هل يتحمل حزب الله مسؤولية الأوضاع الإقتصادية في لبنان؟
تلافياً ليوم الحساب، هناك قوى سياسية ومن الآن، نحَّت جانباً الحديث عن الخلافات السياسية الداخلية أو مناقشة دور لبنان إقليمياً، وركَّزت أطروحتها حول ضرورة معالجة الوضع الاقتصادي ومُلامسة تطلّعات الناس وهمومها المعيشية.
يتّفق الجميع على أن لبنان يمرّ بأوضاعٍ اقتصاديةٍ صعبة جداً. فهناك مَن يحذِّر من انهيارٍ اقتصادي. وهناك مَن يرى أن البلد على وشك الإفلاس، وأن تصريحات المسؤولين المطمئنة ليست إلاّ ترحيلاً زمنياً لأزمة واقعة أصلاً. والحديث عن الإفلاس يستدعي الحديث عن إمكانية انهيار البلد اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، فهل لبنان بالفعل على وشك الانهيار الاقتصادي؟ وهل هناك رغبة دولية في وصول لبنان إلى هذه المرحلة من التردّي؟
باختصار، أزمة وشيكة تلوح في الأفق، هذا ما تشير إليه كل المؤشّرات الاقتصادية الحالية. تصحيح الأوضاع المالية العامّة، وتنفيذ إجراءات موسَّعة أمران لا بدّ منهما لخروج لبنان من كابوسٍ اقتصادي متوقّع. يكفي أن تسمع كلام يورغن ريغتيريك، رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في حضرة وزير المال علي حسن خليل:"الإصلاحات قد تكون مؤلمة، ولكن البديل عنها مؤلم أكثر". بمعنى آخر، لتجنّب الوقوع في الأزمة، لا خيار أمام لبنان سوى ما يُسمّيه رئيس البنك الأوروبي "الإصلاحات" والتي في أساسها إجراءات ستزيد من فقر المواطن البسيط وتهدِّد وجوده، لأنها سترفع الدّعم عن المواد الإستهلاكية، وتدخل المؤسّسات العامّة في خصخصة تزداد معها الاحتكارات وارتفاع الأسعار.
بكل الأحوال، وأياً ما كانت الإجراءات او الإصلاحات التي ستشرع بها الحكومة الحالية، فنحن ندفع وسندفع ثمن عقود من الفساد والهدر والنهب المنظّم لموارد الدولة. ولا يعلم إلا الله كيف ستكون ردّة فعل الناس على ما قد يزيد من بؤسها أو يُصعِّب من حصولها على لقمة عيشها اليومية.
والمؤكّد والحال كذلك، أن الأحزاب والقوى السياسية على اختلاف توجّهاتها وتحالفاتها أطروحاتها ودرجة نفوذها في السلطة سوف تُلام شعبياً وقد تُحاسَب، وربما تُعاقَب انتخابياً عندما تصل الأمور إلى هذه النقطة الفاصلة. وعلى كل الأحزاب من دون استثناء الشعور بالقلق حيال ذلك.
تلافياً ليوم الحساب، هناك قوى سياسية ومن الآن، نحَّت جانباً الحديث عن الخلافات السياسية الداخلية أو مناقشة دور لبنان إقليمياً، وركَّزت أطروحتها حول ضرورة معالجة الوضع الاقتصادي ومُلامسة تطلّعات الناس وهمومها المعيشية.
عودة إلى السؤال الأساسي : هل هناك نيّة غربية وخاصة أميركية في انهيار لبنان إقتصاياً، من خلال تبنيّ عقوبات موسَّعة على حزب الله وصولاً إلى الدولة اللبنانية؟
في القراءة الأوليّة نجد أن العقوبات الغربية على حزب الله والتي قد تطال الدولة اللبنانية بشكل أو بآخر قد تزيد من إضعاف مؤسّسات الدولة، الأمر الذي يخالف توجّهات مؤتمر سيدر في إنعاش الاقتصاد اللبناني ولو بجزء صغير منه أو يؤخِّر الانفجار المحتَّم.
وباستثناء الولايات المتحدة، لا يبدو أن القائمين على مؤتمر سيدر، أقلّه أوروبياً، يسعون إلى تفجير الوضع اللبناني، فالحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة سيدر. ومشروع وأسباب وجودها هو وضع برامج وقيادة إصلاحات يتطلّبها دفتر شروط مؤتمر سيدر.
في ظنّي، الدول الراعية لمؤتمر سيدر ليست مُتحمِّسة في وصول لبنان إلى نقطة اللاعودة على الصعيد الإقتصادي، لما لذلك من تداعيات غير مُنضبطة. فالجهات المانِحة أو الضامِنة دولياً حريصة على استقرار لبنان سياسياً وأمنياً بما يحفظ وحدة البلد وتماسُك مؤسّساته. وسبب حرصها هو خشيتها من وقوع البلد كاملاً في يدّ حزب الله.
رغم ذلك، تحاول الولايات المتحدة ومعها بعض القوى ربط المشكلة الإقتصادية في لبنان بحزب الله، بحجّة أن الحزب هو مَن يُعرقِل قيام الدولة وبناء مؤسّساتها.
يُدرِك الغرب تماماً أن الأزمة الحقيقية في لبنان ناشئة عن سياساتٍ ممنهجةٍ منذ عقود، قوامها الهدر والفساد والمحسوبيات، والتخندُق الطائفي والمذهبي، وانعدام الكفاءة في الإدارات، وعدم المحاسبة، وأن حزب الله لا علاقة له بما يعانيه لبنان أصلاً من حال اقتصادية مُستعصية.
وسواء أيَّدنا حزب الله أم كنّا خصوماً له، يتوجّب علينا الإعتراف أن الفساد سابق على ولادة حزب الله، وأغلب مشاكل لبنان ظهرت قبل مشاركة حزب الله في الحكومات، واستمرت بعد مشاركته. والإصرار على ربط حزب الله بمشاكل لبنان الإقتصادية كمَن يضع العربة أمام الحصان.
الحلّ الحقيقي لأزمات لبنان المتعاقبة يبدأ من عتبة الحدّ من الهَدْر والقضاء على الفساد ورفض المحسوبيات في التوظيف. والابتعاد قدر الإمكان عن الإجراءات الاقتصادية المؤلمة بحق الشعب اللبناني الذي يعاني الأمرّين لناحيه رداءة الوضع الاقتصادي وتفشّي الفقر وانعدام فُرَص العمل. من دون ذلك تبقى الأبواب مُشرَّعة لمزيدٍ من الأزمات.