هل يدفن نزار قباني مرتين؟

تخيلي أن منزل نزار قباني معروض للبيع!

يغلق آدم هاتفه بعصبية وينظر إلى حواء.

آدم: ما سر نكران الجميل هذا؟

تنظر إليه بدهشة.

حواء: عماذا تتحدث؟

آدم: أتحدث عن رجل صلّى مدننا هماً هماً وقضية قضية، قبّل جبين مقاومتنا حجراً حجراً ورصاصة رصاصة، وذكر قلوبنا حباً حباً ودمعة دمعة، ثم كعادتنا تناسينا اسمه.

حواء: من تقصد؟

آدم : أقصد فالنتين عصرنا وبندقية الحب والياسمين، نزار قباني الذي استضاف البلاد العربية ومظلوميتها في كلماته، وأسكن دمشق وأهلها قلبه، ثم لم يساعده أحداً من هذه البلاد في شراء منزله.

حواء: ما بالك تبني كلامك كأحجية؟

يجيبها بنبرة المفجوع.

آدم : تخيلي أن منزل نزار قباني معروض للبيع!

حواء: ليست هي المرة الأولى التي يُباع فيها هذا المنزل، فقد انتقلت ملكيته لعائلتين على التوالي، وللأمانة فقد حاول الملاك الجدد القدامى - أقول قدامى لأذكرك بأنهم يملكون المنزل منذ أواخر ستينيات القرن الماضي - الحفاظ على المنزل ثم أنهم يستقبلون محبي نزار قباني بكل رحابة صدر منذ وفاته عام 1998 حيث فتح المنزل لاستقبال المعزين لمدة ثلاثة أيام متتالية.

آدم: لا أخفي تقديري واحترامي لاجتهادهم في محاولة الاحتفاظ بهذا المنزل، رغم وقوعهم في الخطأ أحياناً.

حواء: إذا كنت تقصد المصعد الكهربائي وبعض الشعارات الدينية داخله فهي من حق المالك في ما يملك.

آدم: هم مخطئون أبرياء ونحن حياديون مذنبون، هذا الخطأ يوقع الذنب علينا.

حواء: ما الذي نستطيع القيام به؟

آدم: ندفع وزارة الثقافة لشراء المنزل وإنقاذه من صدفة سيئة ربما تجمعه بيد بمالك جديد لا يقدر قيمته التاريخية والثقافية.

حواء: لم نفعلها مع غيره فلماذا يحظى نزار بكل هذا الاهتمام؟

آدم: كان نزار صاحب أول قصيدة تنوير في عصرنا "خبز وحشيش وقمر" و مزارع أشجار الحب المعلن " بلقيس، قالت لي السمراء، طفولة نهد"، معلم حرفي الحرية و التذمر لا "متى يعلنون وفاة العرب، الديك"، وقلم المقاومة "سميتك الجنوب، منشورات فدائية".

حواء: لا تنس قصائده المغناة بصوت فيروز وعبد الحليم وأم كلثوم ونجاة الصغيرة وغيرهم.

آدم: أرأيت معنى أن يدفن نزار مرتين وأن نفلس من آخر شجرة ياسمين نجلس في فيئها؟ أرأيت معنى أن نعيش من دون أغنية وأن نجوع لقصيدة عطر؟

حواء: لا تخف، فما زال نزار سخياً بهداياه على الجميع، فهو ككل العظماء الذين مروا على الأرض لا بد أن التراب سيفشل بتقييد كلماته.

آدم: لاشك في ذلك، لكن تحويل منزله إلى متحف ومكتبة سيعطي لقصائده مكبراً للصوت، لعل فكره يشعل فينا شمساً جديدة توقظنا من نوم الدببة القطبية هذا ... صدقيني سندفن ضمائرنا إلى الابد إذا قبلنا بدفن نزار قباني مرة تانية.

حواء: دعنا نصلي لقيامة جديدة لفكر نزار.

يفهم آدم دعوتها ويبتسم موافقاً ثم يقبلها.