"الغارديان": الحرب على غزّة لا تُشن بالقنابل فقط

اللغة السياسية تلبس كل هؤلاء الأطفال القتلى والجوعى في غزّة تعبيرات ملطّفة، وتحجب التطهير العرقي بالأوهام.

  • "الغارديان": الحرب على غزّة لا تُشن بالقنابل فقط

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة أروى المهداوي، تتحدث فيه عن اللغة "الوسطية" التي تُستخدم تجاه الحرب التي تشنّها "إسرائيل" على غزّة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

أود أن أبدأ بنداء للصحافيين، وكل شخص آخر، للتوقف فوراً عن استخدام كلمة "وسطي". إنّها كلمة خبيثة أفسدت طريقة تفكيرنا في السياسة، وشوّهت نظرتنا إلى العالم.

ربما يبدو هذا مبالغاً فيه بعض الشيء. ففي نهاية المطاف، يبدو أن كون المرء "وسطياً" أمر معقول للغاية، أليس كذلك؟ الوسطي هو شخص معتدل وعقلاني وعملي، ويتخذ موقفاً وسطياً. شخص ليس متطرفاً، مثل هؤلاء الأيديولوجيين المجانين في أقصى اليمين، أو في أقصى اليسار. إنّ الوسطية، كما يملي المنطق، هي حقاً ما ينبغي للجميع أن يجتهدوا في أن يكونوا عليه.

لكن توقَّفْ لحظةً، واسألْ نفسك: كيف يمكنك تعريف الوسطي في مواضيع معينة؛ مثلاً في ما يخص الحرب على غزّة؟

عندما تبدأ توضيح ما تعنيه الكلمة حقاً، يتضح لك أنها تحجب أكثر مما تنير. فالكلمة لا تصف مجموعة من الأفكار بقدر ما تعزز نظاماً قائماً على السلطة.

إنّ هذا بالطبع سمة من سمات اللغة السياسية. وكما كتب جورج أورويل، في مقالته الشهيرة "السياسة واللغة الإنكليزية": "في عصرنا، يشكل الخطاب السياسي والكتابة السياسية، إلى حدّ كبير، دفاعاً عما لا يمكن الدفاع عنه".

كتب أورويل هذه المقالة في عام 1946. واليوم، بعد 78 عاماً، لا تزال ذات صلة وثيقة. انظر، على سبيل المثال، إلى المذبحة في غزة والضفة الغربية.

انظر إلى التصريحات الصادرة عن الزعماء الإسرائيليين، والتي تشير بوضوح إلى نية الإبادة الجماعية. انظر إلى المآسي، كما حدث مؤخراً، عندما قتلت القوات الإسرائيلية توأمين يبلغان من العمر أربعة أيام، إلى جانب أمهما وجدّتهما، وعندما ذهب والدهما لاستلام شهادتي ميلاديهما في وسط غزة.

في هذه الأثناء، انظر إلى الضفة الغربية، حيث نشرت "إسرائيل" خططاً لبناء مستوطنات جديدة، وهو ما ينتهك القانون الدولي. والآن، انظر كيف يتم تبرير كل هذا. هذه الحرب لا تُشن بالقنابل فحسب، بل تُشن أيضاً بـ"التعبيرات الملطفة، والغموض المحض".

وعندما تشرح ما يحدث بلغة واضحة، فإنّ ذلك لا يمكن الدفاع عنه. لذا، فإن اللغة السياسية تلبس كل هؤلاء الأطفال القتلى والجوعى تعبيرات ملطفة. إنها تحجب التطهير العرقي بالأوهام. تقول الكتابة السياسية: لا تصدق عينيك. فإنّ ما تراه أكثر تعقيداً مما تستطيع عيناك أن تستوعباه. لقد ترسخ هذا السرد إلى الحد الذي جعل الناس لا يصدقون أعينهم عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.

ومن أجل الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه، يبتعد الساسة والكتّاب السياسيون عن الواقعية، وعن اللغة الواضحة، ويختبئون وراء مصطلحات محترمة مثل "الوسطية". ويُوصَم المحتجون المؤيدون للفلسطينيين بأنهم من أقصى اليسار أو متطرفون. ومع ذلك، فإنّ الاستمرار في إرسال الأسلحة إلى "إسرائيل" من دون قيد أو شرط، وحماية الحكومة اليمينية المتطرفة من المساءلة، يُعَدّ موقفاً وسطياً، وبالتالي معقولاً.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.