مؤشر تماسك البيئة الاقليمية في أميركا اللاتينية لمصلحة فنزويلا
في محيط جمهورية فنزويلا البوليفارية على وقع التهديد الأميركي بالعدوان بتوجيه خارحي وأدوات محلية وتواطىء إقليمي. لكن جبهة الحلفاء الموثوقين في الفضاء اللاتيني الجنوبي، جدية الموقف الداعم لصمود فنزويلا وحفظ سيادتها بزعامة رئيسها الشرعي نيكولاس مادورو مورو ومقاومة شعبها الثائر ووفاء جيشها الثوري بعقيدته الاستراتيجية الوطنية البوليفارية الاستقلالية والسيادية. ولا غرو أن ثلاثة دول في محيط فنزويلا أعربت في الأمم المتحدة عن وقوفها إلى جانب فنزويلا أو أنها ترفض الاعتراف بالانقلاب عليها.
ممثّل دولة بوليفيا يعبر بوضوح تام يوم أمس قائلاً "نعلن بدايةً عن دعمنا لدولة فنزويلا ممثلة بشخص رئيسها الشرعي نيكولاس مادورو. تتحدثون عن أزمة إنسانيّة في فنزويلا، لكن حبّذا لو تعاقبون من خلق هذه الأزمة الناتجة عن فرض عقوبات مالية واقتصادية أحادية الجانب سبّبت نقصّاً في الغذاء والدّواء"، متسائلاً "هل تحسنّت أوضاع الدّول بعد تدخلات أميركا في العراق وليبيا وسوريا؟ إنّ التّدخل الأميركي يعمّق الأزمات ولا يسعى إلا لتحقيق أهدافٍ ثلاثة: الاستيلاء على النّفط والهيمنة الجيوسياسيّة وتطويع الدول التي لا تتلاءم سياساتها مع السياسة الأميركيّة".
الافت أن عبارة "الهيمنة الجيوسياسية" وما تعنيه من قرار واضح مفاده أن أي هجوم على فنزويلا بأي طريقة كانت هو أيضاً عدوان على بوليفيا، وأمام العين نماذج شتى منها العراق وليبيا وسوريا.
بدوره صرح ممثّل كوبا في الأمم المتحدة بما يلي "ندين بشدّة محاولات الولايات المتّحدة الأميركيّة المتكرّرة لخلق حكومة تخدم مصالحها في فنزويلا. لا نريد تكرار سيناريو الإنقلاب الفاشل عام 2002 ولا الضّربة النّفطية عام 2003 ولا محاولة الإغتيال الأخيرة التي تعرّض لها الرئيس الدستوري مادورو وتهديد واشنطن الدّائم بالتّدخل العسكري، ما يعارض القوانين الدّولية التي تنصّ على احترام سيادة البلدان وحلّ النّزاعات بالطّرق السّلميّة". كلام من هذا النوع لا يحتاج تحليلاً مضافاً ولا بحثاً فيما بين السطور، وبخاصة إذا أردف بلهجة حازمة من قبيل "ستكون الغلبة للدولة البوليفارية حتماً".
ثم أكّد ممثّل دولة نيكاراغوا أيضاً على أن "فنزويلا لا تشكل تهديداً للأمن الدّولي". وأن "الرّئيس الأميركي جيمي كارتر اعترف أنّ النّظام الإنتخابي في فنزويلا هو من أفضل أنظمة الانتخابات في العالم، ولذلك نريد أنّ نذكركم بأنّ الرّئيس العزيز نيكولاس مادورو قد تمّ انتخابه وفق هذا النّظام وبالتّالي هو الرئيس الشرعي والسّيادي لفنزويلا، وعلكيم احترام سيادة هذه الدّولة عملاً بالقوانين الدّولية". لا نظن في سياق كهذا أن كلمة مشددة على السيادة أكثر من مرة ومؤكدة على الشرعية واصفة الرئيس مادورو بالعزيز يمكن في يوم ما أن تهتز أو تهز من عزم نيكاراغوا في تأييد فنزويلا والوقوف إلى جانبها.
إن مثل هذه التصريحات الصلبة بقدر شفافيتها والواثقة بقدر هدوءها والمتقاطعة مع المواقف السابقة مع تميزها، يعززها الموقف الجيوسياسي الجامع الذي لايعني فنزويلا لوحدها، على لسان وزير خارجيتها بقول واحد ودقيق يتلخص في التالي:
"كلّما شعرت واشنطن بأنّ وضعها ليس على ما يرام تعلن الحرب. هاهو ترامب يريد تأجيج الحرب في أميركا اللاتينية بعدما ندم جراء مغامراته في ليبيا والدول العربية وهاهو الآن يسحب قواته من سوريا بعدما فشلت مخطّطاته. نقول لترامب "لن تنتقل الشرارة إلى أميركا اللاتينية ولن نسمح لك بذلك". مضيفاً "يقولون أنّ فنزويلا غير محاصرة بينما نحن لا نستطيع إجراء معاملات مصرفيّة دون أن تمرّ الأموال من بريطانيا وواشنطن قبل وصولها إلينا. يزعمون أنّ لا عقوبات مالية تعيق تقدّمنا وأموالنا مجمّدة في المصارف العالمية".
عند هذا الحد، لايمكن لأي متابع ولو من بعيد أن لا يحيط بجوهر الصراع وجوهر السياسة الإمبريالية التي تريدها الولايات المتحدة في فنزويلا وفي محيطها وبيئتها الاستراتيجية الداخلية وعمقها الاستراتيجي الخارحي. هذا علاوة على مسارعتها لقطع الطريق على الجمهورية البوليفارية التشافية بقيادة مادورو حال شعورها ببلوغ اتفاقياتها التعاونية في كل المجالات مع كل من روسيا والصين وإيران وتركيا إلخ... حدا يخرجها إلى حد كبير من أي إمكانية لوضع اليد الأميركية مجدداً عليها. حال يذكرنا بالعدوان الأميركي السعودي على اليمن حال تيقنهم، في العمق، من أن اليمن سينتقل إلى توقع جيوستراتيجي آخر بجملة من الاتفاقيات مع دول أخرى ووجهات استراتيجية أخرى تخرجه تماماً من الهيمنة الجيوسياسية السعودية كوكيل أكبر للنفوذ الجيوسياسي الأميركي والصهيوني في المنطقة.
عندما عرض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مورو في مؤتمر صحفي عقده قبل يومين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، قال في بداية كلمته "إنّنا نعيش لحظة ممتازة للنضال من أجل السيادة والاستقلال وبقاء فنزويلا كجمهورية، هذه هي الروحية الثورية التي نتطلع إليها كضمانة أساسية لتماسك البيئة الداخلية التي تابعنا في الخروج المهيب لأنصار الخط الثوري، هذا هو الإيمان الثوري البوليفاري الذي تتواصل على أساسه المقاومة والأباء وتتواصل مسيرة الثورة الوطنية الاجتماعية ببعدها البوليفاري الكبير". بالمقابل، وصلت الوقاحة الاستعمارية والصلف الإمبريالي حد محاولة حرمان وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أريازا من التأشيرة لحضور اجتماع الأمم المتحدة كما ذكر الرئيس نفسه في ذات اللقاء الصحفي.
إنّ "مالك السيرك" الراعي الرسمي لمحاولة الانقلاب الفاشلة، أي الولايات المتحدة حسب عبارة مادورو، يريد تكرار سيناريو خوسيه ماريا أثنار في عام 2002 عندما دعم الانقلاب ضد الرئيس الفنزويلي آنذاك، هوغو شافيز. سيناريو مكرر أيضاً في عدة دول أخرى في المنطقة. يحضرنا هنا إعلان بوليفار عام 1825 عن نوايا الولايات المتحدة في ميثاق جامايكا. وهاهي كوبا بعدما جهدت أميركا بعد الحرب العالمية الثانية في إخضاع الجميع لهيمنتها الجيوسياسية متحررة منذ القرن الماضي من نظام الهيمنة هذا، رغم الانعكاسات السلبية والمعيقات الكثيرة طبعاً. وهاهي فنزويلا صامدة وغيرهما أيضاً رغم التهديدات المتواصلة والمخاطر القائمة والمتفافمة ومنها العدوان الحالي.
إن عدة مؤشرات داخلية وخارجية إقليمية ودولية تشير إلى أن قدر فنزويلا أن تبقى حرة وأن تواصل مسيرة تحررها وأن البيئة الاستراتيجية العامة، ورغم التوتر الكبير والمخاطر المحدقة العالية، تبقى مساعدة ومحكوم عليها بالمقاومة والانتصار. من هناك تحديداً، من فنزويلا شقيقة ليبيا (في المقارنة الرمزية)، يمكن أن يولد عالم جديد.
من هناك تحديداً، من بوليفيا وكوبا ونيكاراغوا أشقاء العراق وسوريا واليمن (في مقارنة المقام الجيوسياسي الرمزي)، سيلد عالم جديد. حتما سيلد.