حراك دبلوماسي في الأمم المتحدة.. الدول "المعاقَبة" تواجه واشنطن؟

نحو 16 دولة في الأمم المتحدة تطالب الولايات المتحدة باحترام ميثاق الأمم المتحدة ووقف العقوبات الأحادية، فكيف يمكن قراءة هذا الموقف وفي أي سياق؟

  • حراك دبلوماسي في الأمم المتحدة.. الدول المعاقبة تواجه الولايات المتحدة
    الصين وروسيا وإيران تقود مجموعةً للحفاظ على التعددية الدولية

يمكن وصف خطوة "مجموعة الأصدقاء المدافعين عن ميثاق الأمم المتحدة" التي تقودها أبرز الدول المتضررة من العقوبات الأميركية الاقتصادية والسياسية، بأنها واحدة من أبرز مصاديق التعاون الدولي في الشق الدبلوماسي لمواجهة الاستخدام غير المشروع للقوة الأميركية من أجل ضمان استمرار هيمنتها على الدول النامية.

فالمجموعة التي لا تزال في طور الحشد الدولي والمتشكلّة من 16 دولة، حتى الآن، أبرزها الصين وروسيا وإيران وسوريا وفنزويلا وكوبا والجزائر، تعتمد في تحركها على القانون الدولي والمواثيق الأممية التي تضمن التنوع والتعددية وحق الدول في الحفاظ على مصالحها وحماية ثرواتها وعلاقاتها بالدول الأخرى وفق مبدأ التعاون والاحترام، لا العقوبات واستغلال القوة.

لقد مسّت العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية خلال السنوات الماضية بالكثير من الدول، وتحولت إلى كابوس مدمّر لحياة المواطنين في فنزويلا وكوبا وإيران وسوريا، حيث أعاقت تأمين الحاجات الإنسانية وقطعت السكان عن محيطهم الخارجي وعرضتهم للموت بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وحجب التحويلات المالية اللازمة لشراء المعدات الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا وأدوية الأمراض المستعصية.    

لكن إسراف الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في استخدام العقوبات والانسحاب من الاتفاقيات الدولية، لا يعني أن الإدارة الجديدة أقل رغبةً في استخدام السلاح نفسه، فقد أظهرت الشهور الأولى من عمر هذه الإدارة أنها لا تنوي - في المدى المنظور - التخلي عن استغلال تفوقها الاقتصادي والعسكري لفرض سياساتها على الدول الأخرى، بما في ذلك دول كبرى وشريكة في مجلس الأمن الدولي كالصين وروسيا.  

ويشرح موقف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، يوم الأربعاء الماضي، بأن بلاده "لن تقدم تنازلات أو ترفع العقوبات على إيران" لتجتمع معها في مفاوضات جديدة، مدى تمسك واشنطن بمبدأ "التفاوض تحت سيف العقاب"، رغم أهدافها المعلنة بضرورة استعادة صورة أميركا "الراعية للمواثيق" والتي دمرها ترامب، وفق زعمها.

 أضرار العقوبات على حلفاء واشنطن

الباحث في العلاقات الدولية وليد شرارة أشار في حديث لـ"الميادين نت" أن الولايات المتحدة باتت في السنوات الأخيرة أكثر استخداماً للعقوبات في سياستها الخارجية، حيث تحولت إلى "جزء من ترسانة متنوعة تشمل العمليات الخاصة والحرب السيبرانية والدعاية الهادفة لتشويه سمعة الخصوم".  

وأوضح شرارة أن "أعداء" الولايات المتحدة ليسوا وحدهم المتضررين من العقوبات، فحلفاء واشنطن أيضاً مستاؤون من إغلاق أبواب الأسواق الإيرانية والروسية والصينية الضخمة والنشطة أمامهم، ويطمحون للاستثمار في هذه الأسواق الصاعدة في أقرب وقت ممكن، خاصةً بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفها وباء كورونا. 

وأضاف أن العقوبات الأميركية مسّت بالشركات الأوروبية بل بالشركات الأميركية التي اضطرت للتراجع عن استثمارات كانت تجريها أو تخطط لإجرائها في موسكو وبكين وطهران، وبالتالي فإن رقعة المعارضة بدأت بالاتساع تجاه "أدوات الابتزاز الأميركية"، وفق تعبير شرارة.

في هذا الموضع، يمكن الإشارة إلى استخدام الإدارة الأميركية لـ"سلاح العقوبات" ضد الدولة في الاتحاد الأوروبي؛ ألمانيا. وذلك على خلفية مشروعها المشترك مع روسيا والمتمثل بمضاعفة إمدادات الغاز الطبيعي عبر بحر البلطيق، بما يعرف بمشروع "السيل الشمالي 2"، والذي لقي معارضة أميركية حادة ومضرّة بالعلاقات عبر الأطلسي، بلغت حدّ معاقبة شركات ألمانية وسويسرية فضلاً عن الروسية المشاركة في المشروع.

لا شكّ بأن برلين مستاءة من العقوبات الأميركية، فهي أوضحت مراراً أن سياسة الطاقة الأوروبية تحدد وفق معايير بروكسل لا معايير واشنطن. لكنها بدلاً من معارضة مسألة العقوبات الأحادية والتعسفية توجهت برلين إلى الطلب من إدارة جو بايدن الجديدة "التعاون في فرض عقوبات محددة، وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً في السنوات الـ4 الماضية"، وفق تصريح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس. 

إذاً، لا تبدو الدول الأوروبية، حتى الساعة، مستعدة للتعاون في الضغط الدبلوماسي على الولايات المتحدة من أجل تجنيب العالم العقوبات الأميركية الأحادية، ورغم خسارتها لمليارات الدولارات جراء العقوبات المفروضة على قطاعات اقتصادية أو كيانات أساسية في إيران أو روسيا، لا تزال مصرّة على دعم موقف واشنطن بضرورة عودة طهران للاتفاق النووي وإن كانت الأخيرة لم تنسحب منه بتاتاً وحافظت على تطبيق بنوده حتى تعليق العمل بالبروتوكول الإضافي، في شباط/فبراير الماضي.     

هل سيحافظ "سلاح العقوبات" على فاعليته؟  

بحسب الباحث شرارة فإن "الدول المتضررة من العقوبات بدأت فعلاً بتنمية أواصر علاقاتها الاقتصادية والسياسية، وصارت أكثر قدرةً على مواجهة العقوبات وإيجاد بدائل محلية بالاعتماد على الموارد والثروات المتوفرة"، متوقعاً أن يتطور التعاون بين هذي الدول في الفترة المقبلة.

ويدعم هذا الرأي تصريحات المسؤولين الأميركيين، الذين باتوا مقتنعين بمحدودية فاعلية العقوبات وخسارتها قوتها عبر السنين، حيث تمكنت الدول المستهدفة من "التكيّف" مع الظروف القاسية التي أنتجتها العقوبات المفرطة.

وفي هذا السياق، اعترف مسؤول أميركي كبير بأن عقوبات بلاده ضد كاراكاس "لم تنجح" في تحقيق أهدافها بالإطاحة بالنظام الذي يرأسه نيكولاس مادورو، و"تغيير النتائج الانتخابية"، مؤكداً أن فنزويلا، في المقابل، نجحت بـ"التكيّف مع العقوبات".

واحدة من الآثار الجانبية المفيدة للعقوبات هي تخفيف اعتماد الدول المتضررة على اقتصاد السوق والريوع، والتوجه نحو اعتماد سياسات اقتصادية تضع الإنتاج والكفاءة على رأس سلّم الأولويات، وهذا ما نجده واضحاً في إيران التي اقتربت من تحقيق أهدافها بتقليل اعتماد موازنة الحكومة على النفط إلى الحدود الدنيا، والالتفاف على العقوبات عبر اعتماد مبدأ المقايضة.    

في الختام، إن التحرك الدبلوماسي في الأمم المتحدة "يأتي بتوقيت صائب"، حسب الباحث شرارة، لأنه يتزامن مع الإقرار الدولي بتراجع قدرات الولايات المتحدة ومع تقدّم الدول المناوئة، "وهو تحرك قد يجد من يدعمه في معسكر واشنطن نفسها".  

اخترنا لك