أوكرانيا تدفع ثمن نوبات غضب القوى العظمى
لا توجد دولة فاعلة أو إمبراطورية في تاريخ جنسنا البشري قد أتقنت الدعاية، والسرد، والسيطرة على الفكر بشكل كامل وخبير كما فعل الجيش الأميركي وأجهزته الأمنية والمخابراتية.
-
أوكرانيا تدفع ثمن نوبات غضب القوى العظمى
موقع "Counter Punch" ينشر مقالاً للكاتب ديفيد داماتو يقول فيه إنّ الحرب التي تدور اليوم في أوكرانيا تضرّ بالسكان المدنيين في أوكرانيا، لأجل مصالح المجمع الصناعي العسكري في واشنطن.
فيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
يتطلب شرح الحرب في أوكرانيا، وعياً وفهماً للأيديولوجية الشاملة للإمبريالية الأميركية، التي تتمظهر في بث وسائل الإعلام المنغمس في الدعاية لحكومة الولايات المتحدة، الممنوحة بشكل خاص الحق في وضع القواعد لكوكب الأرض بأكمله؛وهذا اعتقاد مشترك بين نخب واشنطن الحاكمة من الجمهويين والديمقراطيين على حد سواء.
المصالح الاستراتيجية الوحيدة التي يعترف بها هؤلاء، هي مصالح الولايات المتحدة، التي يجب أن تحكم العالم، كما كتب الباحث ديفيد برومويتش مؤخراً، عن أنّ "قواعد النظام الدولي الحالي هو تصور لما تريده الولايات المتحدة، التي يمكنها الضغط حين الحاجة على حلفائها وخصومها لتحقيق أهدافها".
مع ذلك، لا تثير هذه الأيديولوجية اشمئزاز النخب الليبرالية من المظاهر العلنية للكراهية العنصرية والعنف ودعوات الإبادة الجماعية. وربما يكون الإيمان الراسخ في التوسع والغزو هو القاسم المشترك، الذي تتحلق حوله نخب الإمبراطورية، بافتراضها كقوة للخير في العالم.
على الرغم من أنّ الأميركيين لا يعترفون بأنّ العقيدة الإمبريالية الأميركية هي شكل من أشكال التطرف العنيف لأفكار مشوهة تزيّف الحقائق، ومن شأنها أن تدفع بالمجتمع نحو الخطاب القومي الذي يعتقد أنّ للولايات المتحدة الحق في حكم العالم، كون المؤسسة السياسية الأميركية تزعم بأنّ هدفها النهائي هو نشر الحرية وجعل العالم آمناً للديمقراطية، لكن لا يمكن تصديق ذلك، خاصة الآن، وبعد إضرام الولايات المتحدة وحلف "الناتو" نيران الحرب في أوكرانيا.
استطاعت وسائل الدعاية الغربية أن تحشد الليبراليين خلف هذه الثقافة الأحادية السامة، والقابعة في عمق المجتمعات، وما تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية الدعائية الطموحة بنجاح في بيئة تفيض بالمعلومات المتاحة، إلا إنجاز مثير للإعجاب.
لا توجد دولة فاعلة أو إمبراطورية في تاريخ جنسنا البشري قد أتقنت الدعاية، والسرد، والسيطرة على الفكر بشكل كامل وخبير كما فعل الجيش الأميركي وأجهزته الأمنية والمخابراتية، التي استطاعت أنّ تزاوج بين الليبراليين والنازيين الجدد، في الجهد الحربي ضد روسيا في أوكرانيا.
قلّلت الولايات المتحدة من شأن المخاوف المشروعة لملايين المواطنين الأوكرانيين الذين يرون أنّ مصالحهم تتقاطع مع روسيا. وفي الوقت عينه، اتضح الآن أنّ النازيين الأوكرانيين لعبوا دوراً كبيراً في الانقلاب في عام 2014، وهم مستمرون في تأثيرهم القوي على الحكومة الحالية، كما تعترف وسائل الإعلام الغربية، في ظل توتر تشهده العلاقة بين الحزب الحاكم في كييف بقيادة رئيس البلاد، الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة "آزوف" الفاشية، التي ترفع شعاراتها البغيضة والمتطرفة بشكل علني.
أصبح من الواضح الآن أنّ النازيين الجدد والقوميين الأوكرانيين يلعبون دوراً حاسماً في توجهات وقرارات حكومة بلادهم، التي أصبحت قبلة لليمين المتطرف في العالم، كما كتب الصحفي الأسترالي جون بيلجر في ربيع عام 2014 : "نحن في الغرب ندعم النازيين الجدد في بلد دعم متطرفوه هتلر في السابق".
وجهة نظر سكان أوكرانيا الناطقون باللغة الروسية والمؤيدون بطبيعة الحال لموسكو، تم شطبهم من سردية الدعاية الغربية، وأعدادهم بالملايين. كذلك تم التقليل من المخاوف المشروعة الروسية بشأن الطموحات الأميركية للتموضع العسكري في شبه جزيرة القرم.
يا ترى كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة إذا كان هناك تهديد مماثل؟ بعد النجاح في تنظيم انقلاب في البلاد، حولت الولايات المتحدة أوكرانيا "إلى حديقة ترفيهية تابعة لوكالة المخابرات المركزية"، ونقطة محورية استراتيجية رئيسية لأنشطة الاستخبارات، والاستعدادات للحرب. وكان البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية، لعقود من الزمن قبل الانقلاب، ينظران إلى أوكرانيا على أنها فرصة رئيسية.
واستخدمت وكالة المخابرات المركزية هيئات تبدو شرعية مثل "الصندوق الوطني للديمقراطية" لإذكاء المشاعر المعادية لروسيا وتنظيم القوميين الأوكرانيين في علاقات رسمية وغير رسمية أعمق مع الولايات المتحدة والتوافق مع مصالحها الإمبريالية، واستخدام المؤسسات الخيرية كطريقة ملائمة لتحويل حوالات مالية كبيرة بلا إثارة ريبة.
هذا النوع من الخداع، كما لاحظ المؤرخ جيريمي كوزماروف، ضروري لدعم الكذبة الغربية السخيفة ظاهرياً بأن تصعيد روسيا للصراع كان ببساطة عدواناً غير مبرر. يمكننا أن نعترف بأن الدولة الروسية مخطئة، دون الانغماس في رؤية طفولية للأحداث تتجاهل التوجه الأميركي المركز والمزود بموارد هائلة لدفع الناتو نحو حدود روسيا.
الحقيقة غير الغامضة، والتي لا جدال فيها هي أنّ الولايات المتحدة وحلفائها قد نكثوا بكل الوعود التي قطعوها بتوسيع حلف "الناتو"، وهو اتجاه مستمر حسب إعلان الحلف في اجتماعه مؤخراً.
والآن أصبحت الصين والمحيط الهادئ، في مرمى نيران"الناتو". ومرة أخرى، لا توضح الولايات المتحدة المصالح والأهداف الإستراتيجية لهذا التصعيد الجديد.
يتوجب على الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص ، أن يفهموا أنّ الجهود العسكرية المتضافرة التي يقدمونها لحكومة كييف، لا تساعد الناس العاديين في أوكرانيا، الذين يتم استخدامهم في سبيل استنزاف روسيا، في صراع يراد له أنّ يبقى لجيل كامل.
الحرب التي تدور رحاها اليوم تضرّ بالسكان المدنيين في أوكرانيا، لأجل مصالح المجمع الصناعي العسكري في واشنطن، التي إذا استمرت في استفزاز روسيا، بدلاً من السعي الحيوي نحو السلام والدبلوماسية، فإنها ستضع العالم على طريق التدمير الذري. لقد عرّضت التدخلات الوحشية وغير المسؤولة لوكالة المخابرات المركزية المدنيين الأبرياء العاديين للخطر في هذا الصراع، كما فعلوا دائماً في النزاعات والسابقة.
علينا أن نتعامل مع السلام بجدية، وإلا فلن ننجو.
نقله إلى العربية: حسين قطايا