تقرير: هل تفلس الجهود الغربية الأوكرانية تدريجياً.. ثم فجأة تختفي؟

تقرير في موقع "responsible state craft" الأميركي يحذّر من قطع المساعدات بشكلٍ كامل، أو حتى المطالبة بـ"النصر الكامل" لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

  • فشلت أوكرانيا في هجومها المضاد الذي شنته رغم المساعدات العسكرية الهائلة التي تتتلقاها من الغرب
    فشلت أوكرانيا في هجومها المضاد الذي شنته رغم المساعدات العسكرية الهائلة التي تتلقّاها من الغرب

تناول موقع "responsible state craft" التابع لمعهد "كوينسي" للدراسات الأميركي، مسألة الدعم الذي تقدّمه الدول الغربية لأوكرانيا، معرّجاً على ما حصل مؤخّراً داخل الكونغرس الأميركي من خلال تمرير مشروع موقت لتمويل الحكومة الأميركية لمدة 45 يوماً أخرى.

ويشير كاتب التقرير، جورج بيبي، إلى أنّه بعد تعثّر الهجوم الأوكراني المضاد، بات أغلب الأميركيين يعارضون الآن تقديم مساعداتٍ إضافية لكييف، لافتاً إلى المحاولات الجارية للوصول إلى تسويةٍ دبلوماسية ما للصراع لضمان "عدم انهيار أوكرانيا بالكامل"، مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب بالنسبة للغرب والعالم. 

وفيما يلي نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كيف يمكن أن يفلس مجهود الغرب الحربي في أوكرانيا؟.. التطورات التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية تذكّر بعبارة الكاتب الروائي الإنكليزي، إرنست همنغواي، عن "التخلّي: طريقان، بالتدرّج ثم فجأة".

وإذا كان ذلك صحيحاً، فسوف يكون بمثابة أنباء سيئة ليس فقط لأولئك الذين يصرّون على تحقيق نصر غير مشروط لأوكرانيا، بل وأيضاً لأولئك الذين يضغطون من أجل التوصّل إلى تسوية دبلوماسية للصراع.

الجزء التدريجي يجري بالفعل على قدم وساق. وقرار الكونغرس الأميركي بتمرير مشروع قانون الإنفاق الموقت "النظيف" لتمويل الحكومة الأميركية لمدة 45 يوماً أخرى، بعد الرضوخ للضغوط التي يمارسها بعض أعضاء الحزب الجمهوري لتجريد مشروع القانون  من المساعدات، كأحدث علامة على مدى السرعة التي تجري فيها هذه السياسية، بمضاعفة المد في هذا التحوّل. 

قبل عام من الآن، لم يكن من الممكن تصوّر مثل هذا الاتجاه الأميركي في الحرب الأوكرانية، خصوصاً حين ألقى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كلمة أمام جلسة مشتركة متلفزة للكونغرس أمام وسائل الإعلام، بشكل احتفالي وبهرجة تبدو اليوم بعيدة عن التكرار. 

بعد 10 أشهر على خطاب زيلنسكي، سقطت باخموت، ثم تعثّر الهجوم الأوكراني المضاد. وأشارت سلسلة من استطلاعات الرأي إلى أنّ أغلب الأميركيين يعارضون الآن تقديم مساعدات إضافية لكييف.

وعندما زار زيلنسكي واشنطن في الشهر الماضي، عومل باعتباره متطفّلاً أكثر من كونه بطلاً ملهماً. كذلك، تمّ منعه من قبل رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، من إلقاء كلمة أمام الكونغرس، بحجة أنّ "ضيق الوقت لا يسمح".

بدأت علامات الإرهاق من أوكرانيا تظهر في أوروبا أيضاً، وسط خلاف حول الصادرات الزراعية الأوكرانية التي أضرّت بالمزارعين في الاتحاد الأوروبي، وشبّه الرئيس البولندي أندريه دودا، أوكرانيا بأنّها تغرق وتشدّ من ينقذها معها إلى الأعماق. وكان الرئيس الهنغاري فيكتور أوربان قد قال، إن بلاده "لن تقدّم بعد الآن أي دعم لأوكرانيا". وكانت سلوفاكيا الدولة الأولى التي سلّمت طائرات مقاتلة إلى أوكرانيا بعد انطلاق العملية الروسة الخاصة، أظهرت أنّ الأكثرية الشعبية تعارض تسعير الحرب، وعبّرت عن ذلك في الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية الأسبوع الماضي، حيث اختار الناخبون حزب رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو، الذي كان قد دعا في حملته الانتخابية إلى إنهاء كلّ المساعدات لأوكرانيا.

في الوقت نفسه، صعد "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني، إلى المركز الثاني في استطلاعات الرأي، على خلفية معارضته منذ البداية الابتعاد عن روسيا بشأن الحرب الأوكرانية. فالركود الأوكراني في ساحة المعركة، يدفع بالمزيد من الأوروبيين والأميركيين إلى التساؤل عما إذا كانت المليارات من المساعدات تُهدر على حرب لا يمكن الفوز فيها، مما يعزّز مخاوف إدارة بايدن من أنّ الشركاء في حلف "الناتو" لن يستمرّوا في تحمّل عبء دعم حرب أوكرانيا.

وفي واشنطن، يؤدي فشل البيت الأبيض في صياغة استراتيجية للخروج من الحرب، إلى تغذية المخاوف من انخراط الولايات المتحدة في "حرب أبدية" مرة أخرى، لكن هذه المرة كحرب بالوكالة ضد قوة نووية. ويؤدي هذا النهج الجديد في التفكير في الغرب عموماً، إلى تقويض معنويات أوكرانيا في الساحتين العسكرية والسياسية، فالتأكّل التدريجي للدعم الغربي قد يصل إلى انخفاض مفاجئ أو توقّف كامل.

إنّ حدث ذلك، يزعم البعض أنّ موسكو ستقوم بضمّ كل أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي لتتقدّم جبهتها مع الغرب نحو بولندا ودول البلطيق، مع أنّ روسيا لم تظهر هذا الطموح لا من قبل ولا الآن. وبدلاً من ذلك، من الأرجح أن تقوم موسكو بالاستيلاء على بقية منطقة دونباس وربما ساحل البحر الأسود الناطقة باللغة الروسية. وإذا سعت كييف إلى السلام تحت مثل هذا الإكراه، فقد يهدّد ذلك حكم زيلينسكي. وإذا رفضت، فقد تدمّر الدولة الأوكرانية. وفي كلتا الحالتين فإن تمويل وحكم ما تبقّى من أوكرانيا سوف يصبح مشكلة الغرب، وليس مشكلة روسيا.

وفي غياب تسوية متفق عليها للحرب مع روسيا، فإن قِلة من المانحين قد يساهمون بمئات المليارات من الدولارات اللازمة لإعادة إعمار أوكرانيا. وسوف تتضاءل آفاق الديمقراطية وسيادة القانون وتتزايد تدفقات اللاجئين الأوكرانيين إلى أوروبا، وهو ما من شأنه أن يغذي المزيد من الانقسامات داخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، حول من يتحمّل مسؤولية الخسارة الأوكرانية الفادحة.

وفي هذه الظروف، لن يكون لدى الرئيس  الروسي فلاديمير بوتين سوى القليل من الحوافز التي قد تدفعه إلى السعي للتوصّل إلى تسوية مع أوكرانيا أو الغرب، مما يترك العلاقة الأوسع بين الشرق والغرب في حالة مواجهة غير مستقرة إلى حد خطير، وتفتقر إلى آليات الحد من الأسلحة وإدارة الصراعات التي ساعدت في منع "الحرب الباردة" من أن تصبح ساخنة خلال القرن الماضي.

وسوف يكون لزاماً على أوروبا أن تتعامل ليس مع ستار حديدي جديد، بل مع جرح غائر سوف تستمر تأثيراته لسنوات مقبلة. وسوف يتقدّم التعاون العسكري الروسي مع الصين وإيران وكوريا الشمالية بشكل كبير.

هذه ليست أمور حتمية بالطبع، لكن، على أولئك الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة قادرة على إنهاء الحرب بمجرد إنهاء مساعداتها لأوكرانيا، يجب أن يفكّروا ملياً في هذه الاحتمالات المذكورة أعلاه. ويجب على الذين يصرون على أن الغرب يمكنه ببساطة مضاعفة جهوده في تقديم المساعدة إلى أوكرانيا أن يدركوا أن الاتجاهات الحالية لا تبشر بالخير بالنسبة لاستراتيجية إدارة بايدن الملتزمة شعار "طالما استغرق الأمر".

إن تجنّب مثل هذه الاحتمالات الواقعية سوف يتطلب من البيت الأبيض أن يتوصل إلى تسوية مع المعارضين المحليين للمساعدات من خلال توضيح خططه، على الأقل خلف الأبواب المغلقة للربط بين المساعدات العسكرية واستراتيجية خروج من الحرب قابلة للتطبيق. وسوف يكون لزاماً على معارضي المساعدات أن يتوصلوا إلى تسوية مع أنصارهم لضمان عدم انهيار أوكرانيا بالكامل، مع كل ما يصاحب ذلك من عواقب بالنسبة للغرب والعالم.

وسوف يكون لزاماً على الغرب وروسيا أن يتوصلا إلى حلول وسط، ليس بالضرورة بشأن الأراضي، ولكن بكل تأكيد بشأن البنية الأوسع للأمن الأوروبي ومكانة أوكرانيا فيه.

نادراً ما تكون التسوية ممكنة ما لم تكن لدى الجانبين أوراق للعب في المفاوضات. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تنزع الأوراق من يدها بإنهاء مساعداتها لأوكرانيا من جانب واحد أو اللعب بها قبل الأوان. ولكن ما لم تتحرّك بسرعة لتكملة المساعدات بالدبلوماسية، فقد تجد أن الفرصة للعب أوراقها قد اختفت فجأة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا