بين اليمن وفلسطين.. رسائل التضامن والدعم في اتجاهين
اليمن وفلسطين.. توأم المعاناة والمواجهة والصمود.. ليس غريباً أن تسير رسائل الدعم المتبادلة على خط ساخن دائماً
-
يتوحّد اليمنيون والفلسطينيون حول القضية نفسها
في أحد أحياء العاصمة اليمنية صنعاء، تقع حارة صغيرة تسمّى "القدس". شارع آخر غربي العاصمة يحمل اسم الشهيد الفلسطيني محمد الدرة.
فلسطين أيضاً لم تنسَ اليمن في حضورها الجغرافي، إذ يوجد حيّ يدعى "اليمن" في بلدة سلوان، جنوبي المسجد الأقصى. اليمن كان، ولا يزال، توأم الوجع الفلسطيني. يرتبط الشعبان، أحدهما بالآخر، عبر صمودهما، وتماثُل المعاناة التي يعيشانها.
لا شكّ في أنّ اليمن وفلسطين يقفان اليوم في خطّ الدفاع الأول في مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، ولاسيما أنّهما يعملان على مواجهة العدو، في كلّ السُّبُل الممكنة. قاسى الشعبان، اليمني والفلسطيني، مرارةَ الظلم وجور العدوان، وهو ما جعل مظلوميتهما متشابهةً، وصمودهما أيضاً.
انطلاقاً من تشابه أوجه المعاناة، وتوحّدهما خلف القضية نفسها، دائماً ما أدّى الفلسطينيون تحية صمودٍ وثبات، موجَّهة إلى الشعب اليمني في مناسبات متعدّدة، بينما هبّ اليمنيون لنُصرة القضية الفلسطينية في كل محطاتها، عبر تظاهرات مليونية، وخلال مواقف سياسية صادحة.
الشعب اليمني، على الرغم من الجراح.. فلسطين قضيتنا
لم يوفّر اليمنيون يوماً جهداً من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعمه، سواء كان ذلك بكلمة حق تعلو في تظاهرة، أو عبر مساعدة مادية.
تظهَّر هذا الأمر بوضوح في معركة "سيف القدس"، في أيار/مايو 2021، بحيث دشنت حكومة صنعاء، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حملة تبرعات مالية دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، تحت شعار "القدس أقرب"، وبعنوان "أموالنا تحمي القدس".
وعلى الرغم من الحصار الذي يعانيه اليمنيون، ومن الجوع والأمراض التي تفتك بهم، فإنهم آثروا تقديم ما يملكون، ولو القليل، من أجل المساعدة على التخفيف عن إخوانهم في فلسطين.
الأمر لم يقتصر على ذلك، إنما احتشد اليمنيون في مختلف المدن والمحافظات تضامناً مع الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأكدوا خلالها أنّ معركة "سيف القدس" هي معركة الأمة. واعتبر المشاركون في التظاهرات أنّ معركة الشعب الفلسطيني مع الكيان الصهيوني جزءٌ لا يتجزّأ من معركة الشعب اليمني مع تحالف العدوان، وشدّدوا على أنهم لن يألوا جهداً في نُصرة فلسطين، على الرغم من العدوان والحصار.
حاضرون لأن نقتسم اللقمة الواحدة مع إخوتنا في فلسطين
عسكرياً أيضاً، شبك اليمنيون قضيتهم بالقضية الفلسطينية، عبر مبادرة تبادُل الأسرى، بحيث أعلن قائد حركة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، أواخر آذار/مارس الفائت، الاستعداد التام للإفراج عن أحد الطيّارين السعوديين الأسرى لديهم مع 4 من ضباط وجنود سعوديين، في مقابل الإفراج عن المختطَفين الفلسطينيين من حركة "حماس" لدى النظام السعودي.
وشكّل هذا الموقف ترجمةً حقيقية لدعم الشعب الفلسطيني في نضالاته، وهو الأمر الذي لقي تقديراً واسعاً من الجانب الفلسطيني.
ودائماً ما يجدّد الحوثي، في مختلف المناسبات، تأكيدَه تمسُّكَ اليمن وشعبه بفلسطين، بإشارته إلى "أننا حاضرون لأن نقتسم اللقمة الواحدة مع إخوتنا في فلسطين، وأن نُؤْثِرَهم على أنفسنا"، وتشديده أيضاً على أنّ مواقف اليمنيين تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والموقف من العدو الإسرائيلي والغطرسة الأميركية، "مواقف مبدئية لا تقبل المساومة".
وتُعَدّ القضية الفلسطينية قضيةً مركزية أساسية لدى الشعب اليمني، وهو مبدأ يتمّ ترسيخه دائماً في التصريحات اليمنية، التي كان آخرها على لسان عضو المجلس السياسي في حركة أنصار الله، محمد البخيتي، الذي أكد أنّ "حريتنا وسيادتنا في اليمن هما من حرية فلسطين وسيادتها".
اليمن حاضرة في وجدان الفلسطينيين
خلال السنوات الماضية، تعرّض الشعب اليمني لأقسى أنواع الجرائم وأبشع أشكال المجازر، التي أودت بأرواح الآلاف من المدنيين العزّل، وهو الأمر الذي رفضه الفلسطينيون واستنكروه دائماً. وبالطبع، لم تمرّ المجازر التي ارتكبها التحالف السعودي في صعدة والحُديدة، أول أمس، من دون أن تشعل الغضب داخل قلوب الفلسطينيِّين.
فبعد سقوط عشرات الشهداء والجرحى، جرّاء غارات للتحالف السعودي، استهدفت بصورة مباشِرة السجنَ المركزي في صعدة، ومبنى الاتصالات في مدينة الحُدَيْدَة، سارعت الفصائل الفلسطينية إلى إدانة هذه المجازر.
حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أكدت أنّ "استهداف المدنيين المتعمَّد في اليمن، هو دليل على فشل هذا العدوان وهزيمته في ميادين القتال"، في حين عبّرت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين عن "تضامنها الكامل مع عائلات الضحايا، ومع الشعب اليمني الشقيق".
بدوره، لفت القيادي في حركة "حماس" محمود الزهار، إلى أنّ "هناك تشابهاً بين العدوان على اليمن وعدوان الاحتلال على الفلسطينيين"، بينما شددّت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة على "ثقتها بقدرة الشعب اليمني المجاهد على الانتصار، بفضل صموده وتضحياته وحكمة قيادته وشجاعتها".
وتجسيداً للموقف الفلسطيني الداعم لليمن، بدأت مساء اليوم السبت، في مدينة غزة، وقفة تضامنية مع اليمن، بدعوةٍ من حركة "الجهاد الإسلامي"، في وجه العدوان الذي يتعرّض له من جانب التحالف السعودي رفعت خلالها الأعلام اليمنية والفلسطينية. وخلال الوقفة، توجَّه القيادي في "الجهاد الإسلامي"، خالد البطش، إلى الشعب اليمني، قائلاً له: "نقف معكم في وجه المجازر التي لطالما عانينا جرّاءها".
"فلسطيني..
سأحيا لا أهابُ الموتَ
مِقْلاعي يُصاحبُني
وكفّي فوقَ سِكَّيني
ويكفي أنّني لما
أُحركُ بعضَ أطرافي
يُدبُّ الخوفُ من يافا إلى الصّينِ"
الشاعر اليمني عبد الواسع السقاف