كريغ موراي: تواطؤ الغرب والمحكمة الدولية في عدم وقف الإبادة الجماعية

تقوم الطبقة السياسية الغربية بشكل منهجي بإسكات المعارضة الداخلية، والترويج لمسيرات صارخة بنفاقها ومقنعة بمناهضة معاداة السامية. لكن الأقنعة انتزعت واهتز العالم فجأة وتم كشف المؤسسة السياسية الغربية بأكملها.

  • مقر الأمم المتحدة في جنيف
    مقر الأمم المتحدة في جنيف

يكتب كريغ موراي، المؤلف والناشط في مجال حقوق الإنسان والسفير السابق لبريطانيا في أوزبكستان، عن النفاق الدولي، وخصوصاً الغربي، في التعاطي مع جرائم الإبادة الجماعية التي تنفذها "إسرائيل" في غزة، والتي يسكت عنها المجتمع الدولي، ويحاول الضغط من أجل عدم محاسبة الاحتلال عليها.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

تكشف المؤسسة السياسية الغربية، بأكملها تقريباً، عن ذاتها كمؤيدة وشريكة متحمسة للتفوق العنصري، وكمؤيدة لتقديم مساعدة نشطة للإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ومع أنه على كل دولة في العالم واجب التدخل لمنع الإبادة الجماعية في فلسطين بحسب القانون والاتفاقيات الدولية، فلم تتوصل بعد محكمة العدل الدولية إلى قرار اتهامي لحكومة تل أبيب وخططها للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، مع أنها جرائم واضحة وضوح الشمس وتشملها الفقرة 431 من حكم محكمة العدل الدولية في قضية البوسنة ضد صربيا، التي تقول: "ومن الواضح إن الالتزام بمنع الإبادة الجماعية ينشأ خلال استعداد صاحبها لتنفيذها لا بعد الشروع بالجريمة عملياً".

بيت القصيد في الالتزام الدولي هو منع وقوع الفعل أو محاولة منعه خلال عملية التحضير له. والواقع أن التزام الدولة بالمنع، وما يقابله من واجب التصرف، ينشأ في اللحظة التي تعلم فيها الدولة، أو كان ينبغي لها عادة أن تعلم بوجود خطر جدي بارتكاب الإبادة الجماعية. ومن تلك اللحظة فصاعداً، إذا توفرت للدولة وسائل لها أثر رادع على المشتبه في قيامهم بالإعداد للإبادة الجماعية، أو الذين يشتبه بشكل معقول في أن لديهم نية محددة، فإن من واجبها استخدام هذه الوسائل دون ورع.

مع ذلك، تتحجج محكمة العدل الدولية بعذر عدم تقدم أي دولة بقضية ودلائل على انتهاك "إسرائيل" لاتفاقية الإبادة الجماعية ومنعها، مع أن جرائم "إسرائيل" في هذا المجال تتعاظم منذ 75 عاماً. ومما يثير الحيرة أيضاً، أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ هذا الإجراء مع أنها طرف في الاتفاقية المذكورة ولديها القدرة على الاحتجاج بها.

في الأسبوع الماضي، حضرت حدثاً سريالياً في مقر الأمم المتحدة في جنيف، بمناسبة الاحتفال بالذكرى 75 لاتفاقية الإبادة الجماعية. وقد تم تنظيمه قبل بدء المرحلة الحالية من الإبادة الجماعية للفلسطينيين. وكان الموضوع هو منع التحريض على الإبادة الجماعية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. كان رسمياً اجتماعاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن الدول الأخرى كان يحق لها أيضاً الحضور والتحدث.

جاء المندوبون وذهبوا، ولكن على مدار اليوم كان هناك ما يقرب من 60 دولة حاضرة في القاعة. لم يتحدث الجميع في فضاء مشوب بالديناميكيات الدبلوماسية المرهقة بالأجندات السياسية.

مندوب فلسطين تكلم بشكل مؤثر عن الإبادة الجماعية الحالية في غزة والدمار الرهيب الذي لحق بعشرات الآلاف من الأبرياء تماماً، ومعظمهم من النساء والأطفال. كذلك طالبت الدنمارك باتخاذ تدابير ملموسة مهمة، لمنع التحريض على الإبادة الجماعية، بما في ذلك تشريع لمكافحة معاداة السامية في وسائل التواصل الاجتماعي.

ليس هناك شك في أنه سيكون هناك ضغط شديد من الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية لعدم تفعيل اتفاقية الإبادة الجماعية، لأسباب ليس أقلها الحقيقة الصارخة المتمثلة في كون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مخرطة في تنفيذ الاعتداءات بحق الفلسطينيين من جرائم الحرب  إلى الإبادة الجماعية.

اعتمدت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في العام 1948، على مضمون واضح يعتبر أياً من الأفعال المرتكبة عن قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء أي جماعة وإخضاعهم عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرهم كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، تهجير الأطفال عنوة، إلى أماكن أخرى، تعتبر جريمة إبادة جماعية سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الأطراف بمنعها والمعاقبة عليها.

الدول المتقدمة مقابل الدول النامية

شددت الدول العربية والأفريقية ودول أميركا الجنوبية في اجتماع جنيف، على الحاجة الملحة لوقف الإبادة الجماعية في غزة. بينما التزمت الدول "المتقدمة" على ضرورة سيطرة الدول على وسائل التواصل الاجتماعي ومكافحة "المعلومات المضللة" ومعاداة السامية.

وركز الخبراء بشكل كبير على فلسطين وما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي، التي لم ترق إلى مستوى الدلائل الدامغة على جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، مع أن العديد من الدول أحالت "إسرائيل" إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

كل الدول النامية والعربية التي تحدثت في جلسة الأمم المتحدة في جنيف وصفت "إسرائيل" بأنها احتلال استعماري. وهذا تحول حقيقي إلى الكلام الصريح. كذلك لم أجد دبلوماسياً واحداً من أي دولة يختلف معي عندما أقول إن هذا مضيعة للوقت لأن المحكمة الجنائية الدولية أداة غربية ولن تفعل شيئاً، ويبدو هذا لحظة صادمة لدرجة أن العالم بأسره يشعر بالذهول أمام هول المذبحة بحق الفلسطينيين، ولا تعرف الحكومات كيف تتصرف بعد أن انكشف صدع هائل في الشؤون الدولية.

في السابق، كانت الدول المتقدمة تتشدق بقيم المنظمات الدولية والمفاهيم الأساسية التي تحرك الأمم المتحدة، مثل إنهاء الاستعمار وحقوق الإنسان وحل النزاعات، واليوم تقوم "إسرائيل" بقتل الأطفال والنساء في غزة، وعددهم في الأيام الأولى للحرب أكثر بعشرة أضعاف من عدد الأطفال الذين قتلوا في عامين من الحرب في أوكرانيا.

تقوم الطبقة السياسية الغربية بشكل منهجي بإسكات المعارضة الداخلية، والترويج لمسيرات صارخة بنفاقها ومقنعة بمناهضة معاداة السامية. لكن الأقنعة انتزعت واهتز العالم فجأة وتم كشف المؤسسة السياسية الغربية بأكملها تقريباً نفسها كمؤيدة متحمسة للتفوق العنصري. 

لا توجد طريقة حقيقية لمواجهة الإبادة الجماعية في غزة دون مواجهة الدعم النشط من جو بايدن وأورسولا فون دير لاين وريشي سوناك ومعظم القيادات السياسية الغربية بما في ذلك كل من حزب العمال والمحافظين في المملكة المتحدة.

كثر الذين يخذلون الفلسطينيين، ومن يساند فلسطين لا يفعل ما يكفي. جميعاً نعمل بجهد أكبر، أينما كنا، للقيام بدورنا الصغير من أجل السلام.

علينا أيضاً أن نواجه تواطؤ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان وعدد من العملاء الغربيين الآخرين الذين يعملون على مستويات عليا داخل المؤسسات الدولية. إلى أين يذهب العالم من هنا، في مواجهة الكراهية العنصرية الخام وقتل الأطفال؟

 

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.