طال الشتات
لا بديل عن فلسطين مهما طالت الغربة ومأساة التشريد بالنسبة للفلسطينيين، ذلك هو قدرهم وإيمانهم الذي لا يتزعزع، وسواء سمّوا باللاجئين أو المُنصهرين أو بفلسطينيي الخارج فإن (فلسطينيي الشتات) يظلّ هو المُصطلح الأكثر دلالة على حال ما يقارب من 68% من الشعب الفلسطيني.
لم نجد في تلخيص قصّة الشتات الفلسطيني ومآسي اللاجئين ، أبلغ من قصيدة الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي لنُعيد طرح القضية والتذكير بها مُجدّداً ، والتي جاء فيها:
طال الشتات وعافت خطونا المدن
وأنت تمعن بعداً أيها الوطن
إرجع فديتك إن قبراً وإن سكناً
فدونك الأرض لا قبر ولا سكن
فلا بديل عن فلسطين مهما طالت الغربة ومأساة التشريد بالنسبة للفلسطينيين ، ذلك هو قدرهم وإيمانهم الذي لا يتزعزع ، وسواء سمّوا باللاجئين أو المُنصهرين أو بفلسطينيي الخارج فإن (فلسطينيي الشتات) يظلّ هو المُصطلح الأكثر دلالة على حال ما يقارب من 68% من الشعب الفلسطيني يعيشون في غير أرضهم الأصلية (في فلسطين) وقد فرضت عليهم الغربة القسرية هم وأولادهم بل وأحفادهم في حالات كثيرة، وأفرزت تلك الغربة أوضاعاً إنسانية وسياسية واقتصادية شديدة القسوة والتعقيد كانت تحتاج إلى مُقاربات في التعامل تتناسب وطبيعة القضية، إلا أن القوى والتنظيمات بل والدول المُناط بها ذلك، تقاعست أو تآمرت، فازدادت المأساة ألماً، وأضحى الوصول إلى حل لها من قبيل المعجزات فإذا كان الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه المتتالية منذ عام 1948 هو السبب الرئيس الذي يقف خلف قضية (فلسطينيي الشتات)، فإن غياب الدور الفاعل لمواجهة تداعيات ونتائج تلك القضية من قِبَل منظمة التحرير الفلسطينية وباقي القوى والفاعليات السياسية الفلسطينية والعربية يعدّ من أبرز العوامل المؤثّرة في تضييع القضية أو تدميرها، وهو الأمر الذي يزداد وضوحاً هذه الأيام .الأمر الذي يفرض وضع قضية فلسطينيي الشتات في قلب أولويات كافة الفرقاء في المقاومة الفلسطينية والعربية. ولنفتح ملف القضية مُجدّداً
أولاً: لكي نفهم أبعاد قضية الشتات الذي طال نحتاج إلى بعض الحقائق عن واقع فلسطينيي الخارج ، ماذا عن مخيّماتهم، وما هو تعدادهم الصحيح بشكل مُحدّد، في عام 1948 قام الكيان الصهيوني بتهجير (957) ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم في فلسطين التاريخية، وحتى نهاية العام الماضي، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى 5.9 ملايين نسمة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ، مسجّل منهم رسمياً لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قرابة 5.3 ملايين لاجئ.
وهؤلاء اللاجئون هم 1.528 مليون يعيشون في 61 مخيماً بغزّة والضفة ولبنان والأردن وسوريا، بينما الباقي، وهم 3.8 ملايين لاجئ منتشرون في أرجاء العالم، لا يعيشون في مخيّمات.
وبحسب الأونروا؛ فإن قرابة 1.3 مليون لاجئ يتواجدون في قطاع غزّة، و914 ألفاً في الضفة الغربية، و447 ألفاً في لبنان، و2.1 مليون في الأردن، و500 ألف في سوريا.
وتعتمد الأرقام الصادرة عن الأونروا على معلومات يتقدّم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقّونها، إلا أن هناك لاجئين غير مُسجّلين ويزيد عددهم عن ال3 ملايين. هذا وتتوزّع مخيّمات اللاجئين داخل فلسطين التاريخية في الضفة الغربية التي تحتوي على 19 مخيماً لفلسطينيين طردوا من أرضهم بعد نكبة 1948 وحرب 1967 وفي غزّة 8 مخيّمات تعاني أشدّ أنواع المعاناة .أما خارج فلسطين فينتشر الشتات الفلسطيني ليعمّ الكرة الأرضية كلها ولكن بنِسَب مُتفاوتة ، وتُعدّ الأردن وسوريا ولبنان هي الدول الأكثر إحتضاناً للاجئين الفلسطينيين ومخيّماتهم ، ففي الأردن يوجد 10 مخيّمات هي (الزرقا-إربد-الحسين-الوحدات-سوف-الطالبية-ماركا- الحصن-جرش-البقعة) وفي سوريا 12 مخيّما (اليرموك-سبينة-قبرالست-النيرب-خان الشيخ-خانديون-حمص-جرمانا-حماة-عين التل ) وفي لبنان 12 مخيّماً أشهرها (الرشيدية-عين الحلوة-برج البراجنة-ضبية-برج الشمالي-نهرالبارد-البداوي-تل الزعتر-شاتيلا)هذا وتتواجد أعداد آخرى من فلسطينيي الشتات في أغلب البلاد العربية والأوروبية وإن بنِسَب أقل، ومعاناة أشد . تلك خريطة إنتشارهم والتي ترسم سطورها معالم المأساة من دون حاجة إلى مزيد من التحليل والتفسير ثانياً:السؤال الأهم هنا ، وبعد معرفة تلك الحقائق عن خريطة الشتات الفلسطيني وكثرة الكلام و الندوات غير المُنتجة للأفعال وللحركة الجادّة ؛ السؤال هو هل تمتلك قوى المقاومة الفلسطينية والعربية ، استرتيجية جادّة لتفعيل هذا الشتات الفلسطيني وتوظيف طاقاته الكبيرة تجاه هدف العودة وتحرير الأرض ؟ أم أنها لاتمتلك تلك الاستراتيجية ، ومثلها في التعامل مع تلك القضية مثل فريق أوسلو والجامعة العربية ، ليس لديهم سوى إحالة القضايا إلى ما يُسمّى المجتمع الدولي والأمم المتحدة وغيرها من القوى الدولية والعربية الشريكة في صناعة المأساة الفلسطينة واستمرارها ؟ بكل صراحة ورغم الفارق بين قوى المقاومة وقوى التسوية في الدور والفهم والتعاطي مع القضية الفلسطينية بإجمال وقضية الشتات بخاصة ؛ إلا أن الواقع يقول أن ثمة غياباً لاستراتيجية مُحدّدة المعالم لدى قوى المقاومة في توظيف وإدارة قضية الشتات الفلسطيني، ربما لانشغالها بقضايا المواجهة المسلّحة وبالصِدامات المُتتالية مع الكيان الصهيوني ومَن يؤازره عربياً ودولياً، إلا أن الأمر الآن (2019) يستدعي من المقاومين في فلسطين وخارجها أن يتّجهوا وبقوّة ناحية بناء إستراتيجية جديدة للتعامل مع ملف الشتات ، والذي إن أحسنوا إدارته سيكون عامل قوّة وجذب للطاقات في مواجهة مشاريع الصهينة والتطبيع ، وسيتمّ إنقاذ قطاع واسع من فلسطينيي المخيّمات من عمليات استقطابهم من قِبَل تنظيمات الإرهاب الداعشي كما جرى في سوريا ويجري الآن في لبنان وفي سيناء المصرية . إن الأمر يمكن أن يبدأ بدعوة لمؤتمر تأسيسي جديد تحت شعار (نحو استراتيجية للمقاومة عبر فلسطينيي الشتات ) وأن يُعدّ له جيّداً (وليس مثل مؤتمرات ولقاءات سابقة كانت فاشلة وقاصرة ) وأن يكون هو البداية للعودة الحقيقية لفلسطين عبر خيارات المقاومة وليس خيارات الأونروا والمعونات والتسوّل من دول عربية ودولية شاركت الكيان الصهيوني – ولاتزال- منذ البداية في جريمة الشتات الفلسطيني ، تلك هي البداية .. فمَن لها ؟