للمبعوث الأممي إلى اليمن غريفيث، الذي فشل سابقاً في إحداث خرق في جدار الأزمة اليمنية، لكنه نجح في تثبيت ملف تبادل الأسرى، بالحد الأدني، وهو ما يفسح المجال لاعتبار أنه نجاح سُجّل له الأن.
لنتذكّر أن ما حدث في استوكهولم من تغيرات جاءت بمثابة تحوّل قد يكون أساسه فشل التحالف العسكري والضغوطات الكبيرة على السعودية بعنوانين عريضة لـ(خاشقجي ومأساة اليمن). فمؤخراً تزايدت الضغوط الدولية على الأطراف المُتحاربة في اليمن لإنهاء الحرب التي أدّت إلى مقتل الآلاف، ودفعت البلاد إلى حافة مجاعة. ويبقى كذلك أن التحوّلات الواضحة للفشل العسكري جاء بنصّ الاتفاق على الالتزام بعدم استقدام أية تعزيزات عسكرية من قبل الطرفين إلى محافظة ومدينة الحديدة، وإزالة جميع المظاهر العسكرية والمسلّحة من المدينة. وتضمّن الاتفاق أن يُقدّم رئيس لجنة التنسيق تقارير أسبوعية من خلال الأمين العام لمجلس الأمن حول تنفيذه.
هنا يبقى كل الحذر من أن الفشل في ملف سيتحوّل إلى فشل في إحراز تفاهمات في ملفات أخرى.. عليه يجب أن يخرج الفرقاء باتفاق على الملفات التي تعكس حال وجود ثقة تُساهم في حل الخلافات التي تحيط بالملفات الأخرى. فالطرفان ما زالا بحاجة إلى المزيد من إجراءات تعزيز الثقة، كشرط لتجديد المشاورات والتوصّل إلى حلول لما تبقّى من ملفات خلافية بينهم. فهل يعود اليمن من المفاوضات سعيداً؟. يتوقّف هذا على تحوّلات دولية، والتي ظهرت مؤشّرات لها في استوكهولم.